
في عدد هو الأول بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، صدر عن اتحاد الكتّاب العرب في دمشق العدد المزدوج (648 - 649) من مجلّة الموقف الأدبي تحت عنوان "ثقافة البعث"، مرفقاً بكتاب "البعث" (دار النهار للنشر، 1969) للمفكر والأديب السوري الراحل سامي الجندي (1921-1995) الذي ظلّ ممنوعاً، حتى صدور هذه الطبعة الورقية الأولى للكتاب في سورية، باعتباره يقدم مراجعة نقدية لتجربة البعث السلطوية.
وقّع افتتاحية العدد "ثقافة فُرضت بالإكراه"، رئيس التحرير محمد منصور، موضّحاً أنّ العدد يسعى لـ"مراجعة إرث البعث ثقافياً وسياسياً كوجه من وجوه نظام استبدادي شمولي فرض على المجتمع السوري أن يردد شعاراته كل صباح، وأن يحفظ قصائد شعرائه، وأن يطالع صحفه ومجلاته، وأن يلوّن المجتمع والثقافة والحياة بلون واحد، وصبغة مسيطرة تلتهم هوامش التنوع، وتقيد نوازع الاختلاف الطبيعية في الرؤى والتوجهات والأفكار".
في عالم اللامعقول
ضمّ الباب الأول من العدد "مقالات ودراسات" لمجموعة من الكتّاب والباحثين، حيث يقرأ الأستاذ في جامعة دمشق عبد النبي اصطيف "الثقافة العربية السورية في سني البعث"، ويبيّن كيف "مهّدت السلطة في سورية لسلطتها المطلقة الغاشمة بإعلاء قيمة الولاء المطلق لها، بديلاً ملائماً من قيمتي الكفاءة والنزاهة الضروريتين في بناء المجتمع الحديث". أمّا أحمد برقاوي، فيكتب عن "الثقافة السورية في عالم اللامعقول: الأسدية وتحطيم البنية الثقافية" لافتاً إلى أنّ "الأسدية بالتعريف سلطة عسكرية أمنية طائفية، ساعدت على وجودها عدة عوامل بعد عام 1963، ولأنها في جوهرها على هذا النحو، فهي ظاهرة لا معقولة ولا واقعية".
"جمهورية الأسد الفاضلة" عنوان مقال للروائي فواز حداد أكّد فيها أنّ "حزب البعث انصاع لدكتاتورية الأسد الذي أدرك أن لديه حزباً موالياً، لكن من دون مفكرين في دولة يُطلق عليها دولة البعث، فالحزب كان خاوياً من الثقافة والمثقفين، وإن غصّ بالعُملاء الذين يقدمون الخدمات لأي حاكم على أمل الانتفاع من السلطة". بدوره تساءل الكاتب علي سفر: "لماذا لم يُنتج البعث أدباً حقيقياً؟ الظلّ الطويل الهزيل للحزب".
كذلك تضمّن هذا الباب، من مجلة الموقف الأدبي، العناوين الآتية: "بعثيون لم يسمع بهم بريخت" لمحيي الدين اللاذقاني، والبعث: من فكرة إلى ماركة سلطوية لخلف علي الخلف، و"ثقافة البعث: بين الاصطفاف والاندثار" لفارس الذهبي، و"جرائم البعث الثقافية" لمحمود تركي الداوود، و"ثقافتنا على المذبح البعثي: حزب البعث.. مرّ من هنا" لنوار الماغوط، و"محاربة العقل اليقظ: حزب البعث والتشويه الثقافي" لفدوى العبود، و"عن البعث وسنواته: تحليل نفسي لحقبة متأزمة" لأحمد عسيلي، و"البعث بين امتلاك الوسيلة الثقافية والتحكم بالانتشار".
شهادات وتجارب وكتب ممنوعة
أما باب "شهادات وتجارب" فاحتوى على ثلاث منها: يكتب جورج جبور تحت عنوان "مؤسستان ورسالة دكتوراه.. هل عرف بعث السلطة كيف يتعامل بنجاح مع بعث الفكر؟"، وتقرأ الباحثة فطيم دناور في "ثقافة من واسطتك؟.. عن الفساد والمحسوبيات في زمن البعث"، أما عبد السلام الشبلي، فيكتب: "فولار مدرسي بائس.. بقايا طلائع البعث، معسكرات تدجين الطفولة".
وفي باب "الديوان"، ضمّ العدد مختارات شعرية لعدد من شعراء البعث الذين راجت قصائدهم تعبيراً عن سطوة الأيديولوجيا على الشعر، كما جاء في تقديم هذه المختارات التي وضعها وقدّم لها مهنا بلال الرشيد. وفي باب "المكتبة" يتناول محمد منصور "تاريخ الكتب الممنوعة من التداول"، واللافت في هذا أن أغلبية الكتب قد وضعها بعثيون مثل "حزب البعث: مأساة المولد، مأساة النهاية" لمطاع الصفدي، و"التجربة المرّة" لمنيف الرزاز، و"حزب البعث العربي الاشتراكي" لجلال السيد، و"البعث" لسامي الجندي، بالإضافة إلى كتب لشخصيات معارضة مثل "من الأمة إلى الطائفة: سورة في حكم البعث والعسكر" لميشيل كيلو. كذلك استعادت "الموقف الأدبي" مقالاً للصحافي الراحل حكم البابا، وخصصت الصفحة الأخيرة لمهنا بلال الرشيد.
"البعث" بمراجعة سامي الجندي
يقع كتاب "البعث" لسامي الجندي، في 163 صفحة، موزّعة على مقدّمة وسبعة فصول: "نشوء البعث العربي"، و"البدايات"، و"من الحناوي حتى الشيشكلي"، و"ضد الشيشكلي حتى الوحدة"، و"عهد الوحدة"، و"28 أيلول إلى 8 آذار"، و"الوحدة الثلاثية والخلاف الداخلي". ومن مقدّمته نقرأ: "من كان يحسب سنة 1940-1941 المدرسية أن البعث ينتهي إلى كلّ هذا العبث؟ من كان يحسب منا أن تُصبح كلمة بعثي تهمة يدفعها بعضنا عنه بسخر مرّ؟".

Related News

