
شهدت الأيام الماضية حرباً غير مسبوقة بين إيران وإسرائيل استخدم فيها الطرفان أسلحة وتكتيكات جديدة، حيث أطلقت إيران مئات الصواريخ الباليستية، بعضها ذات قدرات عالية على تجاوز طبقات عديدة من المنظومات الدفاعية، وذات قدرات تدميرية كبيرة، بالإضافة إلى استخدامها نحو 1000 طائرة مسيرة، فيما ردّت إسرائيل بـ”استراتيجية مكشوفة” عبر ضرب البنى التحتية الصاروخية الإيرانية وقواعد عسكرية ومطارات ومفاعلات نووية، مع قدرات متواضعة لمنظومات الدفاع الجوي الإيرانية في صد هذه الهجمات.
وتأتي هذه المواجهة الساخنة التي استمرت لنحو 12 يوم كدرس عميق لمختلف الجيوش في المنطقة وحول العالم، وتنبّه إلى سباق تسلّح متصاعد بين دول المنطقة، يعتمد بشكل أساسي على تطوير الطائرات المسيرة وأنظمة الدفاع الجوي، ويلفت الانتباه إلى قدرات الصواريخ البالستية والفرط صوتية.
ما الذي كشفته لنا الحرب بين إيران وإسرائيل؟
- منذ بداية المواجهة، تمكّنت دولة الاحتلال من تحقيق تفوق جوي في سماء إيران بسرعة كبيرة، وفي غضون الأيام الأولى زعم جيشها أنه دمّر أكثر 120 نظام دفاع جوي إيراني، من خلال مزيج من الضربات الجوية والطائرات المسيّرة الانتحارية، وكانت نسبة الاعتراضات الإيرانية بواسطة منظومات الدفاع الجوية (معظمها محلية الصنع) ضعيفة جداً. وهذا يكشف مدى حاجة طهران لتطوير منظومات الدفاع الجوي الخاصة بها أو امتلاك منظومات أخرى أكثر فاعلية، مثل S-400 الروسية.
- في الوقت نفسه، كان سلاح إيران الأكثر فعالية هو مخزونها من الصواريخ الباليستية عالية السرعة، والتي يقدّر الجيش الإسرائيلي بامتلاك طهران منها عشرات الآلاف من الصواريخ، استخدمت طهران منها بضع مئات ونجحت العشرات منها في ضرب مواقع ومنشآت حساسة وإيقاع دمار في مناطق مختلفة من “إسرائيل”، وهو ما أحدث صدمة لدى تل أبيب التي تمتلك طبقات مختلفة من منظومات الدفاع الجوي الأحدث في العالم.
- استخدمت طهران أيضاً نحو 1000 طائرة مسيرة انتحارية في هجماتها على “إسرائيل”، لكن تزعم دولة الاحتلال أن نسبة الاعتراضات لهذه المسيرات عالية جداً ولم تنجح إلا القليل منها بالوصول لأهدافها، حيث تم اعتراض معظمها خارج نطاق دولة الاحتلال، في الأردن وجنوب سوريا ولبنان، لذلك كان سلاح طهران الأكثر فعالية في هذه الجولة هو الصواريخ الباليستية بعيدة المدى التي تستطيع مراوغة المنظومات الدفاعية وضرب أهدافها بنجاح.
- كشفت هذه الحرب أن أفضل منظومات الدفاع الجوي في العالم تفشل أمام صواريخ باليستية إيرانية محلية الصنع. اعتراض الصواريخ الباليستية هو في المقام الأول مهمة أحدث نظام دفاع جوي إسرائيلي، “حيتس 3″، الذي يبلغ مداه 1500 ميل ويمكنه إسقاط الصواريخ القادمة من خارج الغلاف الجوي للأرض، وسابقه “حيتس 2″، وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة تقدم دعماً اعتراضياً متقدماً لإسرائيل من خلال نظام ثاد ومدمرات متمركزة في شرق البحر الأبيض المتوسط. ولا يُعدّ أيٌّ من نظامي “حيتس” رخيصاً – فقد قُدّرت تكلفة اعتراض “حيتس 3″ بـ 3.5 مليون دولار، مع أن تقديرات أخرى تشير إلى مليوني دولار، و1.5 مليون دولار لـ”حيتس 2”. وأشارت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية إلى أن التكلفة الإجمالية لصواريخ “حيتس” الاعتراضية على إسرائيل تراوحت بين مليار و1.5 مليار دولار منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
- أحد المشاكل الأخرى التي كشفتها الحرب لدى إسرائيل، هو تراجع مخزون الصواريخ الاعتراضية المتاحة، حيث كانت استطالة أمد الحرب ستسبب مشكلة كبيرة لتل أبيب، خصيصاً أن هذا القلق تفاقم بعد تقريرٍ نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، نقلاً عن مسؤولٍ أمريكيٍّ، قال فيه إن مخزون إسرائيل من الصواريخ يوشك على النفاد.
- وبحسب صحيفة “الغارديان“، تُحفظ مستويات مخزون الصواريخ الاعتراضية سراً، ويُعتقد أن إسرائيل، المُدركة تماماً لتهديد الصواريخ الباليستية الإيرانية، لم تكن لتختار مهاجمة إيران دون امتلاكها ما يكفي من الصواريخ الاعتراضية لتتناسب مع تقييمها للتهديد المُحتمل، لكنها تفاجأت بقدرة صواريخ طهران على المراوغة وضرب العديد من الأهداف يومياً بنجاح. ويستغرق تصنيع الصواريخ الدفاعية المتطورة وقتاً طويلاً، وهي مشكلةٌ انكشفت منذ فترةٍ طويلة في أوكرانيا، حيث تُواصل روسيا إطلاق صواريخَ أكثرَ مما تملكه كييف من دفاعاتٍ جوية.
الحرب بين إسرائيل وإيران ستطلق سباق تسلح جديد في المنطقة
- في السياق، يشير خبراء أن الهجمات المتبادلة التي اندلعت عقب العدوان الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو/ حزيران قد تُطلق شرارة “سباق تسلح جديد” في الشرق الأوسط، بدءاً من الطائرات المسيرة ومن ثم الصواريخ بعيدة المدى، وحتى أنظمة الدفاع الجوية والرادارات ذات التقنية العالية.
- ويقول البروفيسور توم ساور، أستاذ السياسات الدولية في قسم العلوم السياسية بجامعة أنتويرب البلجيكية، إن الأسلحة الحديثة، لا سيما الطائرات المسيّرة المسلحة، تركت بصمتها على النزاعات الأخيرة في إيران وإسرائيل وأوكرانيا. وأضاف ساور لوكالة الأناضول أن ما هو جديد الآن هو الاستخدام الواسع للطائرات المسيّرة. وكما حدث في حرب أوكرانيا وروسيا، نرى استخدامًا واسعًا وناجحًا نسبيًا للطائرات المسيّرة في هذه الحرب أيضًا. هناك سباق تسلح تكنولوجي قائم حاليًا في مجال الطائرات المسيّرة. وستستخلص الدول في الشرق الأوسط دروسًا من هذه الحروب وتكتشف نقاط ضعفها.
- ومن بين الدروس التي يمكن أن تستفيد منها، الحاجة لامتلاك أسلحة ونظم تسليح دفاعية متطورة وفعالة من الناحيتين النوعية والكمية. وكذلك امتلاح صواريخ باليستية بعيدة المدى (فوق 1500 كيلو متر). لذلك، ستفتح هذه الحروب الباب أمام سباق تسلح جديد في الشرق الأوسط.
- ويرى الباحث مراد أصلان من جامعة حسن قاليونجو التركية والباحث بمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي “سيتا”، أن البرامج والاستراتيجيات الدفاعية تتغير دائمًا بعد كل حرب في ضوء التجارب المستخلصة، ما يؤدي بدوره إلى اقتناء معدات دفاعية جديدة وأكثر تطوراً.
- يقول أصلان إنه بينما كانت برامج الدفاع التي بدأتها أوروبا الشرقية في منطقة البلطيق تركز على روسيا، فإن التوتر بين إيران وإسرائيل فتح الباب لمعاينة نموذج جديد، ونتيجة لذلك، يتم حاليًا إعادة النظر في الأنظمة الدفاعية الموجودة. ودأبت الدول قبل سنوات على اقتناء أنظمة أسلحة تقليدية، أما الآن، فنشهد تركيزًا واضح على المنصات الجوية، بما في ذلك الطائرات الحربية، والطائرات المسيّرة، والصواريخ، والقذائف الذكية.
- أشار أصلان إلى وجود حاجة “لإعادة تقييم الأنظمة الدفاعية، والسعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي على الأقل من حيث التكنولوجيا، وزيادة القدرات بما يتناسب مع حجم التهديد”.
الحاجة لامتلاك أنظمة دفاع جوي متطورة تتعاظم
- يقول الباحث أصلان: “نظرًا لعجز إيران عن التصدي بفعالية للهجمات الجوية الإسرائيلية، ولأن الولايات المتحدة نفذت ضربات من مسافات بعيدة باستخدام قواتها الجوية، فمن المتوقع أن تتجه الدول نحو تطوير أنظمة دفاع جوي متكاملة ومتناسقة تعمل بتناغم فيما بينها”. مشيراً إلى أن “تركيا محظوظة في ما يخص تكامل أنظمتها الجوية”، مشيرًا إلى أن المشاريع التي طورتها في هذا المجال، خلال السنوات المنصرمة، بدأت تتكشف أهميتها مع تصاعد التوتر والأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط.
