معركة إيران أم معركتنا؟
Arab
1 week ago
share

إذا قال دونالد ترامب علناً إنه قرّر تأجيل الهجوم الأميركي على إيران، فالراجح أنه يكون قد اقترب من شن العدوان سرّاً وخلسة وغدراً، والظن أن طهران تعي ذلك جيداً. يتعامل العالم مع شخصٍ فقير سياسيّاً وأخلاقيّاً يقود الإمبراطورية الاستعمارية الأكبر في اللحظة الراهنة بعقلية قرصانٍ محترف، يتظاهر بالكمون إذا رغب في الانقضاض، ويتحدّث عن السياسة بإفراط قبل أن يمارس البلطجة ويرتكب جريمة، وهو ما يفعله مع إيران منذ دعاها إلى التفاوض في عُمان، وأشاع مناخاً من التفاؤل السياسي الناعم، بينما كان في الواقع ينفّذ واحدةً من أبشع عمليات الاستدراج والخداع، متوهّماً أنه يخدّر طهران بجرعةٍ مدمّرةٍ من مذهبات الحذر، ثم يرسل الإشارة إلى كلبه العقور كي ينقض خلسًةً وغدراً وينفذ عدواناً شاملاً، ثم يتعرّى من كل أقنعته وأرديته الدبلوماسية ليصفّق للجريمة، ويشيع أنها كسرت إيران ولن تقوم لها قائمة بعد اليوم.

ما حدث أن طهران، بعد اغتيال الطبقة العليا من القيادات العسكرية والعلماء، لملمت جراحها ونهضت من تحت الركام، وأظهرت قوتها العسكرية والنفسية والأخلاقية، وبتصاعد تدريجي دقيق أثبتت قدرتها القتالية دفاعاً وهجوماً، وأذاقت المعتدي ما لم يكن يتوقعه في أسوأ كوابيسه، لكن الأهم أنها تركت العالم في حالة انكشافٍ كاملٍ من دون مساحيق أو أقنعة، ليتّضح أن الإمبراطوريات الكبرى لا تزال تغوص في وحل الزمن الاستعماري الاستعلائي، محتفظة بالنظرة القديمة للشرق.

هنا تُستعاد مجدّداً مفردات المعاجم التي حسبناها بليت واندثرت، لتفاجئنا ألمانيا الفلاسفة العظام والتنويريين الكبار بأنها لا تزال هناك عالقة في "سيكولوجيا الحملة"، لكنها هذه المرّة تأخذ طوراً "صهيو صليبيّاً" فتنقل صحيفة وول ستريت جورنال عن مصدر ألماني إن "مستشار ألمانيا جدّد لنتنياهو دعمه الحملة، لكنه أكّد ضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي" هو الشخص نفسه الذي أظهر امتنانه للقذارة الصهيونية العظيمة في الحرب على إيران.

لم يقتصر هذا الانكشاف على الغرب الاستعماري القديم، بل طال أيضاً حكومات الشرق وريثة المستعمرات القديمة، إذ لا تختلف"سيكولوجيا التبعية والرضوخ" عن مثيلتها عند الأسلاف الذين كانوا يعلفون خيل المستعمر ويجلسون تحت قدميه في حروب المحورين، طلباً لرضا المنتصرين وطمعاً في منحهم، إذ ينسلّون من أجداث تاريخ الهوان مرّة أخرى ويحضرون كما استحضرهم شاعر عربي رحل كمداً وقمعاً، محمد عفيفي مطر، إذ يكتب: أرضك مفترقُ تتّسع به أرض الأغيار/ وتعبرُه أمم وجيوش للأقوى/ وعبيد الأقوى ميراث أنت لمن يرثون.

يطال الانكشاف الكيان الصهيوني أيضاً ليظهر في صورته الحقيقية، قطعة من أسطول الاستعمار القديم تركت في هذه الأرض عن تخطيطٍ محكم لتؤدّي الوظيفة الإمبريالية القديمة، بطريقةٍ عصريةٍ تماماً في إلزام الشرق عصور التخلف والتبعية وحلب ثرواته بأسلوب عصري أيضاً يتخذ مرّة اسم الشراكة، وأخرى يعطونه مسمّى التحالف، الذي يحعل الجميع أسرى العلاقة الشاذّة مع كيان يحتل الجغرافيا والتاريخ، ويريد أن يصبح وصيّاً على الشرق الجديد.

هنا معضلة إيران التي بقيت وحيدًة تمثل الشرق الأوسط كما خلقه الله وعاش فيه أهله الأصليون، قوة إقليمية جذورها ممتدّة في عمق تاريخ المشرق، قرّرت أن تقوم بما كان يجب أن يقوم به العرب، لكنهم تقاعسوا عنه، بسعادةٍ تليق بالمنتحرين بحبوب الهلوسة، وسلّموا أمرهم لكيانٍ لقيطٍ تحت لافتاتٍ زائفة وشعارات فاسدة، مثل التي أخرج بها أنور السادات مصر من معادلات الإقليم، وظلت تتردّى حتى باتت تنتظر من العدو"مكافأة عجز" في صورة شحنة غاز طبيعي، ليظهر مجرم الحرب بنيامين نتنياهو على المسرح، ليعلن"بعد قيام إسرائيل واجهنا عالما عربيا موحدا وفرقناه تدريجيا".

الآن لم تبق إلا إيران تتصدّى لمشروع ابتلاع المنطقة في جوف ترامب المسكون بالحلم الكهنوتي القديم، وتابعه الصهيوني الغارق في أوهامه التلمودية. إيران الآن تخوض معركتنا التي هربنا منها.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows