كيف جفّ البحر الأحمر قبل أكثر من 6 ملايين سنة؟
تقارير وتحليلات
منذ ساعتين
مشاركة

قدّم علماء من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) أدلةً قاطعة على أن البحر الأحمر جفّ تمامًا قبل حوالي 6.2 مليون سنة، قبل أن يمتلئ فجأةً بفيضانٍ كارثيّ من المحيط الهندي. حيث تُحدّد هذه النتائج تاريخًا حاسمًا لحدثٍ دراماتيكيّ غيّر وجه البحر الأحمر.

يتمتع البحر الأحمر بموقع إستراتيجي مهم، حيث يصل بين القارات الثلاث: آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويربط المحيط الهندي وخليج عدن وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط، ويفصل بين الجزيرة العربية وشرق أفريقيا.

ويمثل البحر الأحمر أهمية إستراتيجية لليمن في الموقع الجغرافي، حيث تقع أكبر كتلة سكانية في الساحل الغربي اليمني في البحر الأحمر، مما يجعلها ذات أهمية إستراتيجية كبيرة في المنطقة، وتمتلك عدة موانئ مهمة مطلة على البحر الأحمر، مثل ميناء الحديدة وميناء المخا، بالإضافة إلى مضيق باب المندب.


     مواضيع مقترحة

أحداث بيئية متطرفة

وباستخدام التصوير الزلزالي، وأدلة الأحافير الدقيقة، وتقنيات التأريخ الجيوكيميائي، أظهر باحثو جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية أن تغيرًا هائلًا حدث خلال حوالي 100,000 عام، وتمثل غمضة عين لحدث جيولوجي كبيرحيث تحول البحر الأحمر من اتصال بالبحر الأبيض المتوسط ​​إلى حوض فارغ مليء بالملح. ثم اندفع فيضان هائل عبر الحواجز البركانية ليفتح مضيق باب المندب، ويعيد ربط البحر الأحمر بمحيطات العالم، وفق مجلة «Communications Earth & Environment».

وقالت الدكتورة تيهانا بينسا، الباحثة الرئيسية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية: “تُظهر نتائجنا أن حوض البحر الأحمر شهد أحد أكثر الأحداث البيئية تطرفًا على وجه الأرض، عندما جف تمامًا ثم أُعيد غمره فجأةً قبل حوالي 6.2 مليون سنة”. وأضافت: “أدى هذا الفيضان إلى تغيير الحوض، وأعاد إحياء الظروف البحرية، وأنشأ صلة دائمة بين البحر الأحمر والمحيط الهندي”.

ويقع البحر الأحمر بين الجزيرة العربية شرقا وأفريقيا غربا، وهو عبارة عن أخدود مائي متطاول ضيق، يمتد بانحناء نحو الغرب من خليج عدن جنوبا إلى جزيرة سيناء شمالا، ومن هناك يتفرع عنه خليجان، هما: خليج العقبة شرقا وخليج السويس غربا، وتفصل بينهما شبه جزيرة سيناء.

كما يطل البحر الأحمر على 8 دول هي: اليمن والسعودية من جهة الشرق، والأردن وفلسطين المحتلة وشبه جزيرة سيناء المصرية من الشمال، ومصر والسودان وإريتريا، وجيبوتي من الغرب.

بالنسبة لليمن يُشكِّل البحر الأحمر أهمية كبيرة، إذ يُعتبر شريطًا ساحليًا حيويًا يمتد عبر محافظتي تعز والحديدة، موفِّرًا موقعًا مركزيًا لأهم الموانئ اليمنية، و يضمّ العديد من الجزر المهمة أبرزها جزيرة كمران بالإضافة إلى أن هناك ثمان دول مشاطئة للبحر الأحمر مما يعزِّز دوره المحوري في التجارة والملاحة الدولية.

ويعد البحر الأحمر، من أهم طرق الملاحة البحرية الدولية في العالم، ويتمتع بأهمية اقتصادية وعسكرية وأمنية، وتحول مؤخراً لموضع صراع ومحل تنافس إقليمي ودولي ومركزا لاحتشاد القواعد العسكرية الأجنبية.

كيف جفّ البحر الأحمر قبل أكثر من 6 ملايين سنة؟
مقاطع رقيقة من طبقات الحجر الجيري في البحر الأحمر  Communications Earth & Environment (2025). )

كيف غمر المحيط الهندي البحر الأحمر؟

كان البحر الأحمر في البداية متصلاً بالبحر الأبيض المتوسط ​​من الشمال عبر حاجز ضحل. انقطع هذا الاتصال، مما أدى إلى جفاف البحر الأحمر وتحويله إلى صحراء مالحة قاحلة. في جنوب البحر الأحمر، بالقرب من جزر حنيش، فصلت سلسلة بركانية البحر عن المحيط الهندي.

ولكن قبل حوالي 6.2 مليون سنة، اندفعت مياه البحر من المحيط الهندي عبر هذا الحاجز في فيضان كارثي. حفر السيل وادياً تحت الماء بطول 320 كيلومترًا، لا يزال ظاهرًا حتى اليوم في قاع البحر. ثم أعاد الفيضان ملء الحوض بسرعة، فأغرق المسطحات الملحية ، وأعاد الظروف البحرية الطبيعية في أقل من 100 ألف عام. حدث هذا الحدث قبل حوالي مليون سنة من إعادة ملء البحر الأبيض المتوسط ​​بفيضان زانكلين الشهير، مما منح البحر الأحمر قصة فريدة من نوعها عن نهضته.

لماذا البحر الأحمر مهم من الناحية الجيولوجية؟

تشكل البحر الأحمر نتيجة انفصال الصفيحة العربية عن الصفيحة الأفريقية قبل 30 مليون سنة. في البداية، كان البحر واديًا ضيقًا مليئًا بالبحيرات، ثم أصبح خليجًا أوسع عندما غمرته مياه البحر الأبيض المتوسط ​​قبل 23 مليون سنة. ازدهرت الحياة البحرية في البداية، كما يتضح من الشعاب المرجانية الأحفورية على طول الساحل الشمالي بالقرب من ضباء وأملج.

إلا أن التبخر وضعف دوران مياه البحر أديا إلى زيادة الملوحة، مما تسبب في انقراض الحياة البحرية قبل 15 إلى 6 ملايين سنة. إضافةً إلى ذلك، امتلأ الحوض بطبقات من الملح والجبس، مما أدى إلى جفاف البحر الأحمر تمامًا. وأعاد الفيضان الكارثي من المحيط الهندي الحياة البحرية إلى البحر الأحمر، والتي لا تزال قائمة في الشعاب المرجانية حتى يومنا هذا.

يُعدّ البحر الأحمر مختبرًا طبيعيًا لفهم كيفية نشأة المحيطات، وتراكم الصخور الملحية العملاقة، وكيفية تفاعل المناخ والقوى التكتونية على مدى ملايين السنين. يُبرز هذا الاكتشاف مدى ارتباط تاريخ البحر الأحمر بالتغيرات المحيطية العالمية. كما يُظهر أن المنطقة شهدت سابقًا ظروفًا بيئية قاسية، لكنها عادت كنظام بيئي بحري مزدهر.

كيف جفّ البحر الأحمر قبل أكثر من 6 ملايين سنة؟
طبقات البحر الأحمر المعممة تُظهر عمر الوحدات الطبقية لما بعد الصدع ( Communications Earth & Environment (2025).)

يحتضن البحر الأحمر حياة بيولوجية مزدهرة، فهو موطن لأكثر من ألف نوع من اللافقاريات و350 نوع من الشعاب المرجانية، وحوالي 1200 نوع من الأسماك، وتقدر نسبة الأسماك المستوطنة في البحر الأحمر، والتي لا توجد في غيره من البحار بنحو 14.7%.

وتعتبر الشعاب المرجانية في البحر الأحمر من أطول الشعاب المرجانية الحية المستمرة في العالم، وتمتد حوالي ألفي كيلومتر حول الساحل، وتتميز بقدرتها العالية على التكيف، ويبلغ عمرها ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف عام. وإلى جانب ذلك، يتوافر البحر على الأعشاب البحرية وأشجار المانغروف.

The post كيف جفّ البحر الأحمر قبل أكثر من 6 ملايين سنة؟ first appeared on ريف اليمن.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية