الصوت السياسي لمرجعية النجف
Arab
5 hours ago
share

عودة ممثل مرجعية النجف، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، إلى الظهور العلني، وبخطبة من على المنبر في مناسبة "تبديل الراية" (لحظة الإعلان السنوي عن بدء طقوس عاشوراء الشيعية)، لها دلالات كثيرة، فهذا أول ظهور بهذا الشكل بعد انقطاع سنوات، إذ كان الكربلائي يتناوب مع السيد أحمد الصافي (وكلاهما متولّيان شرعيان عن مرجعية السيستاني)، على إقامة صلاة الجمعة وإلقاء خطبتيها. وغالباً ما يستثمران الخطبة الثانية، لتعليقات على الشأن السياسي والقضايا العامّة في البلد. واستمرّ هذا التقليد حتى احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وكانت الخطب الأسبوعية في تلك الفترة حسّاسة جدّاً، وأثار بعضها جدالات بين المتظاهرين، وفُهمت هذه الخطب (بشكل عام) من الطبقة السياسية العراقية، أنها "عتلة" تحوّل الضغط الشعبي نحوهم، وتسبغ، في الوقت نفسه، نوعاً من الشرعية على المطالب الشعبية. وكانت ذروة هذا التأثير في الدعوة غير المباشرة إلى إقالة حكومة عادل عبد المهدي، في خطبة الجمعة 29 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد شهرين تقريباً من اندلاع الاحتجاجات، وسقوط ضحايا وجرحى عديدين بين المتظاهرين، فقال الكربلائي وقتها إنه يحثّ مجلس النواب على إعادة النظر في خياراته وتجنّب الانزلاق إلى دوامة العنف والفوضى والخراب.
تراجع هذا الدور بعدها، وأغلق ممثّلو مرجعية النجف أبوابهم أمام الساسة، أو حتى المشاركة في خطب الجمعة، على الرغم من قناعة مراقبين كثيرين أن التأثير البالغ لمرجعية النجف في السياسة في العراق يستمرّ بأشكال أخرى، غالباً ما توازن بين دورين: الأول، أنها تمثّل وسيطاً ما بين جمهورها في المجتمع العراقي والسلطة، فتترجم في توجيهاتها ذات الطابع السياسي مطالب هذا الجمهور ومطامحه. الثاني، الإبقاء على وهج الرمزية الدينية والروحية لمؤسّسة المرجعية، وألا تورّط الدين كثيراً في السياسة، وفق أنموذج ولاية الفقيه مثلاً.
حمل ظهور خطيب يمثّل أعلى سلطة روحية شيعية في العالم، أخيراً، هواجس الأحداث في المنطقة، فتضامن مع إيران، وواساها في خسائرها، وإن لم يذكرها بالاسم، ودقّ ناقوس الخطر أمام الساسة الشيعة في العراق، بعد الاختلال الحاصل في المنطقة، بسبب تراجع نفوذ إيران، وما قد يجرّه هذا من تحديّات في الساحة العراقية. كما أعاد خطيب المرجعية التأكيد على نقاط أكّدها طوال سنوات ماضية: محاربة الفساد، وحصر السلاح بيد الدولة، وتقوية مؤسّسات الدولة، والحثّ على الانتخابات ودعم النظام الديمقراطي، والتحذير من عودة الديكتاتورية والاستبداد.
كان للمرجعية دور حاسم بعد 2003 في دفع المؤيّدين إلى انتخاب تيّارات سياسية لم تكن معروفة جيّداً في ذلك الوقت، وتحدّى الناس المفخّخات والانتحاريين للذهاب إلى صناديق الاقتراع ثلاث مرّات في العام 2005. وعادوا مرّة بعد أخرى إلى المشاركة في الانتخابات التالية، حتى ضعفت حماسة هذا الجمهور، وشعروا بأن مشاركتهم لا تغيّر الوجوه السياسية، ولا تؤثّر في مسارات البلد. ولأن مرجعية النجف في حوار مع جمهورها، وهم في الغالب من الفئات الشيعية المحافظة المتديّنة غير المتحزّبة، فقد رفعت يدها عن هذه الأحزاب، وطالبت بأن ينتخب الناس بدلاء منهم، لكن البديل لم يظهر حتى الساعة.
النسبة الأكبر من جمهور المقاطعين هم من مؤيّدي مرجعية النجف، وقد انسحب هؤلاء من عملية الاقتراع والتصويت بشكل واضح منذ انتخابات 2018، وظلّت عملية التصويت، في الغالب، ما بين جمهور الأحزاب.
واليوم، يبدو المحرّك الداخلي للعملية السياسية في العراق متلكئاً وبطيء الحركة، وتواجه الطبقة السياسية صعوبةً في إعادة تنشيط الوضع السياسي، لأن تدوير الوجوه القديمة هو السائد. وربّما يحتاج جمهور المرجعية إلى بدلاء سياسيّين أقوياء من داخل الوسط الاجتماعي الشيعي، وإلى حضور أكثر لممثّلي مرجعية النجف، ومن دون هذين الخيارين، ستسير الانتخابات المقبلة على منوال السابقات منها.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows