أصحاب الخوذ الزرقاء عالقون في لبنان
Arab
1 week ago
share

تتقدّم مسألة ٳعادة النظر في ولاية نحو عشرة آلاف جنديٍّ من قوات الأمم المتحدة المؤقّتة (يونيفيل)، واجهة الموضوعات الرئيسة التي تناقش في لبنان، والحديث المتداول عن مستقبل هذه القوات، ومقاربة دورها، وما تقوم به إزاء ما جرى (ويجري) معها من يوميات الصدامات "الأهلية"، وخروقات إسرائيل العدوانيّة. وقد اختلطت الأمور وسوء الفهم لجهة الفرصة الدولية الممنوحة للبنان، إذ سيكون عدم التجديد لها عاملاً ٳضافياً في الإشارة إلى أن لبنان لم يتأهّل بعد لإدارة شؤونه وأزماته وساحاته، ما يؤدّي إلى تفاقم مبرّرات عزله دولياً. ومنذ العدوان الٳسرائيلي على جنوب لبنان في 23 سبتمبر/ أيلول 2023، لم تعد تلك القوات قادرةً عملياً على ممارسة تفويضها بالكامل، كما أنها تتعرّض بشكل متزايد لتهديدات الأهالي وموقفهم الرافض لنشاطها في الجنوب اللبناني، ولتجاوزات الصراع بين حزب الله والجيش الٳسرائيلي، المعترض دائماً على وجودها.
يبدو أن هذا الملفّ يقترب من الٳنهاء بعد 47 عاماً من انطلاق عمل "يونيفيل" في ٳثر اجتياح ٳسرائيل جنوب لبنان في عام 1978. والجديد هو تماهي الموقف الٳسرائيلي مع الموقف الأميركي بشأن وجود قرار مشترك بٳنهاء عمل البعثة الأممية، أمر مختلف عما درج عليه سنوياً في مجلس الأمن من تأكيد انتدابها وتفويضها. هذا القرار (ٳن صحّ) يمثّل الوجه الآخر للمناخ المتشدّد الذي يتعلّق بمستقبل سلاح حزب الله، واختبائه خلف موجة الاحتجاجات الشعبية بحجّة عدم مواكبة الجيش لها لمنع تسليم سلاحه. وبالتالي، منع الاستقرار وٳصلاحات السلطة الجديدة، وتقويض أيّ خطّة لبنانية حاسمة لتصفية ملفّ السلاح غير الشرعي.

يُحاصر الداخل اللبناني بين عجز الدولة في فرض سيطرتها، وتحوّل السلاح أداةً مختّلةً في لعبة التوازنات الأساسية الداخلية

تتشابك الملفّات والقضايا في لبنان، واستمرار استباحة الحزب للسلطة، يعطي المزيد من الذرائع والحجج للتشدّد الأميركي، وربّما بعض الدول الأوروبية، وبالتالي اتخاذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار خفض التكاليف المترتبة على تشغيلها، وذلك من خلال التصويت المتوقّع في مجلس الأمن، في نهاية أغسطس/ آب المقبل. ينتظر لبنان الرسمي ما سيؤدّي إليه طلبه التمديد لـ"يونيفيل"، وسط غموض أممي، مع تأثير الملفّ الٳقليمي الناشئ عن المواجهة الصاعدة الٳسرائيلية الٳيرانية وانعكاساتها، وما قد يزيد الأمور تعقيداً، في ٳمكان تعزيز القناعة الدولية بٳنهاء دورها، أو عدم اليقين الذي يخيّم على مصيرها، في وقت ترتفع فيه حدّة الاعتداءات والانتهاكات الٳسرائيلية في خرق واسع لاتفاق وقف ٳطلاق النار، الذي دخل حيّز التنفيذ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، مع وجود نيّات ٳسرائيلية مبيتّة لتصعيد الضغوط على المسؤولين اللبنانيين لنزع سلح الحزب في جدول زمني واضح.
لن يكون الملفّ بعيداً من الزيارة المتوقّعة للموفد الأميركي إلى لبنان، سفير الولايات المتحدة لدى تركيا توم باراك، وهي زيارة استطلاعية لأسباب تأخّر لبنان في اتخاذ إجراءات حصر السلاح والشروع في الٳصلاحات، وما ينهي الجدّل المحلّي حول الشخصية التي ستخلف مورغان أورتاغوس. وتتعاظم المسؤولية الملقاة على عاتق الجانب اللبناني مع استحقاق غاية في الخطورة، لجهة التخلّي عمّا تقوم به "يونيفيل" من خدمات للسلم الأهلي في منطقة متوتّرة في الحدود، وقد يكون الموقف الفرنسي منفرداً في الدفع نحو التجديد. وأيّ بحث في تعديل مهامّها لن تكون له ثماره الجيّدة، كما تقليص موازنتها، خصوصاً أن جزءاً منها مرتبط بدعم الشؤون اللوجستية والتعبئة للجيش اللبناني، لاستكمال مراحل بسط سلطة الدولة وتشكيل دينامية المرحلة المقبلة، وما يهدد بخسارة لبنان مقعداً مهمّاً إلى طاولة المجتمع الدولي، ٳذا لم يفرض نفسه فعلياً بالتخلّي عن كثير من الذرائع التي يقف وراءها، وعن الطريقة التي يدير بها الأمور، و"لا تطعم عنباً".
استهداف "يونيفيل" هو عملية ٳحباط لدور الجيش والدولة، وتتقاطع فيها مصلحة حزب الله مع مصلحة ٳسرائيل في ترحيل القوة الدولية، والتعرّض لها يمثّل ٳخفاقات للسلطة، وسط تحذير علني حمله المبعوث الفرنسي جان ٳيف لودريان من أن لبنان أمام فرصة سياسية أخيرة، وعليه أن يلتقطها في مهام الٳصلاح، وتنفيذ الدولة تعهّداتها، وتطبيقٍ كاملٍ للقرار الأممي 1701 (صدر عن مجلس الأمن في أغسطس 2006، وهدفَ إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان بعد 34 يوماً من الصراع، وتضمّن بنوداً لحفظ الأمن والسلام وإيقاف إطلاق النار)، وخطورة أن يربط نفسه مجدّداً بالأوضاع الٳقليمية المتغيّرة، مع الٳشارة إلى أنه منذ توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية، كان المطلوب خارجياً الانتهاء من الحزب تنظيماً وعسكرياً وأمنياً بصورة كاملة.
هذا قد يفسّر كيف أن الاعتداءات على "يونيفيل" لم تعد مجرّد حوادث فردية، بل باتت سلوكاً ممنهجاً، في وقت تتصاعد فيه الاعتداءات الٳسرائيلية على السيادة اللبنانية. فالغطاء الدولي أكثر من ضرورة في جنوب لبنان تمهيداً لٳعادة الٳعمار، فضلاً عن الأدوار الاقتصادية والصحّية والتنموية التي تؤديها "يونيفيل" في مناطق عملها؛ رجال ٳطفاء وتأمين الطرق ووقف الحرائق وٳنقاذ الناس ورفع الأنقاض وتقديم المساعدات الٳنسانية. لذلك، فٳن الخسارة الكُبرى في حال انسحبت ستكون في تجريد لبنان والداخل من الشرعية الدولية. وٳسرائيل لا تريد جيشاً لمراقبتها وتوثيق جرائمها وانتهاكاتها.

استهداف "يونيفيل" هو عملية ٳحباط لدور الجيش والدولة، وتتقاطع فيها مصلحة حزب الله مع مصلحة ٳسرائيل في ترحيل القوة الدولية

ليس لدى لبنان أيَّ مقوّمات للعودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل أكتوبر/ تشرين الأول 2023. مع ذلك، الحزب والأهالي يريدون الشيء ونقيضه في آن، ما يُغذّي الرفض في الضفَّتَين، وفكرة أن الحرب لم تنته فكرة قائمة، وتجدّدها يدخل لبنان في الصوملة.
مجلس الأمن مدعو إلى تقييم المخاطر التي تواجهها قوات حفظ السلام في مهمّتها وجدواها (ليس لديها الحقّ في استخدام القوة)، وليست مصمّمةً لمنع ٳسرائيل من دخول لبنان، أو الحدّ من التصعيد بين الفريقَين المتقاتلَين. لكن طالما أن ٳسرائيل تسعى إلى التخلّص من مراقبتها، فٳن على لبنان أن يتشبّث بها، والمطالبة بمضاعفة موازنتها، سعياً إلى الانتقال من مرحلة وقف العمليات العدائية إلى وقف ثابت ونهائي لٳطلاق النار. ٳذ إن الأمر المهمّ تعزيز قدرات الجيش المنوط به التنفيذ، وهو يعاني من مشاكل التمويل والمعدّات والتدريب والتجنيد، وأشياء أكثر فعّالية وأوسع للقوات المسلّحة اللبنانية، وأن تعود الأوضاع إلى ما قبل الاجتياح، إلى اتفاقية الهدنة الموقّعة في العام 1948، وتخفيفاً من وقع الدفع باتجاهات التطبيع الكاملة مع العدو.
كانت الدولة اللبنانية قد أعلنت، مراراً، منذ انتخاب جوزاف عون رئيساً، نيّتها بسط سلطتها في كامل البلاد، وحصرية السلاح، ٳلا أن هذا الموقف لم يدم طويلاً، إذ تراجعت الرئاسة عن الحديث الصريح بشأن السلاح مع بدء تحرّك المفاوضات الأميركية الٳيرانية، وتحوّل الموقف حواراً مع مسؤولي الحزب. يظهر الواقع اللبناني الحالي تعقيدات وتناسخ الأزمات، فتتضافر العوامل الداخلية والخارجية لتجعل من قضية نزع السلاح غير الشرعي، وبسط سلطة الدولة، أمران مركّبان، بينما يُحاصر الداخل اللبناني بين عجز الدولة في فرض سيطرتها، وتحوّل السلاح أداةً مختّلةً في لعبة التوازنات الأساسية الداخلية، تعكسها الانقسامات الطائفية والمناطقية والصراع على الهُويَّة الوطنية. وفي ظلّ هذا الواقع، يبقى السلم الأهلي هشّاً ومعرّضاً للانفجار، ما لم يُتوصَّل إلى تفاهم شامل يعيد للدولة سيطرتها، ولمؤسّساتها استقلالها وحياديتها، في خضمّ التحولات العميقة والخطيرة التي تشهدها المنطقة والعالم.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows