"الصيّاد"... في هجاء التعليم الخاص
Arab
6 hours ago
share

كان الكاتب البحريني أمين صالح يسم السينما الهندية بخلطة البهارات. والبهارات عادةً مصدرها شبه القارّة الهندية، ويقصد هنا أنها نتاج خلطة محلّية خاصّة تتميّز بالحرارة والطعم اللاذع، يندمج فيها العنف والخيال الدرامي الجامح والغناء. ورغم ذلك الغلاف الصارخ (والمبالغ فيه في أحيانٍ كثيرة، إذ عادة ما يظهر بطل الفيلم بقدراتٍ خارقة يصرع مناوئيه واحداً تلو الآخر من دون أن يصاب بخدش)، نجد أن بعض الأفلام الهندية (على بهاراتها اللاذعة) تحمل رسالةً إنسانيةً جادّة.
... أخيراً، عُرض فيلم" Vettaiyan" (الصياد)، من إخراج تي جيه جنانافيل، وبطولة نجم الاستعراض راجينيكانث، والنجم الهندي المخضرم أميتاب باتشان الذي صار في السنوات القليلة الماضية يظهر في أفلام متوالية، وإنْ في مشاهد مقتضبة، وكأنما يستعرض (وهو في الثمانين عاماً) شخصيته الهادئة وأناقته، إذ صار يظهر في أدوار الرجل الوقور، وقد لعب في هذا الفيلم دور القاضي "ساتيا"، الذي يبدأ بإلقاء محاضرة لطلبته في الجامعة متحدّثاً أن الهند في تاريخها التعليمي لم يحظَ بامتياز التعليم فيها سوى الأغنياء، أمّا الفقراء فلم يُسمح لهم بأخذ أيّ قسط منه، بل يقتصر دورهم في الحياة على العمل وخدمة الأثرياء، ليمتهنوا أصغر المهن وأكثرها هامشيةً. ويكمل: "الحال لم يتغيّر كثيراً في الهند المعاصرة، إذ من يحظى الآن بالتعليم القوي والتقني هم طلبة التعليم الخاصّ، وهم غالباً من طبقة الأثرياء الذين لهم القدرة المالية الفائضة لتعليم أبنائهم. أمّا الفقراء فنصيبهم التعليم العمومي الأقلّ جودة. رغم ذلك تجد من يتميّز فيه معتمداً على جهده وقدراته الذهنية الخاصّة".
يؤدّي البطل (راجينيكانث) دور ضابط الشرطة "أثيان"، الذي يتمتّع بقدرات جسدية خارقة، فيهاجم عصابةً متشعّبة من المجرمين، مدعومةً من شركة ضخمة تتقصّد طلاب المدارس من أبناء الفقراء، لإغرائهم بالالتحاق بمدارسها الخاصّة، من طريق تقديم تسهيلات وهمية لا تلبث أن تنكشف مع تقدّم الطالب في الدراسة، ثمّ تُفاجأ العائلة بضغط هذه العصابة عليها من أجل بيع آخر ما تملك، ما أدّى، بحسب سيناريو الفيلم، إلى انتحار عدد كبير من الطلبة والطالبات بسبب انقطاع الحلم فجأة، أو ضغط العائلة عليهم.
يبدأ تصاعد الحبكة في الفيلم حين تُقتل معلّمة في مدرسة حكومية على يد هذه العصابة، فيتحرّى ضابط الشرطة للكشف عن دوافع الجريمة، ليكتشف أنها قتلت بعد أن فضحت أمر عصابة التعليم الخاصّ، وكشفت ألاعيبهم من طريق الحديث إلى إحدى الصحف عن طالبة انتحرت بسبب ضغط أهلها عليها، لأنها لم تستطع أن تستمرّ في إكمال دراستها. يواجه بطل الفيلم العصابة، ويخوض ضدّها معارك دامية، ويهزمها، إلى أن يصل إلى زعيمهم، وهو شابٌّ يدير مجموعةً واسعةً من المدارس الخاصّة في عموم الهند، راكمت ثرواتها من قهر الناس وإيهامهم بمجدٍ محقّق لأبنائهم سيضمنون بسببه العمل والسفر إذا استجابوا لشروطهم. البطل ذو المواصفات الخارقة يخوض معركةً حاميةَ الوطيس مع مدير هذه الشركة، فيتجاوز حرسه الخاصّ (المُكوَّن من فريق حماية صيني) فيصرعهم واحداً واحداً، حتى يصل إلى رأس الأفعى، ويخوض معه صراعاً مباشراً حتى يتمكّن منه. سيشعر المشاهد وهو يتابع الدفعات الميلودرامية للفيلم بشيء من السذاجة، ولكنّها سذاجة لا تنم عن قلّة في القدرات الفنّية أو التقنية للفيلم، إنما بسبب القدرات (المكشوفة) للبطل وهو يصرع ضحاياه من دون عناء، حتى إن ملابسه لا تتّسخ، ولا تُصاب يده بأدنى خدش. هذه القدرات المكشوفة، والمقصودة في أفلام هندية حديثة كثيرة، تُبنى (وتُؤدّى) بإتقان لا يخلو من ابتكار، كما أن جمهورها في ازدياد مطّرد، ربّما بسبب هذه الجرعات الحركية الزائدة، التي تجعل المشاهد يعيش واقعاً جديداً ينسيه تماماً واقعه الخاصّ، فمعظم مشاهدي هذه الأفلام هم من العمّال وأصحاب المهن اليدوية، سيجدون من ثم متنفّسهم في يوم الإجازة، وهم يعلمون يقيناً أن ما سيرونه ليس له علاقة منطقية بالواقع المَعيش خارج القاعة، الذي يتحرّك فيه الزمن بإيقاع بطيء.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows