
نجحت إسرائيل في توفير شروط الانقضاض الأميركي على إيران. قامت بهجوم عسكري مباغت، كانت من نتائجه تصفية أبرز قيادات الصفّ الأول من العسكريين والأمنيين، وعدد من كبار علماء البرنامج النووي، إلى جانب القضاء على عدد كبير من القوة الدفاعية ومنصّات إطلاق الصواريخ. وبذلك فتحت المجال لسيطرة واسعة على الأجواء الإيرانية. رغم أن إسرائيل هي البادية في العدوان، فإنّ الغرب انحاز آليا إلى جانبها، مدّعياً أنها تشكّل خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني. وسارعت مجموعة الدول الصناعية السبع (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة) إلى التأكيد للمرّة الألف "أن لدى إسرائيل الحقّ في الدفاع عن نفسها". كما أكّدت بوضوح أن إيران "لن تملك سلاحاً نووياً أبداً".
في السياق نفسه، انخرط الرئيس الأميركي (كالعادة) في السردية الإسرائيلية، فأعطى الضوء الأخضر للهجوم على إيران، وباركه، ووصفه بـ"العمل الممتاز". ثمّ دعم ذلك بتوجيه حاملة الطائرات نحو المنطقة لمزيد من تطويق إيران وضربها في الوقت المناسب، ووضع النظام الإيراني بين خيارَين: الاستسلام أو الحرب المدمّرة التي تنهي النظام وأيديولوجيته. فتهديدات ترامب تجاوزت القضاء على البرنامج النووي، ليعلن أن الهدف الاستراتيجي تقويض النظام والمنظومة، من دون أن يتأكّد من صحّة الفرضية القائمة على القول باقتراب طهران من امتلاكها السلاح النووي، كما تدّعي إسرائيل. فالسفير الفرنسي السابق في واشنطن أكّد على سبيل المثال أن جميع المخابرات الغربية، بما في ذلك الأميركية (سي آي إيه)، أعلنت قبل أسابيع من بداية الحرب أن إيران ليست في طريق امتلاك سلاح نووي، وهو قول يؤكّد وجود توجّه نحو إعادة السيناريو الذي اعتمده سابقاً الرئيس جورج بوش (الابن) في العراق، الذي اعتمد الكذب أداةً لتبرير الحرب، وأن الدول الغربية عازمة مرّة أخرى على مخالفة القانون الدولي من أجل تحقيق مصالحها على حساب الحقيقة.
هكذا يتأكّد التواطؤ الغربي مع إسرائيل بشكل واضح وفجّ. يقول المستشار الألماني فريدريش ميرتز من دون مواربة: "إسرائيل تقوم حالياً بالعمل القذر نيابةً عن الغرب كلّه". وحتى يزداد قرباً من الحامية الصهيونية، أضاف: "لا يسعني إلا أن أُعبّر عن أكبر قدر من الاحترام تجاه الجيش الإسرائيلي والقيادة الإسرائيلية لشجاعتهما في القيام بذلك. لولا ذلك، ربّما كنّا سنشهد رعب هذا النظام شهوراً وسنواتٍ، مع وجود سلاح نووي". حتى إنه يذكّر العقل الغربي الذي بدأ يستيقظ قليلاً، بأن "7 أكتوبر" (2023) "ما كان ليتم لولا دعم النظام الإيراني". أي تبييض إسرائيل من جديد.
هكذا اكتملت عناصر الخطّة لخنق النظام الإيراني من أجل التخلّص منه، والاعتماد مرّة أخرى على نتنياهو الذي أكّد للمرّة العاشرة أنه يعمل "من أجل شرق أوسط جديد"، تتولّى إسرائيل بمفردها تشكيله وفق رغباته الشخصية. لن يكون الأمر هينّاً كما اعتقدت إسرائيل وحلفاؤها. لقد وجّهت تل أبيب ضربات موجعة إلى إيران، لكنّ تبادل القصف بين البلدَين كشف بوضوح قدرة إيران على الصمود ممّا مكّنها من استنزاف القدرات الحربية لدى الطرف المقابل، ما جعلها تلح على ضرورة دخول أميركا الحرب. فنتنياهو يأمل في تحقيق انتصار سياسي عاجل يدعم به ما تحقّق عسكرياً، قبل أن تتغيّر المعادلة، ويجد نفسه محشوراً في زاوية حادّة بسبب توالي الضربات القاسية للمخزون الحربي الإيراني. وكلّما طالت الحرب، زاد حجم الخسائر الإسرائيلية، وتعقّدت الأوضاع. وهذا ما أثار قلق حلفائها الذين عبّروا عن خشيتهم من التدخّل الأميركي، الذي قد يؤكّد أن ما تخفيه إيران من شأنها أن يورّط الجميع في مأزق استراتيجي كبير وشديد التعقيد.
أمّا الذين يتحدّثون عن قرب سقوط النظام الإيراني، فهم واهمون في هذا الظرف بالذات. العدوان الخارجي يوحّد الإيرانيين، خاصّة إن كان عدوهم المشترك هو إسرائيل، ومن يساعد هذا العدو يحرق. لا يوجد بديل في الداخل سوى التيّار الإصلاحي، الذي يمكن أن يستعيد دوره بعد انهاء الحرب. أمّا اليوم، فأغلبية الشعب معبّأ لمنع انهيار البلد وقبول الاستسلام.
