
أثارت مقابلة التلفزيون النرويجي الرسمي، الخميس الماضي، مع الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في الكنيست بوعز بيسموث، جدلاً واسعاً في الأيام الأخيرة، وذلك بعد أن حولها الأخير، وهو صديق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس تحرير صحيفة إسرائيل اليوم بين عامي 2017 و2022، إلى جلسة اتهام للمراسل وللقناة، متهماً إياها بـ"معاداة السامية ومعاداة إسرائيل".
وانفجرت الأمور حين توجه المراسل النرويجي إلى ضيفه الإسرائيلي بالقول: "إذا طرحت أسئلتي بناءً على تقارير الأمم المتحدة، وتقارير منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، وخبراء الأمم المتحدة، والباحثين الإسرائيليين. هل يجعلني ذلك معادياً للسامية؟"، ليردّ بيسموث بساطة: "نعم".
قلق من المس بالسردية الصهيونية
استفز سؤال التلفزيون النرويجي حول ارتكاب جيش الاحتلال إبادةً جماعيةً في غزة الصحافي الإسرائيلي الذي بدأ بمهاجمة القناة والصحافي، علماً أنه دعا عبر وسائل الإعلام العبرية أكثر من مرة لإبادة الفلسطينيين في القطاع، واصفاً إياهم بـ"الحيوانات البشرية". وقبل انكشاف جرائم الحرب على غزة، كان طرح أي أسئلة على تل أبيب نوعاً من "التطاول والإهانة"، ذلك لمنع كسر تابو قداسة التعاطي الإعلامي مع إسرائيل. ولم يرق لبيسموث مواجهة الصحافي لسرديته، فذهب كالعادة إلى الاتهامات المعلبة بقوله: "هل أنت جاد؟ أنا أتهمك بمعاداة السامية، مثلما تتهمني (بالإبادة الجماعية)"، مضيفاً: "تظنون أنكم (التلفزيون النرويجي) تستطيعون المجيء إلى هنا ولومنا على الإبادة الجماعية بهذه السهولة؟ لا يا سيدي".
ووصف الضيف الإسرائيلي التقارير الدولية التي توثق الجرائم الإسرائيلية في القطاع بأنّها "أكاذيب كاملة"، معتبراً سؤال المراسل عن الإبادة "إهانة"، واستهزأ به متسائلاً: "هل أنت فخور بنفسك في النرويج بسبب هذا السؤال؟ هذا غير صحيح (الإبادة الجماعية)، فتلك كذبة سخيفة، لكنك على الأرجح لا تهتم".
وعرض التلفزيون النرويجي المقابلة كما هي من دون اقتطاع، بما في ذلك الاتهامات الموجهة له بمعاداة السامية، ولم يتناول الموضوع بخوف وحذر. وأصبح الواقع يفرض على المشهد الإعلامي تحولات في تناول أخبار استهداف المدنيين الفلسطينيين، وارتكاب جرائم حرب وتجويع بهدف زيادة وتيرة القتل ونشر أرقام الضحايا، دون تشكيك بها كما كان يحدث بداية الحرب على غزة.
تحريض على الفلسطينيين
في موضع آخر خلال المقابلة، يسأل المراسل ضيفه: "لماذا تجوّع إسرائيل شعب غزة؟"، لتثور ثائرة بيسموث. وهو ما تكرّر مع متحدثين إسرائيليين كثر في مواجهة الإعلام، ومنهم نائبة وزير خارجية الاحتلال، شارين هاسكل، في لقاء سابق مع الإعلام النرويجي. بالنسبة لهؤلاء، فإن مجرد تجرؤ الصحافيين الغربيين على مواجهة سردياتهم، يعد "وقاحة" و"معاداة لليهود".
ويمنح الإصرار على طرح هذه الأسئلة على الطاولة المتلقي فرصة للتعرف إلى حقيقة المدافعين عن الإبادة الجماعية، ويضع المتحدثين باسم الاحتلال أمام ورطة الشعور بفقدان السيطرة على الرواية، وخصوصاً أن الجمهور يعرف اتساق الأسئلة مع تقارير منظمات دولية وحكومات أوروبية. فاستعمال "كارت معاداة السامية"، كما يطلق عليه الإسكندنافيون، ورط السياسي الصهيوني بيسموث، إذ استحضر له التلفزيون النرويجي منشوراً له على موقع إكس في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حول "ضرورة قتل سكان غزة"، مؤكداً أنه "لا مجال للمبادرات الإنسانية"، وأنه "يجب محو ذكرى العماليق". وأضاف في موضع آخر: "يجب ألا نشعر بالآسف على الأشرار الوحشيين في غزة". ولم يشذّ بيسموث عن موقفه هذا خلال المقابلة، وراح يبرّر قصف المدنيين بسؤاله للصحافي: "من صوت في الانتخابات لحماس؟"، مكرراً الدعاية الصهيونية عن أن عشرات الآلاف من الضحايا الغزيين هم "إرهابيون يستحقون القتل".
التلفزيون النرويجي يفنّد الاتهامات
تطرّق الإعلام الإسكندنافي لهذه المقابلة خلايا يومي السبت والأحد، خاصةً أنها كشفت عن مستوى الاستعلائية الصهيونية في مواجهة الصحافة. وانتقد التلفزيون النرويجي الاتهامات التي وجّهها الضيف الإسرائيلي لمراسله، وقال عبر موقعه على الإنترنت إن "بيسموث عندما سئل عمّا إذا كانت دولته مذنبة بارتكاب إبادة جماعية اختار مهاجمتنا، علماً أن الاتهامات بالإبادة الجماعية لم تصدر عن هيئة التحرير، بل عن مصادر داخل وخارج البلد".
ولم يغفل التلفزيون عن تذكير النرويجيين بأن "مصطلح الإبادة استخدمه مؤخراً العديد من الباحثين الإسرائيليين في الهولوكوست لوصف ما يجري في غزة، وبينهم دانيال بلاتمان"، مشيرةً إلى أن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتش ووتش خلصتا أيضاً إلى "النتيجة نفسها".
في المجمل، يمكن ملاحظة أن مواجهة الصحافة والإعلام لسياسيين ودبلوماسيين وممثلين للمعسكر الإسرائيلي باتت تؤرقهم ومؤيديهم في اللوبيات الصهيونية الضاغطة.
بصورة جدية، تواجه سرديات الاحتلال كسراً لتابوهاتها، ليس فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، بل كذلك في وسائل الإعلام عبر عدم قبول روايات الاحتلال بسهولة كما في السابق، إذ صارت تخضع للمراجعة والنقد والتفنيد، خاصةً بعد الأكاذيب الإسرائيلية التي تلت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهو ما لا ينحصر في الإعلام النرويجي، بل يمتد إلى إعلام بقية الدول الإسكندنافية والشمال الأوروبي.
