
لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بمحاصرة سكان غزة عبر تجويعهم وتشريدهم، بل عمد أيضاً إلى محاصرة كلامهم وتواصلهم، عبر تدمير معظم البنية التحتية للاتصالات والإنترنت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حيث شكّل هذا القطاع الحيوي أحد أبرز الأهداف العسكرية للاحتلال ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى عزل غزة رقمياً، وشل قدرتها على التواصل محلياً ودولياً وتدمير مقوماتها.
ودمّرت قوات الاحتلال قرابة 74% من أبراج الاتصالات، ونحو 50% من الشبكة العامة، ما أدى إلى شلل شبه كامل في البنية التحتية الرقمية، في وقت تظهر فيه التقديرات الأوسع حجماً كارثياً للخسائر المباشرة وغير المباشرة، تجاوزت قيمتها 2.6 مليار دولار من الأصول والمنشآت والمعدات وفقدان الوظائف بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت.
ويمثل هذا التدمير الشامل تهديداً مباشراً للاقتصاد الرقمي الفلسطيني، ويقوّض فرص غزة في مواكبة التطور التكنولوجي، ولا سيما في ظل استمرار الحصار ومنع تقنيات الجيل الثالث والرابع، وهو ما أبقى القطاع محصوراً بشبكات الجيل الثاني فقط.
وقال المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن مجمل خسائر قطاع الاتصالات والإنترنت في غزة بلغت نحو 2.6 مليار دولار، نتيجة القصف المباشر لمقرات شركات الاتصالات وأبراج الهواتف المحمولة وشبكات الإنترنت التي يتجاوز طولها ألف كيلومتر بجانب فقدان آلاف الوظائف من العمل من بعد والتجارة الإلكترونية وغيرها.
وقال الثوابتة في حديث لـ"العربي الجديد" إن الاحتلال دمر 15 قطاعاً حيوياً في غزة، أبرزها الاتصالات، بهدف عزل القطاع عن العالم وتحييد دوره في الإعلام ووقف التجارة الإلكترونية والأنشطة الاقتصادية. وأضاف: "الاحتلال لم يكتفِ بتدمير البنية التقنية، بل سعى لعزل قطاع غزة عن العالم الخارجي بهدف تسهيل الجرائم التي يرتكبها بحق المدنيين، ومنع وصول الحقيقة إلى المجتمع الدولي، إضافة إلى تعطيل الأسواق المالية والتجارة الإلكترونية التي تضررت بشكل بالغ بسبب الانقطاع المتكرر للاتصالات والإنترنت".
وأكد أن إسرائيل تقف عقبة أمام أي تطور تقني في فلسطين، إذ لا يزال قطاع غزة محروماً تقنيات الجيل الثالث والرابع، ويعتمد فقط على شبكة الجيل الثاني، في وقت يعمل فيه العالم بشبكات الجيل الخامس، مضيفاً: "هذا الحصار الرقمي لا يعوق التنمية فحسب، بل يعمّق التبعية، ويخنق الفرص الاقتصادية والابتكار لدى الشباب الفلسطيني".
وكانت وكيل وزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي الفلسطينية، هدى الوحيدي، قد قالت في وقت سابق إن الاحتلال استهدف 580 برجاً خلوياً وشبكات ألياف ضوئية رئيسية.
ضربة للاقتصاد الرقمي
وأصدر مركز الدراسات السياسية والتنموية تقريراً بعنوان "العزل الرقمي كسلاح"، ذكر فيه كيف تحولت الاتصالات إلى أداة حربية بيد الاحتلال الإسرائيلي، حيث وثق التقرير أكثر من 15 حالة انقطاع شامل أو جزئي للاتصالات في غزة، بعضها استمر لأيام، ما أدى إلى شلل خدمات الطوارئ، وقطع السبل أمام تغطية إعلامية مستقلة.
ولم يتردد مسؤولون إسرائيليون في الاعتراف بهذه الاستراتيجية، حيث صرّح مارك ريجيف، مستشار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بأن "قطع الاتصالات عن العدو أمر متبع في العمليات العسكرية"، ما يُعَدّ إقراراً صريحاً باستخدام الاتصالات سلاحاً في ساحة المعركة.
وفي الأثناء، قال المختص في الشأن الاقتصادي، عماد لبد، إن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لم يلحق أضراراً إنسانية فقط، بل وجّه ضربة قاصمة للاقتصاد ككل، بما فيها الرقمي، بعد تدمير قطاع الاتصالات والإنترنت الذي يُعَدّ الشريان الحيوي لكل الأنشطة الاقتصادية والخدماتية في القطاع المحاصر.
وأضاف لبد في حديث لـ"العربي الجديد" أن الخسائر التي لحقت بقطاع الاتصالات وما نجم عنها من أضرار غير مباشرة تتمثل بفقدان آلاف الوظائف يفوق الملياري دولار أميركي، تشمل تدمير أغلبية البنية التحتية، وتعطيل الشبكات، مشيراً إلى أن هذه الخسائر لا تتوقف عند الأرقام الحالية، بل تمتد إلى آثار مستقبلية تهدد بتكبيد الاقتصاد الفلسطيني ملايين الدولارات الإضافية خلال السنوات المقبلة ضمن تداعيات الحرب.
وأشار إلى أن استهداف الاتصالات يعمّق عزلة غزة الرقمية، ويحرمها فرص تطوير الاقتصاد القائم على المعرفة، ويعطل حركة التجارة الإلكترونية التي تحدت الحصار، وكانت تشهد نمواً في السنوات الأخيرة، ولا سيما في ظل انتشار المشاريع الشبابية والعمل من بعد.
وأكد لبد ضرورة تدخل المجتمع الدولي لإعادة إعمار البنية الرقمية الفلسطينية واعتبار استهداف قطاع الاتصالات جريمة حرب اقتصادية تستوجب المحاسبة، لما له من تداعيات مباشرة على مستقبل الاقتصاد الفلسطيني.

Related News

