
الرشــــــــــــــــاد بــــــــــــــــرس ــــــ اقتــــــــــصاد
في ظل تصاعد التوترات الاقتصادية، عاد الرئيس الأميركي
دونالد ترامب إلى مهاجمة رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، واصفًا إياه عبر منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه “من أغبى وأكثر الأشخاص تدميرًا في الحكومة الأميركية”.
جاءت هذه التصريحات عقب قرار الاحتياطي الفدرالي تثبيت أسعار الفائدة في نطاق يتراوح بين 4.25% و4.5%، وهو القرار الساري منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، رغم الضغوط المتكررة من ترامب لخفضها، بحجة أن “الفائدة المرتفعة تُكلّف الولايات المتحدة المليارات سنويًا”.
ضغوط سياسية تهدد استقلالية الفدرالي
تقرير حديث لمجلة فوربس حذّر من أن المشكلة الأساسية لا تكمن في تصريحات ترامب النارية، بل في احتمالية رضوخ الاحتياطي الفدرالي للضغوط السياسية.
وأوضح التقرير أن خفض الفائدة في الوقت الحالي، قبل السيطرة التامة على التضخم، قد يتسبب في موجة تضخمية ثانية تفوق تلك التي أعقبت جائحة كورونا، ما قد يعيد الولايات المتحدة إلى سيناريو “الركود التضخمي” الذي ضرب البلاد بقوة خلال سبعينيات القرن الماضي.
مؤشرات إنذار مبكر:
استعرض التقرير مجموعة من المؤشرات التي تنذر بأزمة اقتصادية قد تكون الأشد منذ عقود، من أبرزها:
خفض الفائدة المبكر: قد يؤدي إلى ارتفاع سريع في الأسعار، مما يجبر الفدرالي لاحقًا على رفع الفائدة بوتيرة أعنف، بما يضر بالطلب والاستهلاك.
احتمالية انهيار مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة تصل إلى 50%، كما حدث بين عامي 1972 و1974، حين تسبّب التضخم المفرط في انهيار الأسواق.
ويشير التقرير إلى تشابه “مرعب” بين الوضع الراهن وتلك المرحلة، خاصة في ظل ما يصفه بسياسات ترامب الاقتصادية “العدوانية” التي تشمل:
رفع الرسوم الجمركية على الواردات، مما يؤدي إلى زيادة أسعار المواد الخام وانكماش العرض.
ترحيل المهاجرين غير النظاميين، ما يُحدث نقصًا حادًا في العمالة منخفضة الأجر، ويدفع نحو ارتفاع أسعار الخدمات.
خفض شامل للضرائب في وقت تتجه فيه الأسعار للصعود، ما يزيد من السيولة في أيدي المستهلكين، وبالتالي يحفز الطلب التضخمي.
كارثة سوقية محتملة:
بحسب فوربس، فإن انهيارًا بنسبة 50% في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 قد يعني خسارة تفوق 23 تريليون دولار من القيمة السوقية للأسهم، أي ما يعادل أكثر من أربعة أضعاف الخسائر التي تكبّدها السوق في أبريل/نيسان 2025، والتي قُدّرت بخمسة تريليونات دولار فقط.
وتوقّع التقرير أن:
يرتفع الطلب على أدوات الادخار الآمنة، مثل شهادات الإيداع والسندات قصيرة الأجل، خاصة مع بلوغ عوائدها مستويات تفوق 6%.
تشهد الشركات الصغيرة – ذات الهامش الربحي المحدود والسيولة الضعيفة – تضررًا بالغًا، على غرار ما حدث في دورة 2022، حيث هبط سهم شركة “إنفيديا” حينها بأكثر من 50%.
أصوات تحذّر من “عاصفة مالية”
عدد من أبرز الشخصيات في عالم المال والاقتصاد حذّروا من المخاطر المحدقة، نذكر منهم:
جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان، الذي نبّه إلى أن “نفقات الفائدة السنوية الأميركية تخطت تريليون دولار”، معتبرًا ذلك “علامة خطر لا يمكن تجاهلها”.
بول تودور جونز، المستثمر المعروف، توقّع أن “يفقد الدولار 10% من قيمته خلال هذا العام”، ما يزيد من الضغوط على الأسواق والمالية العامة.
ليا تروب، مديرة المحافظ في “لورد أبِت”، أبدت قلقها من تآكل الثقة في السياسة النقدية، مؤكدة أن “المستثمرين بدأوا فعليًا البحث عن بدائل خارج الدولار”.
تريفيس تيم، الخبير الاقتصادي في فوربس، حذّر في مقاله قائلاً: “إذا استمرت هذه السياسات على حالها، فإننا أمام موجة ركود تشبه أزمة السبعينيات، لكن آثارها ستكون أعمق وأكثر إيلامًا”.
ترامب تحت المجهر:
اختتم تقرير فوربس بتساؤل جوهري: “هل يعيد ترامب النظر في نهجه الاقتصادي حين تشتد الأزمات؟ أم سيواصل الهجوم على المؤسسات المالية ويلقي باللوم على الآخرين؟”
يرى التقرير أن بارقة الأمل الوحيدة تكمن في قدرة مستشاريه والمقرّبين منه على إقناعه بتخفيف السياسات التي ترفع معدلات التضخم وتزعزع الاستقرار المالي، قبل أن يفوت الأوان.
وإلا، فإن الكارثة الاقتصادية المتوقعة قد لا تقتصر على الولايات المتحدة فحسب، بل ستمتد تداعياتها إلى الأسواق العالمية، في مشهد يعيد إلى الأذهان أشد الأزمات ركودًا في التاريخ الحديث.
المصدر: رويترز