نزيف الدينار الجزائري يتواصل رغم الإجراءات الحكومية
عربي
منذ يوم
مشاركة
رغم إجراءات حكومية جزائرية متعددة على مدار الأشهر الماضية، تواصل العملة المحلية (الدينار) النزيفَ في السوق الموازية مقابل اليورو، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة، حيث اقتربت من أدنى مستوى تاريخي لها أمام العملة الأوروبية الموحّدة عند 268 ديناراً لكل 1 يورو، رغم تحسّن طفيف في قيمتها لدى البنوك في التعاملات الرسمية مقابل الدولار. وكما هو معروف أنّ من أهم ما يميّز اقتصاد الجزائر هو الفارق الكبير جداً بين سعر صرف العملة في السوق الموازية، وقيمتها في التداولات الرسمية لدى البنوك. وتشير بيانات بنك الجزائر المركزي إلى أن سعر صرف 1 دولار بلغ 129 ديناراً، بعد أن كان في العام الماضي عند 133 ديناراً. وعكس الورقة الخضراء، فقد تراجعت قيمة العملة الجزائرية مقابل اليورو لدى البنوك، إذ بلغ هذا الأسبوع 151 ديناراً لكل 1 يورو، بعد أن كان العام الماضي في حدود 145 ديناراً. طلب مرتفع في هذا السياق، رصدت "العربي الجديد" في جولة قصيرة بساحة بور سعيد في قلب العاصمة التي تعدّ مركز صرف العملة الموازية في البلاد، وجود طلب كبير على مختلف العملات الأجنبية، خصوصاً اليورو والدولار. ويوضح محمد، وهو شاب يمتهن صرف العملة قدم من ولاية جيجل الساحلية شرقي البلاد، أن الطلب ارتفع بشكل لافت خلال الأسابيع الأخيرة على العملة الصعبة خصوصاً اليورو، رغم انقضاء عطلة الصيف التي تتميز بزيادة الطلب على النقد الأجنبي للراغبين في السفر خارج البلاد. وأضاف أن الأسبوع الأخير زاد فيه الطلب بحدّة على العملات الأجنبية بشكل لم يجد له صرّافو العملة في ساحة بور سعيد تفسيراً، على حدّ تعبيره. ووفق ما أفاد به صرّافو العملة الصعبة في بور سعيد بالجزائر العاصمة، فإن الطلب المرتفع جعل العديد منهم لا يتوفّر على نقد أجنبي على مدار الأيام الماضية، بعد أن باع كل ما كان يتوفّر عليه، خصوصاً في ظل سعر بيع مغرٍ. وردّاً على سؤال لـ"العربي الجديد" حول ما إذا كان لمنحة السياحة التي رفعتها الحكومة إلى 750 يورو للبالغين وشرع في تطبيقها خلال الصيف الماضي تأثير على سعر صرف العملة الجزائرية، أوضح الشاب محمد أن التأثير كان محدوداً جداً واقتصر مفعوله على أيام قليلة بعد دخول الإجراء حيّز التنفيذ، مشيراً إلى أن الدينار سرعان ما تراجع مجدداً بعد نحو عشرة أيام من بداية تطبيق هذه التدابير. وعلى مدار الأشهر الماضية، توالت تدابير حكومية جزائرية أكّد خبراء ومتابعون أنها ترمي إلى كبح جماح السوق الموازية للنقد الأجنبي. وبدأت التدابير الحكومية الجزائرية من خلال تقييد إخراج النقد الأجنبي من طرف المسافرين إلى الخارج، وجعله عند سقف 7500 يورو سنوياً أو ما يعادلها، بعد أن كان الحد المسموح به سابقاً هو 7500 يورو في كل رحلة، مع إلزامية تقديم وثيقة تثبت سحب المبلغ من البنك. وأعقب تقييد خروج العملة، تدابير حكومية لتقنين تجارة الشنطة المعروفة محلياً بتسمية "الكابة"، وإدماج الناشطين في هذا المجال في الاقتصاد الرسمي في ما يسمى بـ"نشاط الاستيراد المصغّر". وبحسب مرسوم للحكومة الجزائرية، فإن الإجراء يستهدف أساساً الأفراد الذين يسافرون إلى الخارج لجلب سلع بغرض إعادة بيعها في السوق المحلية، بشرط ألّا تتجاوز قيمة السلع مليوناً و800 ألف دينار جزائري في كل رحلة، أي ما يقارب 14 ألف دولار أميركي (الدولار يساوي 129 ديناراً)، في حدود رحلتين شهرياً حدّاً أقصى. ويُشترط في ممارسي هذا النشاط أن يكونوا حاملين لبطاقة "المقاول الذاتي"، وهي الصفة القانونية التي تسمح لهم بالعمل المستقل في إطار مبسّط. وأقرّت الحكومة الجزائرية في عهد الرئيس الحالي عبد المجيد تبون مرسوماً بمسمّى "المقاول الذاتي"، يتيح لكل شخص طبيعي (فرد) أن يمارس بصفة فردية نشاطاً مربحاً يندرج ضمن قائمة نشاطات محددة، ولا يتعدّى رقم أعماله (إيراداته) السنوي حدّاً معيناً. علاج سطحي لمشكلة الدينار في هذا السياق، رأى الخبير المالي والاقتصادي نبيل جمعة أن الوضعية الحالية ليست ظرفية مرتبطة بانخفاض أسعار النفط فقط، بل هي هيكلية بالنظر إلى أن الإجراءات الحكومية تعالج السطح من دون الغوص في عمق المشكلة. وأوضح الخبير جمعة في حديث لـ"العربي الجديد" أن نزف الدينار في السوق الجزائرية ليس لغزاً غامضاً، بل نتيجة تفاعل عوامل اقتصادية ومالية وهيكلية عميقة تعود إلى سنوات سابقة، وتجعل الإجراءات الحكومية الأخيرة غير مكتملة ومحدودة الأطر، مشيراً إلى أن العرض والطلب على العملة الصعبة يبقى المحرّك الأساسي للسوق. وأكد المتحدث أن رفع المنح السياحية وتسهيل بعض العمليات لا يكفي، إذ إن العرض من النقد الأجنبي في السوق الموازية يبقى ضعيفاً، لأن البنوك الرسمية لا تزال عاجزة عن تلبية الطلب الكبير للمواطنين والمستوردين الصغار، خاصة في قطاع السيارات، حيث يسعى كثير من الجزائريين للحصول على العملة من أجل الشراء، ما يخلق ضغطاً كبيراً على النقد الأجنبي. وأشار جمعة أيضاً إلى أن تراجع عائدات النفط والغاز وبقاء سعر البرميل قرب المستوى المرجعي في قانون الموازنة يقلّص فائض ميزان المدفوعات، في حين يعتمد الاقتصاد الجزائري على المحروقات بنسبة كبيرة لجلب النقد الأجنبي، إضافة إلى ضعف مساهمة السياحة الأجنبية. وهذه العوامل، بحسبه، تقلّص قدرة البنك المركزي على ضخ الدولار واليورو في السوق الرسمية، وتترك السوق الموازية مقياساً فعلياً لقيمة الدينار، ما لم يتم إصلاح هيكلي لنظام الصرف وتحريك العملة بطريقة مدروسة. وشدّد على أن المشكلة ليست تقنية فقط، بل تتعلق بالثقة والسيولة، حيث يفضّل المواطنون الحصول على النقد الأجنبي عبر السوق الموازية لسرعته وسهولته، وأن تأثير عوامل غير اقتصادية مثل التضخم الداخلي والقيود على التحويلات البنكية يزيد من عطش السوق إلى العملة الصعبة. حتمية الإصلاح من جهته، رأى الخبير وأستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة، سليمان ناصر، أن الطلب الكبير على النقد الأجنبي يقابله عرض ضعيف رغم القيود المفروضة على خروج العملة وبدء صرف المنحة السياحية بعد رفع قيمتها وتقنين تجارة الشنطة. وأشار الخبير ناصر في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن استيراد الأفراد للسيارات، مع الانتشار الواسع للمركبات القادمة من الخارج، ساهم بدوره في زيادة الضغط على سوق الصرف، ما جعل الطلب أكبر بكثير من العرض ودفع سعر اليورو للارتفاع. وأكد أن الحل يكمن في الإسراع بافتتاح مكاتب الصرف الرسمية المعتمدة، خاصة أن النصوص القانونية متوفّرة، واللجنة المكلفة بدراسة الطلبات ممثلة في المجلس النقدي والمصرفي، موضحاً أن العديد من الملفات قدّمت بالفعل وهي قيد الدراسة مثلما أفاد نواب في البرلمان. وعلّق: "أتمنى ألا تتكرر أخطاء التسعينيات حين أُغلقت معظم المكاتب بسبب ضعف هامش الربح، حيث كانت مرخصة لشراء العملة الأجنبية فقط دون بيعها". وشدّد على أن تحرير سوق الصرف بات ضرورياً، حتى لا يظل النقد الأجنبي محصوراً في البنوك أو عبر منحة سياحية تُصرف مرة واحدة في السنة، أو من خلال المستوردين فقط. وفي رأيه، يجب أن تختفي هذه القيود تدريجياً عبر فتح المكاتب المعتمدة، تمهيداً لتحرير سوق الصرف بشكل كامل. وفي السياق ذاته، أوضح ناصر أن تحرير قيمة الدينار قد يكون خطوة صعبة، لكنه يمثل المرحلة النهائية من عملية الإصلاح وفق آجال معلومة في البداية والنهاية. ورأى أستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة أن ذلك يجب أن يتم تدريجياً مع اتخاذ إجراءات لحماية الفئات الهشّة من ارتفاع الأسعار، محذراً من تكرار التجربة المصرية التي اعتبرها مكلفة وغير مدروسة، إذ أدى التعويم الجزئي للجنيه الذي لا يُعلم متى ينتهي، إلى تدهور قيمته من ثمانية جنيهات مقابل الدولار إلى نحو 50 حالياً.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية