ديون ضخمة وامتيازات بالعاصمة الإدارية في مصر
Arab
9 hours ago
share

تتجه شركة العاصمة الإدارية إلى طرح مساحات من الأراضي الجديدة للبيع خلال شهر يوليو/ تموز المقبل، بمساحة تصل إلى نحو 40 ألف فدان في إطار البحث عن مخرج ينقذها من تراكم الديون ومحاولة لتوفير السيولة المالية، لمواجهة عجز دائم يحول دون قدرتها على سداد مستحقات الجهات الأجنبية والمقاولين المحليين الملتزمين تنفيذ مشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة. 

تدفع الأزمة المالية الشركة إلى منح امتيازات لشركات أجنبية تتولى إدارة المرافق والخدمات للسكان والمستثمرين واستثمار عوائدها، مقابل الديون المتراكمة عن تنفيذ المباني الحكومية والبرج الأيقوني ومحطات الكهرباء والمياه والصرف والنقل والنظافة. في تصريح أطلقه أخيراً رئيس شركة العاصمة الإدارية للتنمية الإدارية خالد عباس، أكد أن الشركة تستعد لتنفيذ المرحلة الثانية من العاصمة الإدارية، بعد الانتهاء من إعداد خطتها، بينما يأتي طرح الأراضي في خطوة تمهيدية لتسويق هذه المرحلة، وجذب مستثمرين جدد يشاركون في بنائها. 

تأتي تصريحات عباس متناقضة مع تعهدات سبق أن أطلقها، في حضور"العربي الجديد" في اجتماع موسع بأعضاء جمعية رجال الأعمال المصريين، أكد فيها أن ما سيُطرَح من أراضٍ بالعاصمة الإدارية، خلال عام 2025، سيكون مقتصراً على الأراضي الشاغرة وسط أحياء بالمرحلة الأولى، التي بدأ بيع أصولها عام 2016، لتعظيم الاستفادة من المساحات الواقعة بين المشروعات القائمة، والإمكانات المتاحة بها، مع عدم تنفيذ أية بيوع، دون وضع مخطط عام للمرحلة الثانية يضمن تحديد المشروعات المطلوبة كافة، تشمل مناطق صناعية وتجارية وخدمية وسكنية متنوعة لتكون قادرة على تلبية جميع احتياجات السكان والمستثمرين.

أشارت بيانات شركة العاصمة إلى رغبة الإدارة في طرح أراضٍ في الحي R8، بزيادة في التسعير بنسبة 15%، عن الأسعار السائدة، مستهدفة تحقيق أرباح بنسبة تصل إلى 25%، خلال عام 2025، مقارنةً بالمحققة في العام المالي 2024، بينما يبحث رئيس الشركة عن بيع الأراضي التي تُسهم في رفع القيمة السوقية للأصول، في إطار سعيه لإعادة تقييم الأصول للمرة الثانية على التوالي خلال عامين، الأمر الذي حال دون طرح أصول الشركة في بورصة الأوراق المالية أمام المستثمرين المحليين والأجانب عامي 2024 و2025. 

يبذل عباس جهوداً مضنية تمكنه من الحصول على السيولة، في ضوء تراكم الالتزامات المالية لشركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، بلغت قيمة القرض الأول منها 2.55 مليار دولار تمثل نفقات إقامة 20 برجاً إدارياً خُصص كمكاتب للوزارات والأجهزة الحكومية، والبرج الأيقوني الأطول في أفريقيا، تحملت سداده هيئة المجتمعات العمرانية، المالكة لنحو 49% من أسهم شركة العاصمة، بضمان وزارة المالية. 

تواجه شركة العاصمة تأخراً في سداد مستحقات مشروعات شركات مقاولات محلية، بقيمة 3 مليارات جنيه، أسهمت في بناء مشروع غاردن سيتي الجديدة، وعمارات سكن العاملين في الأجهزة الحكومية، التي بيعت بأقساط شهرية، لكبار الموظفين بالوزارات، مقابل انتقالهم للعيش في العاصمة الإدارية. 

تأتي ديون الشركات الدولية المنفذة لمشروعات الكهرباء والنقل والمرافق العامة، على قائمة المستحقات واجبة الدفع، على أقساط تراوح مدتها ما بين 7 - 15 عاماً، بقيمة تزيد على 40 مليار دولار، دفعت إدارة العاصمة إلى البحث عن وسائل لتأجيل تلك الديون أو تدويرها، مع طرح كميات كبيرة من الأراضي، ترفع من قيمة الأرباح المسجلة سنوياً، بما يغري المشترين بالإقبال على طرح أسهمها خلال فترة متوقعة ببداية عام 2026. 

سجلت شركة العاصمة أرباحاً بقيمة 26 مليار جنيه عن نتائج أعمال العام المالي 2023، تمثل أقل من 10% على عوائد أصول قدرت بنحو 279 مليار جنيه خلال الفترة نفسها، بما ضاعف قلق المستثمرين من عدم قدرة الشركة على تغطية قيمة القروض وتكاليفها والفوائد المستحقة، ووجود مخاوف من تعثرها عن السداد، رغم وجود وزارة المالية ضامناً لتلك القروض. (الدولار 49.9 جنيهاً).

تشير بيانات الشركة إلى سداد نحو ملياري جنيه رسوماً وضرائب على أنشطة الشركة سددت لصالح الخزانة العامة، بينما لم تذكر أية بيانات عن توزيع عوائد الأرباح، في ظل هيكل ملكية شديد الغموض، حيث تمتلك هيئة المجتمعات العمرانية نسبة 49% من أسهم الشركة، بينما يمتلك جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة نسبة 29.4% وجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة نحو 21.6% من قيمة أسهم تدير محفظة مالية لنحو 174 ألف فدان، تجعلها أكبر شركة مالكة لأراضٍ عقارية في مصر والعالم. 

تبحث إدارة العاصمة الجديدة عن حلول تخرجها من حالة الجمود التي أصابت أنشطها جراء تعطل عمليات الطرح لنسبة ما بين 5%-10% من أسهمها في البورصة التي تعهدت بها منذ 2018، أسفرت عن تحالفات عدة مع مؤسسات مالية وهندسية لتقييم الأصول، منها "مصر كابيتال" و"بلتون" الماليتان، و"دار الهندسة" للاستشارات، لم تفلح أي منها في التوصل إلى تقييم نهائي لتلك الأصول. 

يرجع البرلماني السابق والخبير في شؤون الإدارة المحلية عبد الحميد كمال، مشاكل شركة العاصمة المالية، إلى عدم تحديد هوية الكيان الحاكم لها حتى الآن، مبيناً أنها نشأت مدينةً حديثةً لقيادة الدولة، تحولت إلى شركة، ولم تحدد علاقاتها بالكيانات الأخرى، التي حصلت منها على الأراضي والتمويل وطرق التعاون بينها، بما يجعلها قابلة للحياة الآن.

 يذكر كمال لـ"العربي الجديد" أن هذه التناقضات أوقعت شركة العاصمة والحكومة في مشاكل، حيث تراجع البرلمان عن الانعقاد في المبنى الحديث فيها، وأعادت الحكومة مكاتب التواصل مع الجمهور إلى مكاتب الوزارات بوسط القاهرة مرة أخرى، بالإضافة إلى صعوبة توافر المدارس ووسائل المعيشة أمام المواطنين، فيما المشروعات الأولى التي طرحت للعاصمة عام 2015، كانت تروج لقدرة الشركات على الانتهاء من جميع مشروعاتها الحيوية خلال عامين ونصف فقط. 

عينت الشركة أخيراً بنك الاستثمار "سي آي كابيتال" مستشاراً مالياً للطرح، وعلى الرغم من عدم وجود مساهمين أجانب في هيكل ملكية الشركة، إلا أن الإدارة دخلت في شراكات استراتيجية مع شركات وتحالفات أجنبية لتنفيذ بعض مشروعات العاصمة وتشغيلها، منها الاتفاق مع تحالف" أليانس" العالمي لتطوير مشروع عقاري كبير في العاصمة، بنظام التنازل عن الأرض مقابل التزام حصصاً من الوحدات المنفذة. 

وقعت هيئة المجتمعات العمرانية ممثلة عن الدولة المصرية اتفاقية مع تحالف يضم شركتي UMI المملوكة لمجموعة CSCEC الصينية وIGI الدولية لإدارة منطقة الأعمال المركزية وتشغيلها، التي تشمل البرج الأيقوني بارتفاع 400 متر، والمباني الحكومية التي تضم 20 برجاً إدارياً والأنشطة التجارية والسكنية. قالت مصادر مطلعة في الشركة الصينية لـ"العربي الجديد" إن الاتفاق يقضي بحق الجانب الصيني في إدارة المنشآت  واستغلالها وتأجيرها لحسابها وحساب الغير لمدة 25 عاماً قابلة للزيادة، وتقاسم العوائد للمشروع المقام بضمان قيمة الدين المتراكم على الشركة والفوائد المقررة على القرض بواقع 3.5% على أصل القرض المدفوع بالدولار، مع تحمل شركة العاصمة دفع قيمة التأمين عند سداد القرض، والمبالغ المترتبة عن زيادة الفوائد على الدولار، خلال فترة الامتياز.

