عن حربٍ لم تنتهِ بعد
Arab
6 hours ago
share

واهمٌ من يعتقد أن الحرب التي بدأتها إسرائيل ضدّ إيران، فجر 13 الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، وتوقّفت بعد 12 يوماً، قد انتهت. لقد بدأت لتستمرّ حتى زوال النظام الإيراني، كما أرادها رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. هل سينجح في مسعاه أم لا؟... ذلك بحثٌ آخر.
ستعيد هذه الحرب تشكيل المنطقة عقوداً مقبلة، فهي غير تقليدية، وتمثّل نموذجاً لحروب القرن الحادي والعشرين. لم تُستخدَم فيها أسلحة تقليدية، ولم تكن بين دولتَين تفصل بينهما حدود طبيعية، واستُخدمت فيها للمرّة الأولى تقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن معارك استخباراتية لم تسجّلها حروب سابقة. ذلك كلّه يجعلها حرباً استثنائية.
اتخذ العرب، أنظمةً وشعوباً، موقف المتفرّج في هذه الحرب، مع علمهم أن تأثيراتها وتداعياتها ستطاول المنطقة، بغض النظر عن نتائجها، وسواء نجحت دولة الكيان في مخطّطها لنزع أسلحة النظام الإيراني الباليستية (وغيرها) أو فشلت، وسواء نجحت في تراكم التداعيات والتأثيرات المتوقّعة لها وصولاً إلى إسقاط هذا النظام، أم فشلت تلك الجهود.

تريد الولايات المتحدة إيران دولةً منزوعة السلاح بلا طموحات، وربّما حتى بلا هذا النظام، دولة قابلة للدخول في خطّ الاستثمار الأميركي

وللمرّة الأولى، تتخذ منطقتنا العربية موقف المتفرّج في حربٍ تجري في سمائها بين جارَين، أحدهما طرف خارجي لا يمتّ للمنطقة بصلة، وسيبقى طارئاً، حتى لو امتدّ وجوده مائة عام، وسيبقى عدواً؛ "إسرائيل". والآخر جار طبيعي راسخ، متأصّل ومتداخل مع العرب دينياً وثقافياً واجتماعياً، لكنّه جار مشاكس، طالما حلم بتصدير ثورته إلى المنطقة العربية، حاملاً مدفعه وقاذفته سنواتٍ لتحقيق هذا الحلم، قبل أن يستبدلهما بأذرع تتبنّى أفكاره، وتعمل عن بُعد بضغطة زرّ من طهران.
لم يكن الأمر خياراً عربياً أن تجري هذه الحرب في سمائهم، وأن تقف الدول العربية موقف المتفرّج، فلكلاهما (إسرائيل وإيران) من خصوم العرب، ولكلّ منهما من الأسباب الكثير. ولهما أيضاً مشاريعهما الخاصّة، التي لا يجمع بينها رابط سوى أنها تقوم على مبدأ التمدّد داخل الجسد العربي، كلٌّ بطريقته الخاصّة. ولعلّ حال الأنظمة العربية هذه المرّة لا يختلف كثيراً عن حال الشعوب، فقد اختارت تلك الأنظمة أن تراقب وتتفرّج، فهي لا ترى لها في هذه الحرب ناقةً ولا جملاً، بل كانت تراقب التداعيات: ماذا سيحدث بعد ذلك؟
المنظومة الخليجية، وكأنّها استشعرت منذ سنوات ما يمكن أن تصل إليه الأمور، رتّبت وضعها دبلوماسياً بذكاء مع إيران، وكانت حريصةً على ألا تصل الأمور إلى مرحلة المواجهة، فهي تدرك عواقب الحروب، بعد أن عاشت تداعيات الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، وذاقت مرارةَ احتلال العراق للكويت، وما تبعه من حرب التحرير، ثمّ تداعيات الغزو الأميركي للعراق عام 2003. لذلك، ساهمت دبلوماسية الخليج النشطة في محاولة وقف أيّ تداعيات كبيرة لهذه الحرب، حتى قبل أن تبدأ، خصوصاً أن الهدف هذه المرّة هو السلاح النووي، وما يمكن أن يحمله من كوارث إلى المنطقة الخليجية. وما بين هذا وذاك، كانت الحرب بدايةً لمشروع يُراد له أن يتعزّز في المنطقة، مشروع يرى أن أيّ تهديد لأمن إسرائيل يجب أن ينتهي، وآخر تلك المشاريع كانت إيران، فعلى الرغم من براغماتية كبيرة أبداها النظام الإيراني منذ "7 أكتوبر" (2023)، وعلى الرغم من محاولته الاستفادة من تجارب النظام العراقي السابق بعدم الاحتكاك المباشر مع الكيان الإسرائيلي، مفضّلاً الوقوف بعيداً، والتفرج على أذرعه تُنحر الواحدة تلو الأخرى، إلا أنه نسي أن كرة النار ستصل إليه، وأن ثمن تخلّيه عن وحدة الساحات سيكون أكبر بكثير من ثمن دخولها.
لقد حقّقت الحرب الإسرائيلية ضدّ إيران أهدافها. لإدراك هذه الحقيقة، يكفي أن تعود قليلاً إلى عام 1991، يوم خرج العراق من الكويت التي احتلّها بقرار كارثي من صدّام حسين. يومها، بقي النظام على حاله، رغم وصول القوات الأميركية إلى مسافة نحو 100 كيلومتر جنوب بغداد، وكان بإمكانها دخول العاصمة وإسقاط النظام، لكن ذلك كان سيُحدث فوضى كبيرة لم تكن أميركا مستعدّةً لتحمّلها، ولا دول المنطقة قادرة على مواجهة تبعاتها. بعد 13 عاماً من الحصار الدولي، عادت القوات الأميركية لتدخل بغداد في حرب سريعة لم تستغرق أكثر من 20 يوماً، بعد أن نال الحصار من وطنية العراقيين، ونخر المجتمع، حتى صار العراقي لا يرى الوطن إلا من خلال رغيف الخبز.

الحرب بين الكيان الإسرائيلي والنظام الإيراني كانت استثنائية ستعيد تشكيل المنطقة عقوداً مقبلة

يعيش النظام في إيران اليوم على وقع تداعيات حرب نخرت جسد قيادته قبل أن تنخر جسد الشعب، الذي سبق أن نخرته شعارات تصدير الثورة عقوداً، وشعارات التسليح وبناء برنامج نووي أخذت من قوته كثيراً، فكان أن عاش التقشفَ بكلّ أشكاله قبل أن يجد أن ذلك كلّه تبخّر أو يكاد. لقد كشفت هذه الحرب هشاشة البنية الداخلية للنظام في إيران، وأفقدته أذرعه التي كانت تشكّل ورقةً رابحةً، وكلّفته أيضاً خسارةَ برنامجه النووي الذي تُشير بعض التقديرات إلى أنه كلّف قرابة 500 مليار دولار، ناهيك عن ترسانته الصاروخية التي خسر نصفها تحت وطأة الضربات الإسرائيلية المتواصلة. لم تنته الحرب بين الكيان الإسرائيلي والنظام الإيراني عند هذا الحدّ. ستكون هناك جولات أخرى، بعضها سياسي وبعضها الآخر داخلي، سيجري هناك في المدن الإيرانية.
ستحاول إسرائيل الاستفادة من يدها الاستخباراتية الطويلة داخل العمق الإيراني، بدعم أميركي، فإيران ليست مهمة لإسرائيل فحسب، بل لأميركا التي تريدها دولة منزوعة السلاح بلا طموحات، وربّما حتى بلا هذا النظام، دولة قابلة للدخول في خطّ الاستثمار الأميركي طويل الأمد، الذي يسعى لحصار الصين من كلّ جانب، حيث تكمن هواجس أميركا واستراتيجيتها البعيدة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows