رهانات العدم ورقصة الشيطان - د. عمر ردمان
حزبي
منذ 21 ساعة
مشاركة

في الثالث عشر من سبتمبر المنصرم، أطلق رئيس الإصلاح دعوة ومبادرة لكل القوى والمكونات السياسية الوطنية لتجذير وحدة الصف الجمهوري وتكريسها واقعاً على الأرض لمواجهة التحديات الراهنة وفي مقدمتها استعادة الدولة، وترتيب صيغة المستقبل على قواعد الشراكة والتوافق الوطني.

لقد فتحت هذه الدعوة أفقاً واسعاً أمام اليمنيين الذين اكتووا بنار الفرقة والشتات الوطني بعد تجربة قاسية من الحرب والدمار وضياع الدولة التي رقصت الشياطين على أنقاضها، ولقيت الدعوة تجاوباً مقبولاً من قبل البعض، لكن فئة من تجار الحروب والذين يرون فقدان مصالحهم الخاصة في حالة وحدة الصف الجمهوري، والذين فهموا تلك الدعوة ضعفاً وأغراهم فهمهم الفاسد لممارسة الغواية، مثلما قالوا من قبل عن دعوة الإصلاح للاصطفاف الوطني قبل سقوط صنعاء بأن الإصلاح يبحث عن طوق نجاة لنفسه، وأنهم لن يكونوا ذلك الطوق، ثم طوّقت الخديعة وأوهام التذاكي أصحابها، وعمّت الكارثة وطناً بكل ما فيه وبكل من فيه لصالح مجموعة عنصرية إرهابية مدعومة من إيران، لم تفرق بين أحد خارج مشروعها الضيق، وحوّلت اليمن إلى خرابة كبيرة في محيط غير مستقر.

وبدلاً من التجاوب الواعي اليوم مع دعوة الميثاق والشرف الوطني، فقد دفع تكرارُ ذلك الفهم القاصر البعضَ إلى سنّ بعض الأقلام والأبواق والحِراب؛ ضد مكونات الصف الجمهوري، استثماراً سياسياً رخيصاً لجريمة جنائية في تعز أدانها الجميع.

لم تكن تعز المستهدفة بذلك، ولا أجهزة الدولة فيها، ولا حزب الإصلاح، بل كان الهدف القضاء على فكرة التلاحم الوطني في مهدها، وتثبيط أي انطلاقة سليمة نحو المستقبل، لذلك استمرت حملات التشويه والتشكيك في المواقف والأطراف الوطنية، لتمتد إلى سجال مستمر ممقوت؛ تتضاعف كلفته كلما طال المكوث في لحظة الغفلة ونشوة الغرور، تغذيه ثلة حاقدة تتربص بالجميع.

لقد كشفت الظروف الأخيرة وتداعياتها عن أن كل ما تم إنجازه منذ تشكيل المجلس في مسار وحدة الصف لم يكن سوى التئام الجرح على خَبَث، فتقيّح الجرح ملتهباً عند أول حصاة رماها عليه أصحاب السرائر الخبيثة، الذين لا يرجون الخير للوطن.

إن من العقل والرشد والصواب، أن يقتنع الجميع باستحالة أن يستطيع حزب أن يلغي حزباً آخراً، ولا مكون أن يقصي مكوناً آخراً، ومن يتوهم ذلك فهو مخطئ في قراءة معادلة القوة والضعف، ومعطيات الواقع المحلي والخارجي، الإقليمي والدولي، وأي رهان على ذلك الوهم رهان خاسر.

وما لم ينخرط الجميع في عملية تطبيب شافية لجروح الماضي وتراكماته، وإعادة بناء الثقة وتجديد مسار وحدة الصف الوطني الجمهوري على أسس سليمة ومخلصة، خالية من سوء النوايا وخبث السرائر وسذاجة التفكير؛ ما لم يحدث ذلك فسيخرج الجميع خاسراً بخسارة وطن وشعب لا يحتمل المزيد من العبث والمراهقات غير المحسوبة.

ما زالت هنالك فرصة قائمة لإنقاذ البلد وإخراجه من محنته، تتطلب ضمائر حية، ونوايا صادقة، وعقول راجحة، وقيادات راشدة، تبدأ على الفور بصناعة التفافٍ تاريخي حول ميثاق شرف سياسي يضع الوطن والجمهورية نصب عينيه، ويرمي خلف ظهره كل رهانات العدم، ويُنهي كل مناكفات غبية تدور معركتها على حافة الانهيار.

المعادلة التي تقوم عليها معطيات اليوم هي إما أن يربح الجميع بربح وطنهم، وإما أن يخسر الجميع، إما أن ينتهي الانقلاب وتُستعاد الدولة ويتم الاتفاق على مستقبل الشراكة في بنائها، وإما أن تستمر رقصة الشيطان على ما تبقى من أنقاض الوطن، وجماجم أشباه الرجال.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية