
إعداد المستشار الانساني/ محمد المعزب
مقدمة
تشهد الجمهورية اليمنية منذ العام 2014م واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، نتيجة الانقلاب الحوثي على الدولة وخروج الحكومة اليمنية من صنعاء الى عدن وما رافقها من تعقد الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، في ظل حرب ممتدة لعشر سنوات خلفت انقسام مؤسسي واسع. ادت الى ضعف وتدهور في تقديم الخدمات بل الى انعدامها في كثير من المحافظات نتج عنها تصاعد الاحتياجات الإنسانية وتزايد عدد السكان المعتمدين على المساعدات الدولية.
وهنا يبرز دور الحكومة اليمنية كفاعل محوري ينبغي أن يمارس مسؤولياته في التنسيق، وادارة الازمة بفعالية، وتوفير البيئة الممكنة للاستجابة الإنسانية والإنعاش الاقتصادي.
إلا أن الواقع الراهن يكشف عن سلسلة من التحديات الهيكلية والإدارية التي تعيق أداء الحكومة، بل وتزيد من تفاقم الأزمة, ومن أبرز هذه التحديات: التدخلات السياسية في العمل الإنساني، غياب المرجعية الموحدة للتنسيق، تدهور العملة، ارتفاع الأسعار، توقف صرف الرواتب، وتجاوز القوانين. وقد أدّت هذه العوامل مجتمعة إلى توسيع فجوة الاحتياج، وإرباك جهود المنظمات الإنسانية، وإضعاف ثقة المانحين.
تهدف هذه الورقة التحليلية إلى تسليط الضوء على أثر السياسات الايجابية والتحديات وكذلك التجاوزات السلبية على الوضع الإنساني، واستعراض ما تقوم به الحكومة اليمنية من ممارسات رسمية أو فعلية في هذا السياق، ورصد الاثر الانساني المترتب على تلك الممارسات مع تقديم توصيات استراتيجية تساهم في تحسين بيئة العمل الإنساني والاقتصادي والسياسي، وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بفعالية وشفافية
أولا: الأداء الايجابي للحكومة والتحديات
أولًا : في المجال الإنساني
جهود إيجابية (لكنها محدودة)
- إصدار تصاريح للمنظمات الدولية والإشراف عليها عبر وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وهي الجهة الرسمية المعنية بتنسيق المشاريع الإنسانية.واصدار تصاريح للمنظمات الوطنية والاشراف عليها من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل
- محاولة تعزيز التنسيق عبر مكتب الشؤون الإنسانية )الاوتشا) والوكالات الاممية والمنظمات الدولية
- مناقشة خطط الاستجابة مع المانحين والأمم المتحدة عبر اجتماعات دولية في جنيف أو بروكسل.
أبرز التحديات :
- تعدد الجهات الحكومية وتضارب الصلاحيات: هناك ازدواجية بين وزارة التخطيط، وزارة الشؤون الاجتماعية، وحدة النازحين، والمجالس المحلية, بالإضافة الى عدم وجود مرجعية وطنية موحدة تنسق بفعالية مع المنظمات، يخلق فوضى ويزيد من التكاليف والوقت المهدور.
- الفساد والرسوم غير القانونية: فرض رسوم على عبور المساعدات أو إصدار التصاريح واستغلال بعض المسؤولين العمل الإنساني لأغراض شخصية أو سياسية.
- التأخر في التفاعل مع خطط الاستجابة الإنسانية: الحكومة تتأخر أحيانًا في مراجعة أو اعتماد خطط الاستجابة الأممية، مما يبطئ تقديم الدعم.
ثانيًا: في الجانب الاقتصادي
جهود محدودة:
- محاولات لاستقرار سعر العملة عبر إجراءات من البنك المركزي في عدن (مثل سحب السيولة، آلية المزادات)
- الحصول على دعم خليجي (السعودية والإمارات) لضمان استيراد الغذاء والوقود(.
التحديات:
- عدم قدرة الحكومة على دفع الرواتب بشكل منتظم : معظم موظفي الدولة لا يتلقون رواتبهم، أو يتقاضون مبالغ رمزية وهذا يعمّق الفقر ويزيد من الاعتماد على المساعدات.
- عدم السيطرة على السياسات النقدية بشكل شامل: وجود بنكين مركزيين (عدن/ صنعاء) يعرقل التحكم في السياسة المالية ويؤدي لتضارب أسعار الصرف، وخلل في النظام المصرفي.
- ضعف الرقابة على الأسعار والأسواق: الحكومة غير قادرة على مراقبة التجار أو منع الاحتكار وهذا يؤدي إلى موجات غلاء شديدة على المواد الأساسية.
ثالثًا: في الجانب القانوني والحوكمة
جهود محدودة
- الالتزام بالقانون الدولي الانساني والسماح للمنظمات الدولية والوكالات الاممية بالعمل داخل الجمهورية اليمنية بدون قيد
- العمل وفق قوانين الدولة السارية المفعول فيما يخص دخول الاجانب ومنحهم تصاريح وتأشيرات.
- تدريب السلطات المحلية لعدد 9محافظات بعدد 45 مديرية على الحوكمة والموازنة والتخطيط.
ابرز التحديات:
- تجاوزات مستمرة في تطبيق القانون: قرارات وزارية متضاربة، وتداخل صلاحيات دون دراسة أو استناد إلى خطة وطنية ولا توجد مساءلة فعلية للجهات الحكومية التي تعرقل العمل الإنساني.
- تغييب الشفافية :لا توجد تقارير دورية منشورة من الحكومة عن استخدام أموال المانحين وهذا يقلل من ثقتهم ويهدد بوقف التمويل.
- ضعف إشراك المجتمع المدني: الحكومة لا تعتمد آليات فعالة لمشاركة منظمات المجتمع المدني الوطنية في صنع القرار الإنساني أو التنموي.
ثانيا: الاداء السلبي وتأثيره
مارس الكثير من افراد الجهات الحكومية والسلطات المحلية كثير من التجاوزات في الشأن الانساني بحكم مواقعهم ومناصبهم الحكومية مما ساهم في الاخلال بمبادئ النزاهة والعدالة ووصول المساعدات الى مستحقيها واضعف التنسيق والتسهيلات المطلوبة والرقابة والتقييم والمتابعة الميدانية, الاصل في ممارسة اعمالهم, ومن ابرز الاعمال التي تمت:
- في الجانب السياسي:
- تسييس المساعدات وتوجيهها : تم ممارسة ضغوطًا على المنظمات الإنسانية لتوجيه المساعدات نحو مناطق خاضعة لسيطرت (النافذين) ، بما يخدم مصالحها السياسية أو العسكرية, وتم استغلال بعض المساعدات كوسيلة للابتزاز أو فرض الولاءات، مما يقوّض مبدأ الحياد.
- التضييق على المنظمات الإنسانية: فرض قيود على حرية الحركة، واشتراط تصاريح طويلة ومعقدة وتداخلت فيها الجوانب الحزبية والحكومية والتدخلات في اختيار المستفيدين، وفرض قوائم غير محايدة.
- إضعاف بيئة العمل الإنساني: تعدد الجهات التي تدعي شرعية تمثيل الحكومة (الحكومة المعترف بها ,السلطات المحلية مستقلة) أدى إلى تضارب في التوجيهات وإرباك عمل المنظمات.
- غياب توحيد الجهود الحكومية في المجال الإنساني:
– تعدد الوزارات واللجان المعنية: وجود أكثر من كيان يدّعي تمثيل العمل الانساني( وزارة الشؤون الاجتماعية وزارة التخطيط الوحدة التنفيذية ,الخلية الانسانية )، أدى إلى تكرار الإجراءات، وتضارب في إصدار التصاريح، وابتزاز للمنظمات.
– انعدام المرجعية الموحدة للتنسيق : لا يوجد جسم حكومي موحّد وفعّال يقوم بدور تنسيقي واضح مع الوكالات الاممية والمنظمات الدولية والوطنية ، مما يفتح المجال لتدخلات غير مهنية من جهات أمنية أو محلية.
– ضعف الرقابة والمساءلة: غياب نظام وطني شفاف لمتابعة توزيع المساعدات ورصد أثرها أضعف ثقة المانحين، وقلل التمويل .
2- في الجانب الاقتصادي:
مثل التدهور الاقتصادي بالبلد المعضلة الكبرى في تفاقم الازمة الانسانية وزيادة عدد المحتاجين للمساعدات ووصل الرقم الى 19,5مليون انسان هم بحاجة الى شكل من اشكال المساعدات في اغلب القطاعات الصحية والغذائية والمياه والتعليم والايواء والحماية وذلك نتيجة حتمية للأسباب التالية:
- تدهور العملة اليمنية: الانقسام النقدي (ريال صنعاء/ ريال عدن) أدى إلى فوضى في التسعير، وتآكل القوة الشرائية للناس، مما زاد من الاعتماد على المساعدات. وكذلك الفجوة في أسعار الصرف بين المناطق سبّبت تفاوتًا في أسعار السلع الأساسية.
- ارتفاع الأسعار وتضخم السوق : اليمن يعتمد بنسبة تفوق 90% على الاستيراد، مما يجعل أي ارتفاع عالمي أو تراجع في قيمة الريال كارثيًا على الأسر الفقيرة, ونتيجة لذلك تضاعفت أسعار الغذاء والدواء والوقود، مما جعل ملايين اليمنيين عاجزين عن تلبية أبسط الاحتياجات.
- توقف الرواتب أو ضعفها : أكثر من 1.2 مليون موظف حكومي في مناطق سيطرة الحوثيين لم يتلقوا رواتبهم بانتظام منذ 2016م ادى الى نزوح الغالبية منهم للبحث عن ما يسد جوعهم واحتياجاتهم والى ضغط على المساعدات الانسانية, كذلك الحال في المناطق التابعة للحكومة، الرواتب لا تكفي لتغطية 20% من كلفة المعيشة, وهذا بدوره ضاعف من اعداد المحتاجين للمساعدات
ثالثا :الأثار المباشرة للأداء الحكومي على العمل الإنساني:
- الطلب على المساعدات ارتفع بشكل حاد جدا ووصل الى ملايين الناس.
- المنظمات باتت تعمل في بيئة صعبة سياسية واقتصادية وأمنية.
- الحاجة تفوق قدرة التدخلات الحالية، والمانحون باتوا يطالبون بالإصلاحات الحكومية.
- وصول الناس الى حالات المجاعة والموت
- انتشار الأوبئة والامراض وكثرة الوفيات بين الاطفال وكبار السن والمرضى
- قلة التمويلات الى ادنى نسبة لها خلال النصف الاول من هذا العام
- توقف الكثير من برامج المساعدة الطارئة او شبة التنموية
- تفاقم الفساد في المؤسسات الحكومية المعنية بالتنسيق والتوجيه للعمل الانساني
- الضعف المؤسسي لدى الجهات الحكومية المعنية بالإشراف على العمل الانساني
رابعا: النتائج العامة :
الاجراءات السلبية | الأثر على الوضع الإنساني |
تسييس العمل الإنساني | فقدان الحياد، تراجع التمويل، تشويه أولويات الاستجابة |
غياب التنسيق الحكومي | فوضى ميدانية، إرباك المنظمات، هدر للموارد |
تدهور العملة | انخفاض القدرة الشرائية، ارتفاع الفقر |
توقف الرواتب | فقدان مصادر الدخل، تفاقم الاحتياج |
ارتفاع الأسعار | اتساع فجوة الأمن الغذائي |
تجاوز القوانين وفرض الرسوم | زيادة الكلفة التشغيلية للمنظمات، إغلاق بعض المشاريع |
خامسا :توصيات استراتيجية للحكومة اليمنية:
- إنشاء كيان حكومي مستقل وموحّد للتنسيق الإنساني .
- تحييد العمل الإنساني بالكامل عن أي تدخل سياسي أو عسكري أو أمني.
- إصلاح السياسة النقدية وتوحيد سعر الصرف لتمكين الشفافية والاستقرار.
- ربط المساعدات الاقتصادية بالحوكمة والإصلاحات لضمان استدامتها.
- نشر خطة إصلاح اقتصادي واضحة وربطها بآلية صرف الرواتب تدريجيًا.
- تفعيل نظم الشفافية والمساءلة في التعامل مع الأموال والموارد.
- تمكين المجتمع المدني الحقيقي وتحييده عن التوظيف السياسي.
- منع التدخلات الأمنية والمحلية في المشاريع الإنسانية.
سادسا :المراجع :
- تقارير البنك الدولي:
https://www.worldbank.org/en/country/yemen - تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية – اليمن:
https://www.unocha.org/yemen - تقييمات مجموعة الأزمات الدولية:
https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/yemen - تقرير النزاهة المالية لمنظمة الشفافية الدولية – اليمن:
https://www.transparency.org/en/countries/yemen - تقييم الاحتياجات الإنسانية في اليمن – 2024 (HNO):
https://reliefweb.int/report/yemen/yemen-humanitarian-needs-overview-2024 - تقرير البنك الدولي عن الاقتصاد اليمني:
https://www.worldbank.org/en/country/yemen
ظهرت المقالة تقدير موقف: أثر أداء الحكومة اليمنية السياسي والاقتصادي على الأزمة الإنسانية – يونيو 2025 أولاً على يمن ديلي نيوز Yemen Daily News.
Related News