- ويرى هؤلاء الخبراء أن أنظمة الدفاع الجوي ستلعب دورًا رئيسيًا في الحروب خلال السنوات المقبلة، وبعد الصراع الإيراني الإسرائيلي، ستحرص جميع الدول على امتلاك أحدث أنظمة الدفاع الجوي متطورة، قادرة على حماية مصالحها ومنشآتها. ويشير الأكاديمي التركي أصلان إلى أن تركيا على سبيل المثال قطعت شوطًا كبيرًا في مجال إنتاج وتطوير الطائرات المسيّرة، فيما لا تزال أوروبا لا تزال متأخرة عنها في هذا المجال.
- وفي الحرب بين روسيا وأوكرانيا شاهدنا الجيش الروسي يستخدم دبابات من طراز “تي – 62″ و”تي – 64″ و”تي – 72″، وقد دُمّر الآلاف منها. السبب في ذلك أنها تعود إلى فترة الحرب الباردة، ولم تكن قادرة على حماية نفسها”. وعندما استخدمت روسيا تلك الدبابات في الهجوم “تعرضت لأعطال، بل إن بعضها تُرك في الطرق. لذلك، ليس المهم امتلاك دبابة وحسب، بل امتلاك دبابة حديثة. الأمر نفسه ينطبق على مدافع الهاوتزر الحديثة.
الهجمات المباغتة تؤكد على ضرورة الاستعداد الجيد والدائم للمعارك
- في إطار المواجهات الأخيرة في إيران وأوكرانيا، تقول صحيفة “وول ستريت جورنال” إن حلف الناتو يخطط إلى تعزيز الدفاعات الجوية ضد الطائرات بدون طيار وكذلك القرصنة والتخريب. وتضيف الصحيفة أن الضربة التي شنتها أوكرانيا مؤخراً بطائرات بدون طيار على قاذفات روسية متوقفة، وتدمير إسرائيل للدفاعات الجوية الإيرانية، هو “تحذير لدول حلف شمال الأطلسي، فالخصوم الأذكياء قادرون على القضاء على أصول ساحة المعركة الحيوية في أي مكان، قبل الدخول في القتال”.
- هذا يجعل الاستعداد للمعارك والهجمات المباغتة أكثر أهمية من أي وقت مضى. وقال السفير الأمريكي لدى حلف الناتو، ماثيو ويتاكر: “إذا اندلعت الحرب العالمية الثالثة في القارة الأوروبية، فما هي الطلقة الأولى؟ هل ستكون دبابات روسية تغزو بولندا، أم هجومًا إلكترونيًا على أحد حلفائنا، أم تحديًا لبنية تحتية ما؟”.
- وتقول الصحيفة إن الأوروبيين أدركوا أن تجهيز القوات العسكرية ليس بالأمر الهيّن، حتى في زمن السلم. فالقوات المُعبأة للمعركة تُعدّ أهدافًا رئيسية للهجوم. وكذلك البنية التحتية، بدءًا من الطرق والموانئ وصولًا إلى خطوط الهاتف ومحطات الطاقة.
- ويقول المثل العسكري إن الخيارات المتاحة لا تُنفد أبدًا، فالخصوم لديهم طرقٌ أكثر من أي وقت مضى للهجوم وإيقاع الألم. ويجب على المخططين أن يأخذوا في الاعتبار الخيارات غير المتوقعة، بدءًا من التخريب التقليدي وصولًا إلى الهجمات الإلكترونية وضربات الطائرات المسيرة. وقال الفريق المتقاعد دوغلاس لوت، السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي: “إذا كانت الصين قادرة على قطع الطاقة عن مراكز البيانات لدينا، فربما لن تحتاج إلى إغراق حاملات الطائرات الخاصة بنا”.
- لم يواجه المخططون العسكريون الغربيون تهديدات جسيمة للإمدادات منذ الحرب العالمية الثانية. لكن غزو روسيا لأوكرانيا وخطر اندلاع صراعات أخرى مثل إيران وإسرائيل، غيّرا هذا الواقع. والآن، يتعين على خبراء الإمداد، الذين يركزون على تعبئة القوات وإدامة المعارك، تحسين خططهم والاستعداد الدائم للقتال، مع توفير أنظمة حماية دفاعية قوية وامتلاك أحدث أنواع الأسلحة الهجومية، ونقل الحرب إلى ساحة الخصم وجعلها مكلفة عليه.
Related News