أشار المصدر إلى سفر وزير الإسكان المصري شريف الشربيني لتوقيع الاتفاق النهائي مع الشركة الصينية بمدينة هانغتشو نهاية مايو الماضي 2025، وتأكيد التزام الجانبين تطبيق أفضل الوسائل العالمية في إدارة منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية وتشغيلها، ومن بينها مشروع النهر الأخضر الكبير، ما رفع تكلفة المشروع بالكامل إلى 3 مليارات دولار، مُوِّلَت من بنك التعمير والحكومة الصينية. 

شملت الزيارة، وفقاً للمصدر، اتفاقاً حول مستقبل الأصول التي أقامها الطرف الصيني وآلية الإدارة، وتعويض الشركة الصينية عن المستحقات المتأخرة، منذ عام 2021، عبر منحها حقوق امتياز إدارة وتشغيل المنطقة الحكومية بالكامل، مقابل عدم مطالبة وزارة المالية بالسداد الفوري لتلك المستحقات. 

في سياق متصل، أسندت شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية إدارة وتشغيل وصيانة محطات توليد الكهرباء وتوزيعها  لشركة سيمنز الألمانية التي أقامتها بتكلفة تصل إلى 6.2 مليارات دولار، داخل العاصمة، مقابل أقساط ربع سنوية تدفع بالدولار، للتخفيف من أزمة عدم تسلّم المحطات المنفذة منذ عامي 2018 و2020، لعدم قدرتها على التزام سداد مستحقات قروض"سيمنز" مقاول التنفيذ لمشروعات الكهرباء، وهي الجهة المتكفلة بإدارة الديون المستحقة على "العاصمة" ووزارة المالية، مع البنوك الألمانية والأوروبية التي أسهمت في تمويل تلك المشروعات. 

وعلى المنوال نفسه وافقت الحكومة لتحالف CREC الذي يضم الهيئة القومية للأنفاق وشركة China Railway Engineering Corporation تابعة لهيئة سكك حديد الصين، لإدارة وتشغيل وصيانة القطار الكهربائي السريع الذي يربط العاصمة الإدارية بمدن بدر والشروق والعبور والعاشر من رمضان وشرق العاصمة، لعدم قدرتها على سداد الدين، وتحمل تكلفة التشغيل، مقابل استغلال عوائد التشغيل وتحويل المناطق الإدارية التابعة له إلى مساحات تجارية تتولى تشغيلها وتحصيل عوائدها طوال فترة الامتياز بالمشاركة مع وزارة النقل. منحت إدارة العاصمة شركة "بيئة" الإماراتية امتياز عقد إدارة المخلفات الصلبة في العاصمة لمدة 15 عاماً.

أسندت شركة العاصمة إلى شركتي مواصلات مصر الإماراتية والسوبر جيب المصرية إدارة منظومة النقل الداخلي وتشغيلها، واتفقت نهاية مايو 2025 مع شركة "دويتشه فاسر إنترناشيونال" الألمانية، على إدارة شبكات مياه الشرب والري والصرف الصحي ومحطات المعالجة ومرافق تصريف مياه الأمطار وتشغيلها وصيانتها، بما يعكس عدم تحمل إدارة العاصمة لأية أعباء خاصة بالجمهور، الذي سيصبح سلعة جيدة لشركات الخدمات صاحبة الامتياز بتشغيل جميع المباني والمرافق العامة في العاصمة الجديدة.  يعتبر رئيس الحزب الاشتراكي العربي، المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، العاصمة الإدارية الجديدة، نموذجاً لخصخصة الحياة الاقتصادية في مصر التي تنتهجها الحكومة بقوة منذ عام 2015، وتسعى لتعميمها على باقي مدن البلاد.

أوضح شعبان في حوار مع "العربي الجديد" أن الحكومة منذ أن وقعت في فخ الديون الأجنبية التي تزيد على 155 مليار دولار وتوسعت في الدين المحلي ليزيد على 10 تريليونات جنيه، أصبحت مدفوعة بتعليمات صندوق النقد والبنك الدوليين نحو خصخصة المرافق وبيع الأصول العامة، سواء كانت مملوكة للجيش أو القطاع العام، مشيراً إلى أن التوسع في بيع أصول شركة العاصمة، مع عدم قدرة الشركة على تحمل أعباء الديون التي أسهمت في تأسيس مرافقها، يعني أن الحكومة أوقعت المشروع في دائرة جهنمية لن يمكنه الخروج منها إلا بمزيد من الديون أو منح الأصول لأطراف دولية، مقابل تسديد الديون أو حصولهم على امتياز بيع الخدمات للجمهور، الذي تحول إلى سلعة ضمن مشروع خُصِّصَت مرافقه وخدماته كافة. 

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows