مع استحداث البطولات.. هل تتجه المباريات الودية نحو الزوال؟
Arab
5 hours ago
share

تشهد خريطة المباريات في كرة القدم العالمية تحولات جذرية بفعل التحديات الاقتصادية والمالية المتزايدة، إذ تحوّلت اللعبة من مجرد رياضة جماهيرية إلى منظومة اقتصادية ضخمة تعتمد على مداخيل هائلة، أبرزها حقوق البث التلفزيوني وتسويق صور النجوم والإيرادات الجماهيرية في ظل تطور تكنولوجي متسارع أدخل الهواتف الذكية ومنصات البث الرقمي منافسين أقوياء للبث الكلاسيكي، ما غيّر طرق التفاعل والاستهلاك، وجعل الأندية والاتحادات تسير نحو إدارة اللعبة بعقلية تجارية بحتة، تتداخل فيها الرياضة مع الإعلام والترفيه والتسويق العالمي.

ولطالما حرصت الفرق والمنتخبات على تسيير مبارياتها الودية بطريقة توازن بين الفائدة الرياضية والعائد المالي، إذ يجرى اختيار المنافسين بناءً على طبيعة الاستحقاقات المقبلة للتحضير الفني والتكتيكي، وفي الوقت نفسه، تُراعى الجوانب التسويقية والاقتصادية، خصوصاً بالنسبة للأندية التي تبحث عن مصادر تمويل إضافية، وتُعد المناطق ذات الكثافة الجماهيرية العالية، مثل شرق آسيا وأميركا، وجهات مفضلة لإقامة هذه اللقاءات، لما توفره من فرص تسويق كبيرة وشعبية واسعة تعود بالنفع على الأندية من حيث المداخيل والرعاية، الأمر الذي دفع الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحادات القارية إلى استغلال الأمر لتعويض المباريات الودية ببطولات عالمية.

كأس العالم للأندية تعويض لجولات الفرق قبل انطلاق الموسم

جاءت بطولة كأس العالم للأندية بنظامها الجديد لتُضاف إلى قائمة البطولات التي باتت تُعوّض جزءاً من المباريات الودية التي كانت تُقام خلال فترة تحضيرات الأندية للموسم الجديد، ما أدى إلى تقليص عدد اللقاءات الودية المبرمجة سابقاً. وقد نُظمت النسخة الأولى من البطولة الموسعة في أحد البلدان التي اشتهرت باستضافة الدورات التحضيرية الصيفية، بهدف تحقيق عوائد مالية وتسويقية كبيرة قبل انطلاق الموسم. ومن المنتظر أن تسير النسخ المقبلة على النهج نفسه عبر تنظيم البطولة في دول تتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة من أجل ضمان نجاح الحدث الجديد، وتعزيز مكانته على خريطة الكرة العالمية.

دوري الأمم الأوروبية يلغي وديّات أوروبا

جاء دوري الأمم الأوروبية في القارة العجوز ليلغي معظم المباريات الودية التي كانت تُقام بين منتخباتها على مدار الموسم، إذ انطلقت هذه البطولة المستحدثة في نسختها الأولى قبل أربع سنوات، وتُوّج المنتخب البرتغالي على حساب نظيره الإسباني في آخر نسخة لها. وتُلعب المنافسات على مراحل طوال الموسم وصولاً إلى الأدوار النهائية في نهايته، ما جعلها تُشكّل بديلاً فعلياً للمباريات الودية. ونتيجة لذلك، قلّت مواجهات المنتخبات الأوروبية مع منتخبات من خارج القارة، لتقتصر أغلب اللقاءات على النزالات القارية فيما بينها، ما حدّ من الطابع الدولي المفتوح الذي كانت تتميّز به الوديات سابقاً.

"فيفا سيريز" خطة الاتحاد الدولي لاستغلال الوديات

بعيداً عن أوروبا، يعمل الاتحاد الدولي لكرة القدم على ترويج صيغة جديدة من المنافسات الودية تحت مسمّى "فيفا سيريز"، وهي دورات مصغّرة تجمع منتخبات من قارات مختلفة تحت إشراف مباشر من "فيفا". وقد نظّمت الجزائر إحدى هذه الدورات في مارس/ آذار 2024، بمشاركة منتخبات الجزائر (المضيف) وبوليفيا وأندورا وجنوب إفريقيا. وتهدف هذه المبادرة إلى تحويل المباريات الودية إلى مواجهات أكثر تنافسية وتنظيماً، تدرّ على "فيفا" عوائد إعلانية ومالية، في إطار استراتيجية أوسع لاستثمار كل نافذة دولية وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من المباريات غير الرسمية.

كأس العرب 2021.. نسخة تجريبية تحوّلت إلى بطولة معتمدة دولياً

من جهتها، كانت قطر قد استضافت بطولة كأس العرب في نسخة محدثة عام 2021، باعتبارها مرحلة تجريبية، تمهيداً لاستضافة كأس العالم 2022، بهدف اختبار الجاهزية التنظيمية واللوجستية، وذلك بعد توقف تنظيم كأس القارات التي كانت "فيفا" تعتمدها سابقاً لهذا الغرض. ومع النجاح الكبير الذي حققته البطولة على المستويين الإعلامي والفني، قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، بالتعاون مع الاتحاد العربي، اعتمادها رسمياً ضمن "الروزنامة" الدولية، لتُضاف إلى قائمة البطولات التي تسهم تدريجياً في تقليص عدد المباريات الودية، وتحويلها إلى مواجهات أكثر تنافسية وتنظيماً تحت مظلة رسمية.

الأندية الكبرى ونجومها.. الخاسر الأكبر

في ظل التحوّلات المتسارعة واستحداث بطولات جديدة باستمرار، تبدو المباريات الودية في طريقها إلى التلاشي التدريجي، لتُستبدل بمنافسات رسمية أو شبه رسمية تضمن عوائد مالية أكبر وصدىً إعلامياً أوسع وحضوراً جماهيرياً لافتاً بفضل مشاركة النجوم. ومع هذا التوجه، ستكون الأندية الكبرى هي المتضرر الأكبر، بحكم امتلاكها أفضل اللاعبين الذين يُشاركون مع منتخباتهم حتى الأدوار النهائية، إلى جانب التزاماتهم مع فرقهم على مدار الموسم. هذا الضغط المتزايد يُضاعف عدد المباريات التي يخوضها اللاعبون مقارنة بالسنوات الماضية، ومِن ثمّ يرفع من مخاطر الإصابة والإرهاق الموسمي في ظل وضع كروي يزداد ازدحاماً وتعقيداً عاماً بعد آخر.

ما بين المكاسب وضغط العنصر البشري

بين المكاسب المالية الكبيرة وضغوط تسيير العنصر البشري، تجد الأندية نفسها مضطرة إلى توسيع قوائمها، وانتداب عدد أكبر من اللاعبين، بحثاً عن تنوّع الخيارات، في ظل الزخم المتزايد لـ"الروزنامة" وتعدد البطولات. ورغم التحديات المرتبطة بإدارة غرف الملابس ونجوم الصف الأول، كما حدث مع المدرب الإسباني بيب غوارديولا الذي عبّر مؤخراً عن رغبته في تقليص عدد عناصر فريقه للحفاظ على الانضباط والانسجام داخل المجموعة، فإن الواقع الجديد يفرض نفسه بقوة، ويدفع الأندية إلى استثمار ما تحققه من أرباح وجوائز مالية لإبرام صفقات جديدة.

مداخيل قياسية وجوائز مغرية

على صعيد آخر، ساهم تعدد البطولات المستحدثة، خلال السنوات الأخيرة، في رفع العائدات المالية للأندية والمنتخبات على حد سواء، في ظل تضاعف قيمة الجوائز المخصصة لها. وكان الاتحاد القطري لكرة القدم قد رصد للنسخة الثانية من كأس العرب 2025 جوائز مالية قياسية فاقت 36.5 مليون دولار، وهو مبلغ يتجاوز ما يُمنح في بطولات قارية عريقة مثل كأس الأمم الأفريقية، ما يمنح البطولة صدىً إعلامياً واقتصادياً واسعاً. أما كأس العالم للأندية بنسختها الجديدة، فقد تخطت التوقعات من حيث القيمة المالية، بعدما رُصد لها غلاف مالي يُقدَّر بمليار دولار، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ كرة القدم، إذ سيحصل الفريق المتوَّج باللقب على جائزة تُقدَّر بـ125 مليون دولار، ما يجعل البطولة محطة استراتيجية للأندية من أجل تحقيق عائدات ضخمة مقابل المشاركة فقط، ناهيك بالتنافس الرياضي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows