مراكز توزيع المساعدات في غزة... مصائد موت مستمر
Arab
1 week ago
share

باتت مراكز توزيع المساعدات في غزة التي استحدثها الاحتلال الإسرائيلي الشهر الماضي بديلاً عن آليات الأمم المتحدة ومؤسّساتها المختلفة، مصائد مستمرة للموت في ظل استهداف آلاف طالبي المساعدات يومياً من قوات الاحتلال. وأعلنت وزارة الصحة، في قطاع غزة، أمس الاثنين، استشهاد 20 فلسطينياً وإصابة أكثر من 200، من بينهم 50 حالة خطيرة جداً، برصاص قوات الاحتلال في جنوب القطاع، موضحة أنه جرى نقل الجرحى وجثامين الشهداء إلى مستشفى الصليب الأحمر الميداني في منطقة مواصي خانيونس جنوبي القطاع.

وتكرّرت عمليات القتل شبه اليومية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي، إذ يعمد الجنود إلى فتح النار على الفلسطينيين المتجمّعين على مقربة من مراكز توزيع المساعدات في غزة تحت ذرائع أمنية لا أساس لها من الصحة. وبالإضافة لعمليات القتل، فإن عدداً من الفلسطينيين فُقدوا، ولم تعرف عائلاتهم مصيرهم حتى الآن بعدما توجهوا إلى مراكز توزيع المساعدات في غزة، في ظلّ التجويع الشديد التي يعصف بسكان القطاع.

ووثق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة استشهاد 338 شخصاً وأكثر من 2831 مصاباً، فضلاً عن الإبلاغ عن تسعة مفقودين، وهي إحصائية غير نهائية في ظلّ عدم الانتهاء من عمليات الرصد الكامل للشهداء والمفقودين. ووفقاً للإحصائية فقد شهد اليوم الأول لعمل "مؤسّسة غزة الإنسانية" الأميركية في غزة، في 26 مايو/أيار الماضي، استشهاد ثلاثة فلسطينيين وإصابة 46 وفقدان 7 آخرين، ثم شهد اليوم التالي استشهاد عشرة، وإصابة 89 آخرين، وفي 1 يونيو/حزيران الحالي استشهد 35 فلسطينياً وأصيب 232 آخرين وفقد شخصان. وشهد الأحد الماضي استشهاد 26 فلسطينياً وإصابة 117 آخرين برصاص الاحتلال الإسرائيلي، الذي يغلق معابر القطاع منذ 2 مارس/آذار الماضي، ضمن سلسلة من الإجراءات التي قام بها قبل استئنافه حربَ الإبادة في 18 مارس الماضي، ما تسبب في حالة من التجويع والوفيات بفعل فقدان القطاع للاحتياجات الأساسية من الطعام.


أمجد الشوا: هدف مراكز توزيع المساعدات إقامة كمائن للموت


واعتبرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أخيراً، نموذج توزيع المساعدات الإسرائيلي-الأميركي في غزة بأنه "وصفة للفوضى"، إذ يَستخدم عملية توزيع المساعدات في غزة سلاحاً، ما يؤدي إلى الخوف والتمييز وتصاعد حالة اليأس، وشدّدت على أنّ الوقت حان لإنهاء الحصار والسماح للأمم المتحدة، بما في ذلك "أونروا"، بأداء عملها، وإيصال المساعدات في غزة بأمان وعلى نطاق واسع لسكان القطاع.

نقاط توزيع المساعدات في غزة مواقع عسكرية

في الأثناء، قال المدير التنفيذي لشبكة المنظمات الأهلية في غزة أمجد الشوا إنّه "منذ اللحظة الأولى لإنشاء هذه المنظومة الأمنية لتوزيع المساعدات، التي تقودها شركة أمنية أميركية بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي وما يُسمى بمنظمة غزة الإنسانية، كان واضحاً أن الهدف منها ليس إنسانياً، بل إقامة كمائن للموت تحت غطاء توزيع المساعدات"، وأضاف الشوا، لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه المنظومة لم تلتزم بأي مبدأ من مبادئ العمل الإنساني، لا من حيث كرامة الإنسان ولا سلامته، بل تحوّلت النقاط التي أقيمت لتوزيع المساعدات في غزة إلى مواقع عسكرية تُهدّد حياة الفلسطينيين بدل أن تحفظها".

وأشار إلى أنّ "الفلسطيني الذي يتوجّه جائعاً إلى تلك النقاط على أمل العودة إلى عائلته بقليل من الغذاء، يعود جسداً بلا روح، بعد أن يتحوّل المكان إلى ساحة قتل مفتوحة"، مؤكداً أن هناك موقفاً واضحاً من الجهات الفاعلة كافّة، فلسطينياً ودولياً، يرفض هذه الآلية ويرفض التعامل معها. ودعا الشوا إلى "ضرورة محاسبة هذه الشركة الأمنية والمؤسّسة الأميركية الراعية لها على الجرائم التي ارتُكبت في هذه النقاط بحق الفلسطينيين، مع ضرورة وقف هذه المنظومة تماماً، والعمل على تمكين المنظومة الإنسانية الحقيقية بقيادة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية الفلسطينية، التي لطالما عملت على إيصال المساعدات بكرامة وأمان".

وأكّد الشوا أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل هذه الآلية لتنفيذ أجندته الرامية إلى تهجير الفلسطينيين، مضيفاً: "نطالب اليوم بفتح المعابر فوراً أمام المساعدات الإنسانية، خصوصاً أن هناك أكثر من 130 ألف طن من المساعدات يحتجزها الاحتلال على المعابر، ويمنع دخولها إلى قطاع غزة". وشدّد على أن هذه الآلية الأمنية لم تلتزم بأي معيار إنساني، وشكلت عبئاً خطيراً على منظومة العمل الإنساني، التي تعمل في غزة منذ عقود طويلة، فما يحدث اليوم يُعدّ سابقة خطيرة على مستوى العالم، إذ يجري استبدال منظومة إنسانية محترمة وحيادية بمنظومة أمنية تهدّد حياة المدنيين وتستهدف كرامتهم.


حسام الدجني: هدف المنظومة الأمنية لتوزيع المساعدات هو إخضاع الفلسطينيين


وبحسب الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) جيمس إلدر فإن نسبة المساعدات الإنسانية تصل إلى 10% فقط ممّا يحتاجه الناس فعلاً، في حين تدخل إلى قطاع غزة كميات من القنابل والصواريخ تفوق كثيراً ما يدخل من الأغذية".

إخضاع الفلسطينيين

إلى ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة حسام الدجني، إنه منذ اللحظة الأولى لتشكيل هذه المنظومة الأمنية لتوزيع المساعدات في غزة، والتي جاءت بتنسيق بين شركة أمنية أميركية والاحتلال الإسرائيلي، وبمشاركة ما يُعرف بـ"مؤسّسة غزة الإنسانية"، كان الهدف الحقيقي هو إخضاع الفلسطينيين، لا تقديم العون لهم. وأضاف الدجني، لـ"العربي الجديد"، أن هذه المنظومة تحولت إلى مصائد موت، ونقاط توزيع عسكرية تتناقض كلياً مع المبادئ الإنسانية، وتهدّد حياة كل من يقترب منها، وبات الفلسطيني الذي يخرج بحثاً عن الغذاء يعود شهيداً، في مشهد يعكس استخفافاً كاملاً بحقه في الحياة، ويدين كل من يدعم أو يشارك في تشغيل هذه الآلية".

وبحسب أستاذ العلوم السياسية فإنّ ما يجري لا يقتصر على توزيع المساعدات في غزة بل هو جزء من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تفكيك منظومة العمل الإنساني في القطاع، عبر تهميش المؤسّسات الدولية وعلى رأسها "أونروا"، التي تربطها علاقة عداء قديمة مع إسرائيل. وشدد على أنّ "القتل الممنهج في نقاط توزيع المساعدات في غزة لا يمكن تفسيره إلّا في سياق سياسي أبعد، وهو تعميق معاناة الإنسان الفلسطيني حتّى يُدفع قسراً نحو خيار الهجرة. عندما يصبح رغيف الخبز مرتبطاً بالدم والمعاناة، فإن ذلك يسهّل تنفيذ مخطط التهجير الجماعي الذي طالما سعت إسرائيل إلى تحقيقه". وذكر أنّ إسرائيل تحاول من خلال هذه المنظومة أن تظهر بمظهر المُنقذ أمام المجتمع الدولي، لتغسل يديها من جريمة التجويع، لكنّها في الحقيقة توظّف هذه النقاط أماكنَ للابتزاز والاعتقال والاستجواب، وتستخدم المساعدات في غزة وسيلةً للفرز والتمييز بين أبناء الشعب الفلسطيني، رغم أن الغذاء حقّ إنساني مكفول للجميع. وحول التداعيات المستقبلية، رأى الدجني أن "ما يجري يعمّق عزلة إسرائيل الدولية، ويزيد من حجم الإدانة لها، كما يُصعّب من فرص تمرير مشاريع مثل السلام أو التطبيع، لا سيّما مع التظاهرات الحاشدة في العواصم الغربية رفضاً للمجازر".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows