أبطال منسيون.. ومضات من ذهب في سجلات التاريخ
عربي
منذ يوم
مشاركة
في سجل عظماء الرياضة، تلمع أسماء مثل محمد علي، مايكل جوردان، وبيليه بوصفها نجوماً لا تأفل. قصصهم تروى، وإنجازاتهم تدرس، وأرقامهم محفورة في ذاكرة كل محب للرياضة. لكن خلف هذا الضوء الساطع تقبع سجلات أبطال آخرين حققوا إنجازات لا تقل عظمة، وتحدوا المستحيل، ورسموا بدموعهم وعرقهم قصصاً ملهمة، إلا أن غبار النسيان غطى أسماءهم، ولم يمنحهم التاريخ التقدير الذي يستحقونه. هؤلاء يمكن وصفهم بأنهم "أبطال منسيون"، وهذه قصص بعضهم: ويم سوربيير.. مهندس "الكرة الشاملة" الصامت حين تُذكر هولندا في السبعينيات وفلسفة "الكرة الشاملة"، يقفز إلى الأذهان فوراً اسم الأسطورة يوهان كرويف، لكن قلة من يتذكرون المهندس الحقيقي لهذا الأسلوب الثوري في مركز الظهير الأيمن: ويم سوربيير. كان سوربيير ظهيراً عصرياً سابقاً لأوانه بعقود، لم يكتفِ بالدفاع، بل كان ينطلق كالسهم على الرواق الأيمن، يهاجم، يمرر، ويصنع اللعب، مجسداً فكرة "اللاعب الكامل" الذي يمكنه اللعب في أي مركز. كان جزءاً لا يتجزأ من فريق أياكس أمستردام الأسطوري الذي فاز بكأس أوروبا ثلاث مرات متتالية (1971-1973) والمنتخب الهولندي الذي أبهر العالم في كأس العالم 1974 و1978. بينما سُرقت الأضواء دائماً من قبل كرويف ويوهان نيسكينز، كان سوربيير هو الجندي المجهول الذي جعل هذه المنظومة تعمل ببراعة. لماذا نُسي؟ طبيعته الهادئة وابتعاده عن الإعلام، بالإضافة إلى سطوع نجم كرويف الطاغي، جعله في الظل. لقد كان "البطل الصامت" في أعظم فرق كرة القدم. بيتي روبنسون.. أول "ملكة" أولمبية نجت من الموت في أولمبياد أمستردام 1928، أصبحت بيتي روبنسون البالغة من العمر 16 عاماً أول امرأة في التاريخ تفوز بسباق 100 متر للسيدات، لتصبح أسرع امرأة في العالم. كانت مسيرتها في أوجها، لكن بعد ثلاث سنوات، تعرضت لحادث تحطم طائرة مروع. وجدها المنقذون فاقدة للوعي في حطام الطائرة، واعتقدوا أنها ماتت، فوضعوها في صندوق سيارة لنقلها إلى المشرحة. لحسن الحظ، اكتشفوا أنها لا تزال على قيد الحياة. أمضت سبعة أشهر في غيبوبة وخرجت بساق أقصر من الأخرى وبإصابات بالغة جعلتها غير قادرة حتى على اتخاذ وضعية البداية التقليدية للسباق. أعلن الأطباء نهاية مسيرتها الرياضية، لكن بيتي رفضت الاستسلام. بعد سنوات من إعادة التأهيل المؤلمة، عادت في أولمبياد برلين 1936، وفازت بالميدالية الذهبية مرة أخرى، ولكن هذه المرة ضمن فريق التتابع في سباق أربع مرات 100  متر. لماذا نُسيت؟ قصتها المذهلة طغت عليها أحداث أولمبياد برلين السياسية وارتباطها بجيسي أوينز. تُعتبر قصة عودتها من "الموت" واحدة من أعظم قصص العزيمة في تاريخ الرياضة، لكنها نادراً ما تُروى. عبد اللطيف أبو هيف.. تمساح النيل الذي قهر بحر المانش في عالم سباحة المسافات الطويلة، يُعد المصري عبد اللطيف أبو هيف، أحد أبطال الرياضة المنسيين، أسطورة حقيقية. في الخمسينيات والستينيات، هيمن على أصعب السباقات في العالم. عبر بحر المانش ثلاث مرات، وفاز ببطولة العالم للمحترفين خمس مرات، وحقق إنجازاً فريداً بسباحته لمدة 30 ساعة متواصلة في بحيرة ميشيغان في طقس متجمد. لم تكن عظمته في قوته البدنية فقط، بل في إنسانيته. ففي أحد سباقات المانش، تنازل عن الفوز لمنافسه الذي شعر بالإعياء، وأصرّ على السباحة بجانبه حتى وصلا معاً. وفي سباق آخر في كندا، تبرع بجائزته المالية لعائلة سباح آخر توفي غرقاً. لُقب بـ"تمساح النيل" ونال احترام العالم بأسره، حتى أن الاتحاد الدولي أطلق عليه لقب "أعظم سباح مسافات طويلة في التاريخ". لماذا نُسي؟ رغم شهرته الواسعة في عصره، إلا أن تراجع الاهتمام الإعلامي بسباحة المسافات الطويلة مع مرور الزمن، وصعود رياضات أخرى أكثر شعبية، جعل إنجازاته الخارقة تتلاشى من الذاكرة الجماعية للأجيال الجديدة. هؤلاء الأبطال، وغيرهم الكثير، يذكّروننا بأن التاريخ لا ينصف الجميع دائماً. قصصهم دليل على أن العظمة ليست دائماً مرادفة للشهرة، وأن هناك انتصارات تُحقق بعيداً عن أضواء الكاميرات، وتستحق أن تُروى وتُخلّد.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية