
حقّر جيش الاحتلال الإسرائيلي دور جهاز "الموساد" في ما تعتبره إسرائيل "إنجازات تاريخية وغير مسبوقة" في عدوانها على إيران، معتبراً أنه "بالكاد فعل شيئاً". لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، وإنما يرتبط أيضاً بمواقف لمسؤولي الجيش من الموساد، على خلفية إخفاق السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يوم تنفيذ حركة حماس عملية طوفان الأقصى، وعلى خلفية خطة للهجوم على إيران وُضعت منذ سنوات، وتبيّن أنها غير قابلة للتنفيذ.
تقول صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، التي أوردت تقريراً حول الموضوع، اليوم الجمعة، إنه "من الناحية السطحية يمكن الادّعاء بأن ما يدور بين الجانبَين هو معركة على الفضل (على الكريديت ومن صاحب الفضل في إنجازات الحرب على إيران)، لكن هناك مسألة أوسع من ذلك. لم يعجب الجيش الإسرائيلي، بل لم يعجبه بتاتاً، مقاطع الفيديو التي نشرها "الموساد" فور بدء الحرب مع إيران، والتي يظهر فيها عملاء له وهم يشغّلون طائرات مسيّرة". وقال ضباط في الخدمة والاحتياط، لم تسمّهم الصحيفة، إن "دور الموساد في الحرب بأكملها كان محدوداً جداً. حوالى واحد بالمئة، ومن دون عمليات اغتيالات خاصة بهم، لقد عملوا معنا وتحت قيادتنا".
وتعتبر استعادة الهيبة أمراً مهماً بالنسبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في ضوء الضربة القاسية التي تلقتها شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ووفقاً للتقرير العبري، لا شكّ أن الجيش هو من قاد هذه الحرب، لكن الموساد قد يقول "فعلنا الكثير. على سبيل المثال، من قام ببناء الملفات حول علماء النووي على مدار سنوات؟ ومن الذي أبطأ مشروع النووي ومنع القنبلة (النووية)؟".
في عمق القضية "هناك قصة أعمق"، وفقاً للصحيفة، متجذرة في خطة يمكن تسميتها "الخطة الطموحة". وتقول الصحيفة إن "هذه الخطة وُلدت في أيام تمير باردو، الرئيس الأسبق للموساد (أي منذ سنوات)، وكان هدفها التعامل مع مشروع إيران النووي بطريقة إبداعية، ومثيرة للاهتمام، ومحفوفة بالمخاطر، ولا يمكن الدخول في التفاصيل. كانت الخطة مثار جدل، واحتاجت إلى تخصيص واسع للموارد، بما في ذلك من الجيش الإسرائيلي، علماً أن الموارد كانت دائماً جوهر الصراع الداخلي في المؤسّسة الأمنية". وجمّد يوسي كوهين، رئيس الموساد السابق، "الخطة الطموحة" بعد أن خلص إلى أنها غير قابلة للتنفيذ.
أما دافيد برنيع، الرئيس المنتهية ولايته، فأعاد فور توليه المنصب تقريباً إحياء الخطة، وأبلغ جميع الأطراف المعنية أنه بحلول ديسمبر/ كانون الأول 2023 سيثبت لهم أن الخطة قابلة للتنفيذ. أما وزير الأمن في حينه يوآف غالانت، فكان مقتنعاً تماماً بأنها غير قابلة للتنفيذ، وأنشأ فريقاً خاصاً ومقلصاً من "شخصيات رفيعة وجادة جداً" لفحص مشروع الموساد. واستنتج الفريق أن الخطة غير واقعية.
ووجه غالانت المؤسسة الأمنية للاستعداد لحرب مع إيران، فيما بدا له أنه يمكن فعل ذلك، بسبب عدة عوامل، منها التغييرات الكبيرة وتخصيص الميزانيات في عهد حكومة نفتالي بينيت- ويائير لابيد، أي الحكومة السابقة. لكن أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 غيّرت كل شيء. في تلك اللحظة حدث شرخ كبير، بحسب التقرير العبري، لا يمكن أبداً إصلاحه، بين الجيش الإسرائيلي والموساد.
بعد أسابيع عدّة من عملية حماس، علم الجيش، الذي واصل تخصيص الموارد للمهمة، على الأقل من حيث المبدأ، أن الموساد قد جمّد العملية الرئيسية التي كانت مطروحة للتعامل مع المشروع النووي الإيراني، وأن برنيع فعل ذلك عبر بريد داخلي، ولم يُبلغ الجيش بذلك.
عندما علم رئيس هيئة الأركان السابق هرتسي هاليفي ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) السابق أهرون حاليفا بذلك "أصيبا بالذهول". كانت حجة برنيع أن "الجيش الإسرائيلي لن يتمكن من التعامل مع المهام، نظراً لتعدّد المهام في غزة والضغط العام. كانوا في الموساد يشعرون أن الجيش في حالة صدمة، ومتزعزع، ولا يستطيع العمل بجدية على هذا الملف". ورد المسؤولون في الجيش على برنيع : "كيف تعرف أننا لن ننجح إذا لم تسأل"؟ وكانوا مقتنعين بأن رئيس الموساد يحاول استغلال 7 أكتوبر بطريقة تشتمل على تلاعب ما، لإلغاء مشروع غير واقعي، بل وخطير (أي خطة الموساد غير الواقعية)، وإلقاء المسؤولية على الجيش في أحلك لحظاته". وحتى من ناحية سير الإجراءات، لم يكن واضحاً لهم كيف ألغى برنيع المشروع سرّاً. وقال حاليفا لبرنيع: "أنت تدّعي أن هناك مشكلة في الموارد؟ العكس تماماً. لدينا الآن المزيد من جنود الاحتياط. يمكن تخصيص موارد إضافية للخطة الطموحة".
وفي مرحلة معينة، شكّل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو "لجنة نجل" لفحص شامل للأمور، ومحاولة إنعاش مشروع الموساد، لكن اللجنة وصلت إلى نفس النتيجة، ومفادها أن الخطة التي حاولت إسرائيل تطويرها لسنوات بوصفها حلاً نهائياً للتعامل مع المشروع النووي الإيراني "غير واقعية".
يذكر أن "لجنة نجل" هي لجنة خبراء أنشأتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بهدف فحص موازنة المنظومة الأمنية وبناء قوة الجيش خلال العقد القادم، ومن ضمنها الاستعداد لضرب إيران.

Related News
