
أثارت مشاهد مصورة أظهرت اعتداء مجموعة من المجهولين على النشطاء المتوجهين إلى شبه جزيرة سيناء قرب حدود محافظة الإسماعيلية (شمال شرق) جدلاً واسعاً محلياً ودولياً.
وبحسب مصادر حكومية وأمنية مصرية تحدث لها “عربي بوست” فإن المتجهين إلى العريش دخلوا البلاد بتأشيرات سياحية وانضم إليهم عشرات النشطاء المصريين، والذي كان “يستوجب حصولهم على تصاريح أمنية في ظل تشديدات الوصول إلى شبه جزيرة سيناء وهي إجراءات متبعة منذ انتشار الإرهاب في تلك المنطقة”.
وتعرض بعض المشاركين في “قافلة الصمود” للاعتداء، ما أدى إلى وقوع عدد من المصابين بين النشطاء، بينهم النائب التركي عن حزب هدى بار، فاروق دينتش، وأكد الحزب أن حالته الصحية مستقرة، محذراً من تعرض النشطاء، وبينهم مواطنون أتراك، لاعتداءات خطيرة تهدد سلامتهم.
وقامت السلطات المصرية، الجمعة، باحتجاز وترحيل المزيد من الرعايا الأجانب الذين كانوا يسعون للانضمام إلى المسيرة العالمية إلى غزة، وذلك بعد ساعات من إيقاف “قافلة الصمود”، التي انطلقت من تونس عند أبواب مدينة سرت الليبية بحجة “انتظار الموافقة الأمنية”.
ووصل مئات النشطاء الأجانب إلى مصر هذا الأسبوع للمشاركة في المسيرة العالمية إلى غزة، وهي مبادرة تهدف إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء حصارها للقطاع الفلسطيني. وقد رحّلت السلطات المصرية العشرات منهم، في حين يواجه مئات آخرون الترحيل، حسبما قال منظمون ومصادر أمنية.
3 موجات للاحتجاج
وقال مصدر أمني مطلع إن الموقف المصري بشأن التعامل مع قافلة الصمود تضمن بعض التعديلات بعد أن وجدت الأجهزة الأمنية المصرية نفسها أمام “ثلاث موجات للاحتجاج قرب الحدود مع قطاع غزة، وليس مجرد قافلة واحدة تأتي من الجزائر وتونس وليبيا وصولاً للحدود المصرية”، على حد قوله.
وأشار المصدر أنه في الوقت الذي كانت تتجه فيه “قافلة الصمود” من الغرب الليبي إلى الشرق، كان مطار القاهرة يستقبل المئات من المتظاهرين الذين جاءوا تحت اسم “المسيرة العالمية إلى غزة”، وهؤلاء وصلوا بعد الحصول على تأشيرة سياحية، والبعض منهم لديهم حجوزات بالفعل ببعض الفنادق وجرى السماح للبعض بالمرور، فيما كان آخرين ليس لديهم وجهة محددة واعترفوا برغبتهم في الذهاب إلى شبه جزيرة سيناء وهؤلاء جرى ترحيلهم في أول رحلات جوية إلى بلدانهم.
وأضاف المصدر ذاته أن المسار الثالث كان من خلال النشطاء المصريين الذين انضموا للعشرات الذين حاولوا الوصول إلى شبه جزيرة سيناء، وهؤلاء “كان بإمكانهم التنسيق مع السلطات الأمنية المحلية لكن ذلك لم يحدث وعولوا على الوصول إلى الحدود الى قطاع غزة أسوة بباقي النشطاء من مختلف دول العالم، وهو ما جعل الأمن المصري يدرك أنه أمام عملية منظمة من جهات مختلفة للوصول إلى الحدود دون تنسيق مسبق وكان التعامل حاسما لعدم اتباع الإجراءات القانونية”، على حد تعبير المصدر.
القاهرة نسقت مع قوات حفتر
وأشار مصدر مسؤول بمطار القاهرة إلى أن أجهزة الأمن في مطار القاهرة احتجزت العشرات من النشطاء فور وصولهم، غير أن ذلك تسبب في تكدس داخل صالات الوصول والسفر، وكان هناك تقديرات وصول أكثر من 3 آلاف شخص على مدار يومين، وبالتالي تم اتخاذ القرار بالسماح لبعض النشطاء ممن لديهم حجز فندقي بالمرور ومتابعة تحركاتهم وكان من المنتظر أن تتواصل السفارات الخاصة بهم مع الجهات الرسمية المصرية للإبلاغ عن رغبتهم في الوصول إلى معبر رفح.
وأشار المصدر الأمني إلى أن ذلك لم يحدث على مدار ما يقرب من 24 ساعة، ثم جرى رصد تحركهم من أماكن متفرقة من العاصمة القاهرة وصولاً إلى مدخل محافظة الإسماعيلية التي تصل إلى شبه جزيرة سيناء عبر مجموعة من الأنفاق.
ولفت إلى أن القاهرة في المقابل نسقت مع قوات الجيش الوطني في ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر وتيقنت من أن أعداداً كبيرة من الذين يسعون للوصول إلى الأراضي المصرية ليس لديهم تأشيرات أو أوراق ثبوتية، وهو ما جعل المخاوف تتزايد بشأن تسلل عناصر خطرة، بخاصة وأنه ليس معلوم الهدف من الوصول إلى معبر رفح دون تنسيق مع الجهات المصرية في حين أن المعبر جرى تدميره من الجانب الفلسطيني بواسطة القوات الإسرائيلية فضلا عن أن ذلك يتزامن مع أوضاع متوترة متصاعدة في المنطقة وكان على الحكومة المصرية اتخاذ إجراءات احترازية جراء احتدام الصراع بين إسرائيل وإيران.
وذكر أن أجهزة الأمن المصرية رفضت التعامل مع الذين دخلوا إلى القاهرة انتظاراً لإمكانية التنسيق، وكذلك بما لا يؤدي لمشكلات أمنية في عاصمة يتجاوز عدد سكانها 15 مليون مواطن واختارت التعامل مع الساعين للوصول إلى معبر رفح في منطقة متطرفة، لكن البعد الأمني كان حاضراً، لافتاً إلى أنه تم إبلاغ النشطاء برفض المرور من أمام كارتة محافظة الإسماعيلية “معبر دخول للمحافظة”، وجرى مطالبتهم بالعودة مجددا إلى القاهرة أو العودة إلى بلادهم.
وشدد على أن الناشطين رفضوا الاستجابة لمطالب أجهزة الأمن وافترشوا الطريق، قبل أن تعاود أجهزة الأمن عليهم عرض عودتهم مرة أخرى إلى بلادهم مقابل تحمل تذاكر الطيران الخاصة بهم واستقبالهم في أي من الفنادق لحين وصول الطائرات الخاصة بهم، لكن جميع العروض جرى رفضها وهو ما قاد في النهاية لأن تحدث “اشتباكات بينهم وبين مواطنين اعترضوا على تواجدهم”، على حد قوله، قبل أن تتدخل قوات الأمن وتفض تلك الاشتباكات وتخلي المنطقة بشكل كامل من النشطاء والمواطنين.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية، عن بيان للمنظمين، أن 40 مشاركا في المسيرة العالمية إلى غزة تم إيقاف مسيرتهم على بُعد حوالي 45 كيلومترا شرق العاصمة القاهرة، ومُنعوا من التحرك، كما صودرت جوازات سفر المشاركين، وفقا لبيان للمنظمة.
وأكد المنظمون في بيانهم أنهم “حركة سلمية وتحترم القوانين المصرية”، داعين البعثات الدبلوماسية إلى التدخّل من أجل السماح للمسيرة بالاستمرار.
وتضم “المسيرة العالمية إلى غزة” نحو 4 آلاف مشارك من 50 بلدا. وكان من المقرّر -حسب المنظمين- أن تعبر الحافلات منطقة سيناء، للوصول لمدينة العريش الواقعة على بُعد أكثر من 350 كيلومترا شرق القاهرة، على أن يواصل المشاركون طريقهم سيرا على الأقدام لمسافة 50 كيلومترا، وصولا إلى الجانب المصري من رفح.
وتتكوّن القافلة التي انطلقت من تونس من 1500 شخص على الأقل، بينهم ناشطون وداعمون من الجزائر وتونس وموريتانيا، مع توقع انضمام المزيد من ليبيا.
المسيرات لن تؤدي لتغيير واقع المعادلة الراهن
وقال مصدر دبلوماسي مصري، إن القاهرة تلقت اتصالات مع جانب بعض الدول التي لديها مواطنين جرى احتجازهم خلال محاولة الوصول إلى سيناء أو جرى احتجازهم في مطار القاهرة، وأن الرد المصري كان واضحا بأنه ليس هناك تنسيق لدخول هؤلاء إلى منطقة أمنية يحظر دخولها، وأن ما حدث أنه جرى التعامل معهم وفقا للقانون المصري.
ولفت إلى أن مصر أكدت الحفاظ على أمن وسلامة من قامت بالتحفظ عليهم وأنها ستقوم بترحيلهم إلى بلادهم، لكن في حال حاولوا الوصول مرة أخرى إلى مناطق تصل إلى سيناء فإنه سيتم إلقاء القبض عليهم وتوجيه تهم جنائية لهم.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الأعراف الدبلوماسية تشير لضرورة التنسيق المسبق وفي حال رفضت القاهرة فليس من حق الدول الأخرى فرض ذلك عليها وفقا لمفاهيم السيادة، وأن مصر أكدت أنه من المستحيل السماح بدخول كل هذا الكم من الأشخاص إلى منطقة ملتهبة وتشهد ما يشبه العمليات العسكرية في ظل تدهور الأوضاع في رفح الفلسطينية، وأن سفارات بعض الدول العربية والغربية تفهمت الموقف الراهن جراء اشتعال الصراع في المنطقة بأكملها والتي لا تسمح بوجود مثل هذه المسيرات التي لن تؤدي لتغيير واقع المعادلة الراهن.
وذكر أنه يمكن أن تتأثر العلاقة بين مصر وبين أي من الدول التي لديها مواطنين يسعون للوصول إلى رفح في حال التنسيق المسبق وعدم الالتزام المصري بما جرى التوافق عليه، لكن ذلك لم يحدث من الأساس وهناك تفهم للإجراءات المصرية المتبعة التي سعت لأن يكون إبعاد النشطاء عن محافظة الإسماعلية بأخف الأضرار الممكنة.
وكانت السلطات المصرية قد سمحت لدفعتَين من النشطاء الجزائريين المشاركين في حملة كسر الحصار عن قطاع غزة بالدخول إلى أراضيها، لكنّها حدّدت لهم مكان الإقامة إلى حين صدور قرارات أخرى بشأن السماح لهم بالتوجه إلى الحدود المصرية مع غزة عند معبر رفح، وذلك بعدما منعت دفعتَين متتاليتَين في حدود 70 ناشطا جزائرياً من الدخول واحتجزتهم بعدما وصلوا إلى مطار القاهرة فجر الأربعاء والخميس، وقامت بإعادة ترحيلهم.
تعليمات للسلطات على الحدود بمنع دخول القافلة إلى الأراضي المصرية
وعبّر ناشطون حقوقيون ومنظمات دولية عن قلقهم من هذه السياسة، واعتبروا أن “ترحيل المتضامنين السلميين ينسف مبدأ التضامن الشعبي، ويعزل الفلسطينيين عن الدعم العالمي”، مطالبين الحكومة المصرية باحترام حرية التعبير والتنقل، والسماح لمنظمات الإغاثة والنشطاء بالدخول إلى غزة أو على الأقل الاقتراب من الحدود لإيصال رسائل الدعم والمساعدة.
وكانت قافلة للتضامن مع غزة انطلقت من تونس في 9 يونيو الحالي بدعم من “تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين” ومؤسسات مثل اتحاد الشغل التونسي والهلال الأحمر، قد اجتازت عدة محطات في طريقها، بما في ذلك ليبيا، حيث واجهت تحديات مماثلة في مدينة سرت تحت سيطرة قوات خليفة حفتر.
وعلى الرغم من حصول المشاركين الذين نجحوا في الوصول إلى الإسماعيلية على تأشيرات دخول من السفارات المصرية في بلدانهم، لم يمنع هذا توقيفهم في الإسماعيلية، مما أثار تساؤلات حول دوافع السلطات.
وكشف مصدر أمني مطلع، إن القاهرة أغلقت منفذ السلوم البرى تجنبا لوصول أي أعداد من الشرق الليبي إلى الحدود المصرية منذ مساء الخميس مشيرا إلى أن هناك تعليمات واضحة للسلطات الموجودة على الحدود بمنع دخول القافلة إلى الأراضي المصرية، والتأكيد على أهمية التنسيق مع السفارات أولا قبل إجراءات طلب الدخول.
وأضاف أن القاهرة قدمت توضيحات عديدة لبعض النشطاء وكذلك السفارات التي تواصلت مع الأجهزة الأمنية بخطورة الوضع القائم في شمال سيناء وصعوبة تحمل عواقب وصول آلاف أو حتى المئات قرب الحدود التي تقف عليها مئات الشاحنات في انتظار الدخول إلى القطاع، مشيرا إلى أن مصر ترفض أن تمنع أي فرصة لإسرائيل يمكن استغلالها لإرباك الوضع الأمني المعقد بالأساس على الحدود، لافتا إلى أن القاهرة يمكن أن تكون أكثر انفتاحا مع أي قوافل تحصل على تصاريح أمنية مسبقة وإن كان ذلك سيكون صعبا أيضا في ظل الأوضاع المضطربة بالمنطقة لكن الأكيد أنها لن تسمح لأشخاص لا تعرف هويتهم الوصول إلى هناك.
أعلن منظمو قافلة الصمود الجمعة عن تلقيهم تعليمات بالتوقف في شرق ليبيا بعد أن كانوا قد انطلقوا من تونس للوصول إلى حدود غزة، في تحرك رمزي يهدف إلى “كسر الحصار الإسرائيلي” عن الحصار الفلسطيني.
وفرضت قوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر طوقاً أمنياً مشدداً على “قافلة الصمود” قرب مدينة سرت الليبية، ومنعت القافلة من مواصلة سيرها باتجاه الحدود المصرية، كما شدّدت الحصار بمنع إدخال الإمدادات الغذائية واللوجستية إليها، وفق بيان صادر عن تنسيقية القافلة.
وأكدت التنسيقية، في بيان لها اليوم أن “الطوق الأمني والعسكري المفروض على المخيم مازال قائماً، ولا يزال هناك منع تام لدخول أو خروج أي شخص من المخيم”، مشيرة إلى أن السلطات زادت في تشديد الحصار الغذائي واللوجستي، ما يهدد سلامة المشاركين وسط ظروف تخييم صعبة في الصحراء.
قالت وزارة الداخلية في الحكومة المكلّفة من مجلس النواب الليبي إن بعض المشاركين في “قافلة الصمود” المتوجهة إلى غزة لا يحملون جوازات سفر سارية، فيما لا يملك آخرون أي أوراق ثبوتية، مشيرة إلى ما وصفته بمحاولات لاستغلال الطابع الإنساني والتضامني للقافلة وتوجيهها نحو أهداف لا تمت بصلة لهدفها المُعلن.