
مع اقتراب انتهاء فترة الإجازات التي منحتها السلطات التركية للاجئين السوريين الراغبين في زيارة مناطقهم داخل سورية، عاد مئات منهم إلى تركيا بعد قضائهم أسابيع داخل بلادهم، حيث انقسمت آراء العائدين بين من يتحضّر للعودة الطوعية النهائية، ومن قرّر البقاء في تركيا مؤقتاً، نظراً إلى الدمار الواسع في منازلهم، وتدهور مقومات الحياة الأساسية في الداخل السوري.
وكانت إدارة الهجرة التركية أعلنت، في يناير/ كانون الثاني 2025، برنامجاً يسمح لأفراد العائلات السورية اللاجئة في تركيا بزيارة سورية حتى ثلاث مرات، شرط عودتهم قبل نهاية يوليو/ تموز من العام الجاري، الأمر الذي شجّع عشرات الآلاف للتوجه إلى الداخل السوري، من أجل تفقد منازلهم وترميمها، تحضيراً لخطوة العودة.
حسام كفرسجناوي لاجئ سوري يعمل في نقل المواد الغذائية بين الولايات التركية، عاد مؤخراً من سورية بعد زيارة استمرت ثلاثة أسابيع، قضاها في مسقط رأسه كفرسجنة، الواقعة في ريف إدلب الجنوبي. يروي لـ"العربي الجديد": "ذهبت لترميم منزلي الذي دمرته وسرقته قوات النظام المخلوع. وجدتُ المنزل بلا أبواب ولا نوافذ، ولا حتى الرخام وكابلات الكهرباء (الأسلاك) التي سُرقت أيضاً. تعرّض المنزل لقصف بقذيفتين، وكلّفني ترميمه بشكل جزئي نحو خمسة آلاف دولار أميركي".
ويضيف رب العائلة المؤلفة من ستة أفراد: "عدتُ إلى تركيا، لكنّني سأعود إلى دياري بشكل طوعي بعد شهر، حين ينهي أطفالي دراستهم، وسأنقل معي أثاث المنزل، إذ لم أعد أملك القدرة على شراء مفروشات ومستلزمات جديدة داخل سورية، خصوصاً أن المنزل ما زال في حاجة إلى ترميمات إضافية". حسام، الذي عاش في تركيا نحو ثمانية أعوام، متنقلاً بين بلدة الريحانية الحدودية وغازي عنتاب (جنوب وسط تركيا) ونزب (جنوب تركيا)، يُعرب عن امتنانه لتركيا التي احتضنته، لكنه يرى أن "العودة إلى الوطن، ولو كان مدمّراً، باتت ضرورة لبداية جديدة".
من جانبها، تقول إسراء الحلبي، اللاجئة السورية من محافظة حلب، إنها عادت مؤخراً من زيارتها الثالثة إلى سورية، والتي ستكون الأخيرة بحسب شروط برنامج الإجازات. وتوضح لـ"العربي الجديد": "حاولت أن أعيش في سورية مجدداً، لكنّني لم أستطع. منزلي يحتاج إلى الهدم وإعادة البناء بالكامل، وهو ما يتطلب نحو عشرة آلاف دولار أميركي، وهو مبلغ لا أملكه". وتضيف: "الحياة الاجتماعية في سورية لا تزال الأجمل، فهناك الأقارب والجيران والأصدقاء، لكن الحياة المعيشية صعبة جداً. لا كهرباء ولا ماء ولا إنترنت بشكل منتظم. ربما أعود لاحقاً بشكل طوعي، لكن بعد تحسّن الظروف الأساسية على الأقل".
محمد الأحمد، لاجئ سوري من مدينة معرة النعمان (شمال غرب سورية)، يوضح أن عودته إلى بلاده جاءت تحت ضغط ظروف العمل، إذ انتقل مركز عمله إلى دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، بحسب وصفه. ويقول لـ"العربي الجديد": "زرتُ سورية ضمن برنامج الإجازات، وعدتُ إلى تركيا من أجل تقديم امتحانات الجامعة. بعد انتهائي من الامتحانات، سأفكر جديّاً في العودة الدائمة، لا سيّما في حال أُبرمت اتفاقيات بين الحكومتين السورية والتركية، تضمن نقل الطلاب من دون عقبات مثل حذف المواد أو إعادة السنوات الجامعية".
يتحدث الأحمد عن تحديات العيش في دمشق رغم انتقال عمله إليها، إذ يشير إلى الارتفاع الكبير في أسعار الإيجارات، ويكشف عن أن "إيجار المنزل في ضواحي دمشق يراوح بين 300 إلى 500 دولار أميركي، وفي قلب العاصمة بين 400 إلى 800 دولار. أما في المناطق الراقية، مثل أحياء أبو رمانة والمالكي وكفرسوسة، فيتجاوز الألف دولار. هذه الأرقام لا تتناسب أبداً مع راتبي، ولهذا أضطر إلى التريّث بانتظار توفر حلول مقبولة".
تفتح الإجازات التي سمحت بها السلطات التركية نافذة للمئات من السوريين للعودة إلى وطنهم، ليس فقط بدافع الشوق، بل بدافع تقييم الإمكانيات الحقيقية للعودة النهائية. إلا أن المشهد في الداخل السوري، لا يزال معقداً. الدمار واسع في البنية التحتية، ناهيك عن غياب مقوّمات الحياة الأساسية، وغلاء المعيشة، كل ذلك يدفع الكثيرين إلى تأجيل القرار، أو إلى اتخاذ خطوات تدريجيّة.
ومع استمرار التغيّرات السياسية والاقتصادية في سورية، وتعقّد أوضاع اللاجئين في تركيا، يبقى القرار بالعودة الطوعية محاطاً بالتردد، حيث تتقاطع العواطف مع الظروف المعيشية الصعبة، في انتظار بارقة أمل تعيد لسورية شيئاً من استقرارها.

Related News



