منع محجبتين من دخول شاطئ في لبنان يجدد أزمة كل صيف
Arab
4 hours ago
share

تداول مواطنون خلال اليومين الماضيين على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يُظهر منع سيدتين محجبتين في لبنان من دخول شاطئ في منطقة الدامور. وتبيّن أن الحادثة وقعت يوم الخميس في 26 يونيو/حزيران. وبحسب روايات متقاطعة، فإن مجموعة مؤلفة من نحو 15 شخصًا مُنعت بالكامل من الدخول، بسبب وجود امرأتين ترتديان الحجاب ضمن المجموعة، فيما اعتبره ناشطون إجراءً تمييزيًّا واضحًا على خلفية دينية. ما زاد من حدة الاستنكار أن قرار المنع لم يقتصر على المحجبتين فحسب، بل شمل جميع أفراد المجموعة، في خطوة فُسّرت على أنها عقوبة جماعية، أشبه بـ"رسالة واضحة" بأن من لا يتوافق مع الشكل الاجتماعي السائد في هذا الشاطئ، فدخوله غير مرغوب فيه.

صيف جديد وجدال قديم حول الحجاب

في لبنان حيث يُفترض أن التنوّع الديني والثقافي جزء من هوية البلد، تعود كل صيف إلى الواجهة إشكاليات الحريات الفردية، وحق النساء المحجبات في ارتياد الشواطئ، خصوصاً ما يتعلّق بلباس السباحة المحتشم المعروف بـ"البوركيني". ورغم أن القانون لا يمنع ارتداءه، إلا أن عدداً كبيراً من الشواطئ، خصوصاً الخاصة منها، تعتمد سياسات غير مكتوبة تفرض نوعًا من "الفرز غير المعلن" بين الروّاد، على أسس دينية واجتماعية. ففي حالات كثيرة، تُمنع النساء المحجبات من الدخول بذريعة "عدم ملاءمة المظهر"، أو يُطلب منهن تغيير لباسهن، بينما يُتغاضى في المقابل عن مظاهر لباس أخرى قد تكون أكثر "خرقًا" للمعايير نفسها، إنما في الاتجاه المعاكس.

هذه الحادثة ليست استثناءً، بل حلقة من مسلسل جدلي يتكرّر كل صيف في لبنان، ضمن واقع اقتصادي خانق، يجعل من الشواطئ العامة المتنفّس الوحيد لآلاف العائلات التي لم تعد قادرة على تحمّل أسعار المسابح الخاصة، والتي تجاوز بعضها هذا الصيف 40 دولارًا للشخص الواحد. لكن هذه الشواطئ نفسها باتت إما ملوّثة ومهمَلة، وإما محاطة بجدران "اجتماعية" تمنع دخول فئات كاملة من الناس، بذريعة "الذوق العام" أو "الخصوصية". مشهد الفرز يتكرّر: شباب يُمنعون من الدخول لأنهم "رجال بمفردهم"، نساء محجبات يُطلب منهن خلع البوركيني، عائلات تُطرد من الرمال لأنها لا تنسجم مع الصورة السائدة. كلها ممارسات تؤكد أن البحر في لبنان، وإن كان قانونًا ملكًا عامًّا، إلا أن الوصول إليه بات امتيازًا محكومًا بالانتماء الطبقي والطائفي، أكثر منه حقاً مكفولاً للجميع.

بلدية الدامور ترد: "الملكية خاصة"

في اتصال مع "العربي الجديد"، أوضح رئيس بلدية الدامور، جان غفري، أن "المكان الذي وقعت فيه الحادثة يقع ضمن مساحة تقدَّر بحوالي 800 متر من الأملاك الخاصة"، مشيراً إلى أن "أصحاب هذه العقارات طلبوا حصر الدخول بها بأقاربهم وأصدقائهم". وفي شرح أكثر تفصيلاً، قال غفري: "الوضع في الدامور يختلف عن سائر الشواطئ، لأن البحر تَقدّم نحو اليابسة وأكل جزءًا من الأملاك الخاصة. وفق الخرائط، هناك عقارات تمتد من تحت سكة القطار حتى فوقها، لكن بفعل التعديات وسرقة الرمال خلال سنوات الحرب والتهجير، تقدّم البحر وغطى أجزاء كبيرة من هذه العقارات، حتى أصبح يلامس السكة في بعض المناطق، ما أدى إلى الالتباس". وأضاف: "بعض هذه المساحات تبدو اليوم وكأنها أملاك عامة لأنها مغطاة بمياه البحر، لكنها في الأصل أراضٍ خاصة غمرها المدّ، فيما تُعتبر المساحات الأخرى أملاكاً عامة".

وأشار غفري إلى أن "شاطئ الدامور يمتدّ على نحو كيلومترين، ويقصده زوار من مختلف المناطق والطوائف، وبينهم نساء محجبات وغير محجبات. لم يُمنع أحد من الدخول بسبب مظهره أو دينه". وختم قائلاً: "شرحنا للمجموعة التي وقعت معها الحادثة إمكانية التوجه إلى مكان مجاور يبعد حوالي 200 متر فقط، حيث يتوافد الجميع. ما حصل يجب ألّا يُؤخذ بمنحى طائفي، ولا يعكس طبيعة المنطقة المنفتحة على الجميع".

هل يوجد شواطئ خاصة في القانون اللبناني؟

أكد رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أن الإشكالية القائمة تتجاوز حدود شاطئ الدامور، لتطاول المفهوم الأوسع للحق في الوصول إلى الشواطئ في لبنان. ويقول "الشاطئ، بحسب القانون اللبناني، هو ملك عام ولا يمكن اعتباره ملكًا خاصًّا مهما كانت الادعاءات. لا يحق لأي جهة - سواء بلدية أو أصحاب نفوذ - أن تمنع المواطنين من ارتياده، إلا في حالات استثنائية كالتعري الكامل أو الإخلال بالنظام العام". ويشدّد الأسمر على أن "فرض رسوم دخول على الشاطئ بحد ذاته أمر غير قانوني، لأن البحر ليس سلعة تُباع وتُشترى. يمكن فرض بدل مالي على الخدمات المحيطة به، مثل كراسي أو مظلات، لكن لا يجوز أن يُمنع المواطن من التمتع بالشاطئ مجاناً". ويشدد " لا شاطئ خاصّاً في لبنان. كل الشواطئ هي أملاك عامة، ويجب أن تكون مفتوحة للجميع من دون استثناء، لا على أساس المظهر ولا الدين ولا الخلفية الاجتماعية".

الحادثة الأخيرة في الدامور، رغم بساطتها الظاهرية، تسلّط الضوء على أزمة أعمق تتجاوز مجرد منع عائلي أو إشكال فردي. إنها تطرح أسئلة جوهرية: من يملك البحر؟ وكيف تحوّلت الأملاك العامة إلى فضاءات مغلقة تُدار فعلياً بمنطق الطبقية والولاء والانتماء، لا بمنطق القانون؟ في بلد طالما تغنّى بشعارات مثل "بحر وجبل وحرية"، تتقاطع فيه السلطة السياسية مع المصالح الاقتصادية والطائفية، يبدو أن الشاطئ لم يعد مساحة مشتركة، بل مرآة للفروقات الاجتماعية التي تترسَّخ يوماً بعد يوم.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows