
نظّمت منصّة "عرب لندن" في بريطانيا أمس الأحد مؤتمر الجالية العربية الذي عقد دورته الأولى تحت عنوان "الوفاء لأصدقاء فلسطين"، في العاصمة لندن، بهدف توحيد الصفوف وبناء حضور فاعل يتجاوز العمل الخيري نحو فعل سياسي منظم ومؤثر بخصوص القضية الفلسطينية. افتتح المؤتمر رئيس تحرير منصة عرب لندن، الصحافي محمد أمين، وأكد أن الجالية تواجه تحديات متشابكة، من تصاعد اليمين المتطرف إلى تداعيات العدوان على غزة ومشكلات الاندماج، ومشدّداً على ضرورة تنسيق الجهود ووضع رؤية موحدة تفعّل طاقات العرب في بريطانيا.
وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية، أشار السفير الفلسطيني لدى المملكة المتحدة، حسام زملط، إلى أن نحو مليار جنيه من تبرعات الجاليات العربية والمسلمة في بريطانيا تُوجَّه سنويًا إلى العمل الإغاثي، بينما لا يُخصص للعمل الاستراتيجي سوى أقل من 1%. وقال: "نحن ننزف ونحتاج الضمادات، لكن لا يجوز الاكتفاء بتضميد الجراح. علينا اقتلاع مسببات النزيف من جذورها". وأضاف زملط أن الجاليات الفلسطينية في الخارج تبرعت بأكثر من أربعة مليارات دولار لدعم قضايا متعلقة بفلسطين، مما يجعلها من بين أكثر الجاليات سخاءً على مستوى العالم نسبةً إلى عددها، إلا أن حجم المساهمة في ما يُعرف بـ"العمل الاستراتيجي" لا يتجاوز 45 مليون دولار سنويًا، أي ما يعادل ثلاثة دولارات فقط للفرد الواحد سنويًا.
ويُقصد بالعمل الاستراتيجي الجهود التي تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق التحرر ووضع حدّ للمعاناة، وفي مقدمتها معركة السردية التي تسعى إلى استعادة الرواية الفلسطينية من التحريف والتشويه، كما تفعل بعض المنصات الإعلامية مثل "عرب لندن". يضاف إلى ذلك المسار القانوني، حيث يؤكد ناشطون أن القانون الدولي والشرعية تقفان إلى جانب القضية الفلسطينية، لكن هذا القانون نفسه كثيرًا ما استُخدم سلاحا لإغلاق مؤسسات فلسطينية بحجج وذرائع قانونية واهية، رغم توافر كفاءات قانونية فلسطينية بارزة قادرة على قلب المعادلة.
من جهته، شدد الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، على أهمية "معركة الرواية" في الغرب، معتبرًا أن التظاهرات الضخمة في لندن ومدن أوروبية "عرّت الاحتلال"، داعيًا الجالية إلى استثمار هذا الزخم الشعبي لتحقيق تأثير سياسي ملموس داخل البرلمانات. أما المدير التنفيذي لمجلس التفاهم العربي البريطاني، كريس دويل، فأكد أن العرب في بريطانيا أحرزوا تقدمًا كبيرًا منذ التسعينيات، مشيرًا إلى وصول شخصيات بارزة من أصول عربية إلى مواقع مؤثرة، مثل النائبة ليلى موران ورئيسة تحرير "فايننشال تايمز" رولا خلف، لكنه دعا إلى استثمار هذا التقدم لبناء حضور سياسي مؤثر.
وحذّرت الكاتبة والطبيبة الفلسطينية البريطانية، غادة الكرمي، من اختزال الصراع في الاحتلال الإسرائيلي وحده، معتبرة أن المشكلة أوسع وتتعلق بنظام دولي يسمح بارتكاب الجرائم دون محاسبة. ودعت الجالية إلى فهم تركيبة المجتمعات الغربية والاشتباك معها بذكاء واستراتيجية، من دون التفريط بالهوية. وفي السياق ذاته، شدد الرئيس الفخري للمؤتمر ورئيس جمعية المحامين العرب سابقًا، صباح المختار، على أهمية الحفاظ على هوية الأجيال الجديدة، داعيًا إلى اندماج إيجابي يوازي بين الانخراط المجتمعي والتمسك بالانتماء الثقافي، عبر مبادرات تعليمية وثقافية فعالة.
بدوره، روى الطبيب البريطاني غريم غروم، الذي تطوع في غزة، شهادته عن المجازر التي وثّقها، مؤكدًا أن التجربة غيّرت حياته بالكامل، ودعا إلى استمرار الضغط الدولي لوقف الحرب. وقد عرضت كلمة مسجلة للطبيبة فيكتوريا روز، التي شاركته العمل الإنساني هناك، شكرت فيها الجالية على تكريمها، وجددت التزامها بدعم القضية الفلسطينية. أما الإعلامية والناشطة دلال جبريل، فدعت إلى تجاوز الخلافات الشخصية والتركيز على الهدف المشترك، وقالت: "رغم تعقيدات المشهد السياسي، يبقى الأمل قائمًا حين نلتقي على رسالة واحدة: الفعل قبل القول والمصلحة العامة فوق الطموحات الفردية".
تكريم وتوصيات
واختتم المؤتمر بتكريم عدد من الشخصيات العربية والبريطانية الداعمة لفلسطين، منهم: الطبيبان غروم وروز والإعلامية مريام فرانسو والبروفيسور أمين الحبايبة والناشط بن جمال والرياضي جلال شاهين والصحافي المغربي الراحل أيوب الريمي. وأصدر المؤتمر توصياته الختامية، وأبرزها: إنشاء مؤسسة عربية جامعة ومجلس أعلى لتنسيق جهود الجاليات وتشكيل لوبي عربي ضاغط داخل السياسة البريطانية ودعم الأجيال الجديدة بمبادرات طلابية وتطوعية وإطلاق إذاعة عربية مستقلة تعبّر عن هموم الجالية وصياغة استراتيجية انتخابية فعالة، تعكس الوزن التصويتي المتزايد للعرب في بريطانيا.
يُذكر أن "مؤتمر الجالية العربية" تأسس في يونيو/حزيران 2023 بمبادرة من منصة "عرب لندن"، ويضم في عضويته ممثلين عن مختلف الجاليات العربية في المملكة المتحدة، بهدف توحيد الجهود وتعزيز التأثير السياسي والثقافي للعرب في المجتمع البريطاني.

Related News


