المنازل الجاهزة... ملاذ أهالي الجنوب والبقاع بعد الحرب
Arab
2 weeks ago
share

تحولت المنازل الجاهزة التي كانت بديلاً للسكن في انتظار خطة إعادة إعمار جنوب لبنان، إلى هدف مباشر لجيش الاحتلال الذي يحاول منع عودة أهل الجنوب إلى قراهم بعدما استهدف بيوتهم الحجرية

بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، والانسحاب الإسرائيلي من البلدات الحدودية في 18 فبراير/ شباط الماضي، قرر مواطنون في جنوب لبنان شراء منازل جاهزة كي تكون حلاً مؤقتاً للسكن والعودة سريعاً إلى قراهم المدمرة.
بدأت جمعية "وتعاونوا"، المقربة من حزب الله، تركيب منازل جاهزة في بلدة رامية (قضاء بنت جبيل)، ضمن مشروع لإعادة الحياة إلى القرى الحدودية بشكل تدريجي في ظل تأخر إعادة الإعمار. يقول أسامة نور الدين، وهو أحد متطوعي الجمعية، لـ"العربي الجديد": "تم تأمين نحو 45 بيتاً جاهزاً عبر متبرعين وفعاليات محلية، وكانت الأولوية للمزارعين كي يعودوا إلى أرضهم ويباشروا زراعتها. الفكرة طرحتها الجمعية بمشاركة مختصين في الهندسة على عدد من البلديات الجنوبية، ولاقت قبولاً، فالبيوت الجاهزة صالحة للسكن، ليست كالبيوت التقليدية، لكنها حل مناسب للأشخاص الذين يتوجب عليهم البقاء في منطقة لا توجد فيها منازل، ومع بعض الإضافات تصبح حلاً مؤقتاً لمن يعملون في الأرض".
يضيف نور الدين: "كلفة المنزل الجاهز المؤلف من غرفة ومطبخ وحمام تبدأ من خمسة آلاف دولار أميركي، ويزداد السعر بحسب المساحة لتصل إلى حدود 15 ألف دولار. كلفة المشروع يوفرها متبرعون، وليسوا بالضرورة من أهل الجنوب، وفي بعض القرى تواصل أهلها الميسورون مادياً مع الجمعية للمساهمة في تمويل المنازل الجاهزة لأبناء قريتهم. لكن العدو الإسرائيلي الذي يراقب كيف تحاول البلدات استعادة عافيتها، دخلت قواته إلى بلدة رامية وعمدت إلى خلع أقفال البيوت الجاهزة وعبثت بمحتوياتها".
ويقول رئيس بلدية رامية علي مرعي، لـ"العربي الجديد": "حاولنا أن تستعيد القرية حياتها الطبيعية عبر تأمين منازل للمزارعين الذين تضرروا خلال الحرب، لكن بعد الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة، أصبح من الخطر المبيت فيها. حالياً، يأتي المزارعون من المناطق التي نزحوا إليها لمتابعة مزروعاتهم، علهم يعوضون بعض خسائرهم، فالضرر كبير، وأي محاولة لتثبيت عودتهم واستقرارهم تطاولها مخاطر بسبب الاعتداءات المتكررة".
ونفذ العدو الإسرائيلي سلسلة غارات استهدفت المنازل الجاهزة في كفركلا، ويارون، ومحيبيب، وحولا، وبلدات أخرى، كما دمر منزلاً استحدثته بلدية الناقورة لتسهيل أمور أبناء البلدة، في محاولة لتأكيد أن أي ترميم للحياة سيقابل بالنار.

من بلدة كفركلا (قضاء مرجعيون)، يقول خضر عواضة لـ"العربي الجديد"، إنه اشترى منزلاً جاهزاً كي يعود للاستقرار في بلدته وإنهاء نزوحه في منطقة زبدين (قضاء النبطية). يتابع: "وضعت المنزل في مكان غير مواجه لأي موقع عسكري في البلدة، بل على الحدود مع بلدة الطيبة. لم يستهدف العدو منزلي مع مجموعة المنازل التي استهدفها في البلدة، بل انتظرني حتى أنهي العمل، واستهدفه قبل شهر. لا يكفي أن منزلي المكون من ثلاث طبقات دُمر بالكامل، وخسرت المقهى التي كنت أملكه، حتى المنزل الجاهز المتواضع دمرته إسرائيل، وكدت أفقد الأمل في العودة إلى البلدة. إنهم يمنعوننا من مواصلة الحياة، في حين لا أحد ينظر إلى أحوالنا".
واشترى عدد من أهالي الجنوب والبقاع منازل جاهزة على نفقتهم الخاصة، وآخرون استغلوا مبلغ تعويض الإيواء الذي يدفعه حزب الله لأصحاب المنازل المتضررة في الشراء، كي يكون مسكناً مستداماً في حال تأخرت إعادة الإعمار.

لجأ علي زعيتر إلى شراء بيت جاهز في بلدة الكنيسة (قضاء بعلبك)، بعد انتهاء الحرب نظراً لتهدم منزله في الضاحية الجنوبية لبيروت، ويقول لـ"العربي الجديد": "البيت الجاهز أوفر من تشييد منزل تقليدي، فالمنزل الإسمنتي يكلف بحدود عشرة آلاف دولار، من دون كلفة الشبابيك والكهرباء والفرش والدهان والصرف الصحي. فيما البيت الجاهز هو حسب التوصية، وقد اخترت منزلاً بعرض عشرة أمتار وطول ثلاثة أمتار، أي ما يوازي غرفتين ومطبخاً وحماماً، وكانت الكلفة ستة آلاف وخمسمائة دولار. البيت الجاهز يمكن أن يبقى لآخر العمر، وهو أفضل من الإيجار".
وتقول ملاك عيسى، من بلدة دير قانون النهر (قضاء صور): "قررنا شراء بيت جاهز بعد العودة إلى البلدة كي نبقى في أرضنا، ووضعناه بين شجر الزيتون كي لا نشعر بالغربة أو بالتهجير. يريد الاحتلال أن ينزعنا من هذه الأرض، لكني مقتنعة بأن البقاء بخيمة في أرضي أحسن من قصر في مكان آخر. فكرة المنزل الجاهز كانت حلاً لتجاوز الإيجار، واستخدمت في الشراء بدل الإيواء والأثاث الذي دفعه حزب الله، والبالغ 12 ألف دولار، فبدلاً من أن ندفع هذه الأموال في الإيجار، يمكننا الاحتفاظ بها عبر هذا البيت الجاهز، وسيبقى لنا بعد إعادة الإعمار، ويمكن الاستفادة منه في مشروع، أو تأجيره، أو بيعه، ما يعني أن الأموال لن تذهب سدى".

تضيف عيسى: "كلفة البيت الجاهز مع الأثاث تكاد تساوي كلفة تجهيز الأساسات للبناء التقليدي، كما توازي كلفة الإيجار، فلو حسبنا متوسط بدل إيجار بيت 500 دولار في الشهر، فسيكون المجموع السنوي ستة آلاف دولار. مع كلفة الهيكل الحديدي وألواح الجدران والأسقف، والإمدادات الصحية والكهرباء، وصلت كلفة البيت الجاهز إلى ثمانية آلاف دولار، وقد دفعت بعض التكاليف الخاصة لإضافة بعض الديكورات، لكن يمكن أن يلتزم الشخص ببدل الإيواء فقط".
تتابع: "باعتباري ربة منزل، كان من الضروري استشارة مهندس، فقد لا يلائم البيت الجاهز العائلة إذا لم يكن مخططاً له بشكل صحيح. وجود المهندس معي من اللحظة الأولى ساعدني على التفكير والتخطيط السليم، وتوزيع المساحات والغرف بشكل يناسب احتياجاتي. وأعتقد أن كل مكان حتى لو كان صغيراً، ينبغي أن يخضع لدراسة مسبقة حتى تناسب المساحة الحاجة، ما يوفر تكاليف الإصلاحات لاحقاً، وهذا دور المهندس الأساسي. حُسن التوزيع لم يشعرني للحظة بأن البيت الجاهز ضيق، أو يعيق الحركة، بل أشعر بأني مرتاحة فيه، إذ إن له إيجابيات عدة، من بينها الكلفة المحدودة، وسرعة التنفيذ، والعزل الحراري الذي يوفر استهلاك الطاقة، إضافة إلى أنه يتيح لي البقاء في أرضي. بينما السلبيات تشمل ضيق المساحة، والتي يمكن التأقلم معها".

من جانبه، يؤكد المهندس مجد حسن لـ"العربي الجديد"، أن "كلفة إنشاء البيوت الجاهزة أقل من نصف كلفة بناء البيوت التقليدية، وتتميز البيوت الجاهزة ببعض المواصفات، لكن من الضروري التنبه، إذ تختلف الجودة تبعاً للمواد المستعملة، وأهمها المواد العازلة للحرارة ومياه الأمطار، وعازل الصوت والحرائق، ومن بين المميزات سرعة التركيب، وكونها مقاومة للزلازل والرياح".
يضيف حسن: "تراعي فكرة البيت الجاهز استغلال المساحات، وهي بالعادة تستخدم أماكن للعاملين في مواقع المشاريع الكبرى، أو مكاتب للمهندسين، ولم تكن مصممة لتلائم العائلات الكبيرة، فالمنزل الجاهز يصمم بمساحة تبدأ من 36 متراً، ويتكون من غرفتي نوم وغرفة جلوس ومطبخ وحمام، مع الإمدادات اللازمة، وهي بالعادة توازي مساحة غرفة في البيت التقليدي. متوسط كلفة البيوت الجاهزة ثمانية آلاف دولار وقد تصل إلى حدود الخمسة عشر ألف دولار، ويمكن أن يكون جاهزاً خلال عشرة أيام، ما يعني أنه يوفر المال والوقت".
ويلفت إلى وجود مشكلة في الطلب المتزايد منذ انتهاء الحرب، ويقول: "الطلب كبير على المنازل الجاهزة، ولا يغطيه المعروض في السوق، ما خلق تجارة رائجة جعلت المواطنين يلجأون إلى أصحاب الأسعار المنخفضة، والتي تبدأ من أربعة آلاف دولار، وهذه البيوت تنفذها بعض ورش الحدادة، والتي تقوم بإعداد الهيكل المعدني، لكن تشوبها عيوب كثيرة، ولا تراعي عادة الشروط الهندسية، إذ لا يمكن تصميم منزل يلائم العائلات سوى بدراسة هندسية، كما يلزم تقديم رخصة بناء، ويجب تأمينه لكي يناسب العائلات، ويراعي متطلبات السكن طويل الأمد. كل هذا يستلزم هيكلاً معدنياً بمواصفات جيدة تراعي الأمن والحماية".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows