اليمنيون يقاومون نفوذ إيران الاقتصادي بالمقاطعة
Party
5 hours ago
share

يشهد السوق اليمني، الذي يعاني بالفعل من تداعيات الحرب، تزايدا في تدفق المنتجات الإيرانية خلال السنوات الأخيرة، ضمن استراتيجية إيرانية أوسع لتعزيز نفوذها في اليمن، مدعومة بذراعها المحلي المتمثل في مليشيات الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومحافظات رئيسية.

في مواجهة هذا التغلغل، نشأت حملات مقاطعة شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي بدورها أثارت رد فعل مضاد من قبل الحوثيين الذين يشجعون على شراء هذه المنتجات.


الاقتصاد كأداة نفوذ


يعكس التوسع الإيراني في السوق اليمنية أحد أوجه استراتيجية "القوة الناعمة" التي تتبناها طهران لتعزيز نفوذها الإقليمي، في ظل العقوبات الغربية وتضييق هوامش المواجهة المباشرة. وقد وفّر الحوثيون الغطاء اللازم لهذا الحضور من خلال تسهيلات جمركية وإدارية، لا سيما عبر موانئ الحديدة الثلاثة، التي يسيطرون عليها على سواحل البحر الأحمر.


لا تنظر إيران إلى هذه السلع بوصفها مجرد بضائع استهلاكية، بل كـ"خيوط نفوذ" تمتد من طهران إلى صنعاء، تغذي اقتصادا موازيا خارج سلطة الدولة وتمنح الحوثيين مصادر تمويل إضافية.

ومن أبرز المنتجات الإيرانية المنتشرة:

المواد الغذائية: مثل المعلبات، الأرز، السكر، الزيوت، والعصائر.

المنظفات ومواد التنظيف: المنتجات الكيميائية المنزلية المختلفة.

الكهربائيات والأجهزة المنزلية: وإن كانت بكميات أقل.

الأدوية والمستلزمات الطبية: في ظل النقص الحاد في هذه القطاعات.


مقاومة اقتصادية من نوع آخر


شكل تغلغل المنتجات الإيرانية في السوق اليمنية استفزازا كبيرا للعديد من اليمنيين، الذين يرون في إيران طرفا رئيسيا في الصراع الدائر ومسؤولا عن جزء كبير من معاناتهم. وقد ترجم هذا الغضب الشعبي إلى حملات مقاطعة واسعة النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي، مستخدمة وسوم (هاشتاغات) مثل "#قاطعوا_المنتجات_الإيرانية".


يمكن تلخيص دوافع هذه المقاطعة في أربع نقاط أساسية:


1. الرفض السياسي للهيمنة الإيرانية: يعتبرها الكثير من اليمنيين رمزا للتدخل في بلادهم وتقويضا لسيادتهم.


2. الحرص الاقتصادي على حماية الإنتاج المحلي: تضمنت حملة المقاطعة دعوات صريحة لتشجيع شراء المنتج المحلي كبديل عن المنتجات الإيرانية، بهدف دعم الاقتصاد الوطني.


3. الوعي بالاستغلال الحوثي: يُنظر إلى العائدات المتأتية من هذه المنتجات كرافد جديد لاقتصاد جماعة الحوثي الحربي، مما يعزز قدرتها على مواصلة الصراع.


4. تجربة المستهلك مع الجودة: كان هناك الكثير من الشكاوى الواسعة من تدني جودة بعض المنتجات الإيرانية، بما لا يتناسب مع أسعارها، مما دفع المستهلكين للمقاطعة.



وقد نجحت الحملات في رفع مستوى الوعي لدى المستهلك اليمني حول مصدر المنتجات وأهمية المقاطعة كأداة ضغط، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في المبيعات وإن كان محدودا، في بعض المناطق والمحلات، خاصة تلك التي يمكن الاستعاضة عنها بمنتجات أخرى.


ماذا يعني ذلك؟


تحمل حملات المقاطعة الشعبية دلالات متعددة وتترتب عليها آثار هامة، يمكن إجمالها في أربع نقاط رئيسية:


1. تعبير عن الرفض الجماهيري للنفوذ الإيراني: تؤكد هذه الحملات أن النفوذ الإيراني في اليمن ليس مقبولا على نطاق واسع، حتى في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بشكل مباشر.


2. الوعي السياسي والاقتصادي المتزايد: تدل الحملات على ارتفاع مستوى الوعي لدى المواطن اليمني بأبعاد الصراع وتأثيره على حياته اليومية، وبأن القرارات الشرائية يمكن أن تكون أداة فعالة للمقاومة.


3. تحدي لنفوذ الحوثيين الاقتصادي: تهدف الحملات إلى تقويض جزء من الدخل الذي قد يحصل عليه الحوثيون من الرسوم والضرائب على هذه المنتجات، وبالتالي إضعاف قبضتهم الاقتصادية.


4. دعوة لتعزيز الإنتاج المحلي: يمكن أن تكون الحملات حافزا قويا للاهتمام بالصناعات والمنتجات المحلية، كبديل مستدام للمنتجات المستوردة، بما في ذلك الإيرانية.


حملة حوثية مضادة


لم يقف الحوثيون مكتوفي الأيدي أمام حملات المقاطعة الشعبية، بل سارعوا إلى شن حملة مضادة عبر وسائل الإعلام التابعة لهم ومؤيديهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف تشجيع شراء المنتجات الإيرانية وتبرير وجودها.

ويهدف الحوثيون من وراء الحملة إلى تحقيق عدة أهداف مثل الحفاظ على سوق مهم للمتتجات الإيرانية وتبعا لذلك استمرارية الإمدادات التي قد تكون ضرورية لهم، بالإضافة إلى تأكيد قوة علاقتهم بإيران وإظهار أنهم لا يعبأون بالرفض الشعبي.


إلى جانب ذلك، يحاول الحوثيون ربط المقاطعة الشعبية بجهات خارجية (مثل أمريكا والمملكة العربية السعودية)، في محاولة لتشويه سمعة هذه الحملات وتصويرها كأجندات مدفوعة خارجيًا.


المقاومة بالنقود كما بالمواقف


إن تغلغل المنتجات الإيرانية في اليمن ليس مجرد ظاهرة اقتصادية، بل هو جزء لا يتجزأ من مشروع سياسي أكبر يهدف إلى إعادة تشكيل السوق والهوية والنفوذ في البلاد، ومع ذلك، فإن الرد الشعبي لم يتأخر، بل جاء عبر أداة جديدة وفعالة للمقاومة وهي المقاطعة الاقتصادية. 

وفي ظل تآكل أدوات التعبير السياسي التقليدية، يصبح "الامتناع عن الشراء" فعلًا نضاليًا بامتياز يعكس الرفض الشعبي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows