كرة القدم في اليمن: شغف يقاوم آثار الحرب
Reports and Analysis
9 hours ago
share

كغيرهم من أبناء اليمن؛ يبذل الرياضيون جهداً شاقاً لالتقاط أنفاسهم بين أنقاض حرب امتدت لأكثر من 10 سنوات، وأثرت على مختلف جوانب الحياة، لكن رياضة كرة القدم بقيت تقاوم الحرب في الحارات والقرى الريفية ومخيمات النزوح كحالة شغف لدى الشباب والفتيان.

في الوقت الذي يسعى فيه سكان الريف والنازحون جاهدين لترميم شتات حياتهم الصغيرة، يفتش هؤلاء الرياضيون عن فسحة أمل تعيد لكرة القدم بريقها الغائب تحت رماد الحرب، وتمنحهم فرصة للتواصل وتخفيف الضغوط النفسية، خصوصاً أولئك الذين نشأوا في الريف، أو اضطرتهم ويلات النزاع إلى الفرار بحثاً عن ملاذ آمن.

ومثلما يعيد الفلاحون بناء بيوتهم الطينية المهدمة، ويجمع النازحون ما تبقى من شتات ذاكرتهم، يمد الرياضيون أيديهم نحو أحلام باتت بعيدة كالسّراب، يركضون خلف فرصة للمشاركة، ويقاومون العزلة والنسيان في بلد صارت ممارسة الرياضة فيه ترفاً محفوفاً بالمخاطر، ومحاولة شاقة للعودة إلى حياة التهمها الدخان، حتى غدت أرضها عاجزة عن إنبات بذور جديدة كما كانت من قبل.


    مواد ذات صلة

 صورة من افتتاح بطولة رياضية ريفية في إب

وعلى خلاف السنوات السابقة؛ بدت الأعوام الثلاثة الأخيرة أكثر حضوراً في ممارسة الأنشطة الرياضية، وتصدّرت كرة القدم هذا المشهد، خاصة في المناطق النائية وتجمعات النزوح، وقد شهدت العديد من المناطق الريفية إقامة بطولات متعددة في محافظات مختلفة، وصل صداها إلى رواد وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع.

ويوم الأحد الماضي، كانت مديرية العدين غرب محافظة إب على موعد مع افتتاح البطولة الرياضية السنوية الريفية لكرة القدم في نسختها الرابعة لعام 2025، والتي تحمل اسم “بطولة الفقيد الشيخ طاهر مرشد الفقيه”.

وتستمر البطولة لمدة شهر بمشاركة 10 فرق تمثل 8 عزل ضمن نطاق 3 مديريات هي: العدين، فرع العدين، ومذيخرة، وقد جرى توزيع الفرق على مجموعتين، بواقع خمسة فرق في كل مجموعة.

من منافسة العدين لهذا الموسم (تـ/ جهاد اليمني)

ومؤخراً، باتت مثل هذه البطولات تقام في السياني وبعدان والقاعدة وغيرها من مناطق محافظة إب، وامتد نشاطها ليشمل أرياف الحديدة وحجة والمحويت ومأرب وريمة وتعز ولحج وأبين وعدن ومأرب وحضرموت، وعدد من المحافظات الأخرى، وذلك بعد تراجع ملحوظ لهذه الأنشطة خلال عقد من الصراع.

ومع اتساع رقعة الحضور الجماهيري في هذه البطولات الريفية، أصبحت مشاهد الحماس والعفوية سمة مرافقة للمباريات، كما حدث بداية يوليو الجاري في مدينة الشحر بمحافظة حضرموت، حين أصيب 29 شاباً جراء انهارت سقالة كان قد تسلقها عدد كبير من الجمهور لتشجيع فريق التضامن، في مشهد لافت وثّقته عدسات الهواتف، وتداولته وسائل التواصل بكثافة، ما أعاد النقاش حول غياب معايير السلامة في الفعاليات الرياضية الشعبية.

ورغم الاهتمام المتزايد، تفتقر هذه الفعاليات إلى تدابير السلامة والتنظيم الأساسية، مثل ارتداء ملابس وأحذية رياضية مناسبة، وتركيب واقيات السيقان، وتعشيب الملاعب، وتوفير مدرجات آمنة للجمهور، إضافة إلى حضور الفرق الطبية، ولجان التحكيم المؤهلة، وغيرها من المستلزمات الضرورية التي يتطلبها تنظيم المباريات الرياضية.

نازحون حفاة يشاركون في بطولة رياضية في مخيمات نزوح مأرب (الهجرة الدولية)

تشير وسائل إعلام محلية إلى أن الدوري اليمني الرسمي توقف منذ بدء الحرب، وكان آخر موسم مكتمل عام 2013–2014، حين تُوّج نادي صقر تعز باللقب، مضيفة أن الاتحاد اليمني لكرة القدم حاول استئناف المنافسات أكثر من مرة، إلا أن الظروف الأمنية والسياسية حالت دون عودة الدوري بشكل منتظم، لتقتصر الأنشطة على بطولات محلية محدودة في بعض المحافظات.

حفاة الأقدام يقاومون الانكسار

في مدينة مأرب (شمال شرق اليمن)، حيث يعيش أكثر من 2.3 مليون نازح، تتحول كرة القدم كل صيف إلى وسيلة لمقاومة الانكسار وسط صحراء قاسية فرضتها سنوات النزاع.

وتنظم المنظمة الدولية للهجرة بطولة سنوية تجمع مئات اللاعبين النازحين من عشرات المواقع، وعلى مدار أسابيع، يلتقي الشباب حول كرة مستهلكة، يركضون حفاة على أرض ملتهبة، في محاولة لاستعادة شعورهم بالانتماء، وتخفيف التوتر النفسي الناتج عن النزوح الذي طال أمده.

ورغم نقص التجهيزات والمعدات، يشارك العشرات من اللاعبين في هذه البطولة، وينظم إليهم المئات من المشجعين في نشاط تقول المنظمة الأممية إنه ضروري للحفاظ على الصحة النفسية، وتوفير مساحات للتواصل، وتؤكد ذلك بالقول إن “هذه الأنشطة لا تقل أهمية عن المساعدات الأساسية، لأنها تساعد الناس على استعادة علاقتهم بالأشياء التي يحبونها”.

وبينما بدت المخيمات في أوقات المباريات أقل صمتاً وثقلاً، أكد منظمو البطولة أن حضور المشجعين وتفاعلهم مع كل هدف ساهم في خلق جو مختلف -ولو مؤقتاً- عن حياة تسيطر عليها ظروف قاسية منذ عقد وأكثر.

في مخيم سلوى شرق مأرب، يقضي “بشير (26 عاماً)” أيامه في نقل الركاب على حافلة صغيرة، ويقول إنه يعمل من الفجر حتى بعد الظهر ليؤمِّن دخلاً بالكاد يغطي نفقات أسرته، بعدما أصبح المعيل الوحيد لها.

ورغم ضغط المسؤوليات وتأجيل خططه الشخصية، بما في ذلك الزواج، يشارك بشير بانتظام في مباريات البطولة. “كرة القدم تأخذني إلى عالم آخر. عندما ألعب، أنسى كل شيء”، يقول ذلك وهو يقف حافي القدمين بجانب الملعب الرملي حيث تدور المنافسات.

وصل فريقه إلى المباراة النهائية أمام فريق من مخيم الرمسة، ورغم الخسارة، يعتبر بشير بلوغ النهائي إنجازاً لم يكن متوقعاً. “كثيرون لم يتوقعوا أصلاً أن نصل إلى هذه المرحلة. بذلنا قصارى جهدنا”، قال وهو يشير إلى زملائه الذين جلسوا لالتقاط أنفاسهم بعد اللقاء.

وبالنسبة له ولغيره من اللاعبين، لم تكن النتيجة هي ما يهم بقدر ما كانت التجربة نفسها فرصة للتعرف إلى الآخرين، وتخفيف وطأة العزلة اليومية. فلأسابيع قليلة، تحولت المنافسة إلى مساحة نادرة للشعور بالترابط والأمل.

رياضة يمنية منهكة

رغم مرور عقود على انطلاق مشاركات اليمن في المحافل الرياضية الدولية، لم يتمكن الرياضيون اليمنيون من ترك بصمة لافتة في أبرز البطولات، وعلى رأسها دورة الألعاب الأولمبية.

ففي كرة القدم، لم يعرف المنتخب اليمني الأول طريق الانتصار في بطولات كأس الخليج، ولا في دورة الألعاب الآسيوية، وأما أول ظهور له في بطولة كبرى فجاء متأخراً، عبر التأهل إلى كأس الأمم الآسيوية عام 2019، دون أن يحقق فيها أي نتائج تُذكر.

وعلى صعيد المشاركات الأولمبية، جاءت البداية متأخرة ومجزأة، فقد ظهر شمال اليمن لأول مرة في أولمبياد لوس أنجلوس 1984، ثم شارك بشكل مستقل مجدداً في سيول 1988، بالتزامن مع مشاركة جنوب اليمن في الدورة نفسها، قبل أن يتوحد التمثيل الرياضي مع توحيد البلاد، بدءاً من أولمبياد برشلونة 1992، وفق ما ذكره موقع بي بي سي.

وتقول هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في تقرير لها، إن محاولات النهوض بالرياضة اليمنية مؤخراً تصطدم بجدار الحرب المستمرة، التي ألحقت دماراً واسعاً بالبنية التحتية للمنشآت الرياضية، مشيرة إلى أن هذا التدهور ترك أثراً سلبياً على الرياضيين الواعدين، الذين باتوا يخوضون تجاربهم في ظروف قاسية وبجهود فردية، على أمل تقديم تمثيل مشرّف للبلاد في أكبر محفل رياضي عالمي.

وفي ظل هذا الواقع، تبقى الرياضة اليمنية ضحية للحرب، ومحرومة من استثمار طاقات الشباب وصناعة أبطال أولمبيين، في بلد يملك الكثير من المواهب، لكنه يفتقر إلى الاستقرار والدعم المؤسسي.

The post كرة القدم في اليمن: شغف يقاوم آثار الحرب first appeared on ريف اليمن.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows