عودة موسم المنجمين على الشاشات اللبنانية
عربي
منذ يومين
مشاركة
منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، يُعاد المشهد نفسه في لبنان: امرأة تصف نفسها بـ"صاحبة الإلهام" تجلس قبالة مقدّم برنامج تلفزيوني، تقرأ ما تسميه "توقعات" سياسية وفنية، بينما هي في الحقيقة تحليلات مغلّفة بالغيب. لطالما شكّلت برامج الماورائيات وعلم الغيب وحضور المنجمين مادة دسمة للشاشات اللبنانية. فبعدما كانت القنوات تكتفي باستضافة منجّم واحد ليلة رأس السنة، تغيّر المشهد مع صعود المنصات الرقمية، لتتحوّل التوقعات إلى مادة يومية تُعرض على مدار العام، وتُعيد إنتاج علاقة نفعية بين المنجمين والمقدمين. علاقة تتجاوز الصداقة إلى تبادل المصالح: مكافآت مالية، أو حلقات خاصة تُبنى بالكامل على "توقعات العام الجديد". نهاية العقد الماضي، صاغت محطات التلفزة اللبنانية نجومية ليلى عبد اللطيف. الإعلامي نيشان كان أول من استضافها، ففتح أمامها الباب لتصبح "ملكة التوقعات"، وسرعان ما لحقت به ريما نجيم، ثم طوني خليفة، الذين ساهموا جميعًا في إطلاقها إلى دائرة الضوء. لاحقًا، طلبت محطة LBCI إعداد برنامج أسبوعي تستضيف فيه عبد اللطيف، لكنها رفضت الظهور المتكرر، مفضّلة حلقة شهرية واحدة. وهكذا وُلد برنامج "التاريخ يشهد" الذي استمر لسنتين، قبل أن يوقفه رئيس مجلس الإدارة بيار الضاهر إثر الانتقادات الواسعة التي طاولت المحطة، رغم العائدات الإعلانية الكبيرة. لكن عبد اللطيف خرجت من التجربة وقد رسّخت شبكة صداقات إعلامية متينة، تحوّل بعض مقدمي البرامج إلى أدوات موسمية تروّج لتوقعاتها. انسحبت ريما نجيم من الدائرة، فيما بقي طوني خليفة – مدير عام قناة "المشهد" الإماراتية – إلى جانب نيشان، الذي يعقد بدوره صفقة مع إدارة محطة الجديد لظهور موسمي تتبنّى خلاله القناة "إلهامات" ليلى عبد اللطيف. المنصات الرقمية وسّعت انتشار هذه الظاهرة، فصارت التوقعات تُعيد إنتاج نفسها عبر مقاطع متداولة وتعليقات متناقضة: بين من يروّج نبوءات تحققت، ومن يوثّق فشلها أو تناقضها. باتت عبد اللطيف تدرك تمامًا كيف تلعب على وتر فضول الناس تجاه الماورائيات، وعلى رغبتهم في معرفة "المستور". ورغم أن معظم ما تقدّمه يعتمد على تحليلات سياسية وأمنية وفنية منسوبة إلى فريق يحيط بها، فإنها تنفي ذلك بشدّة. قبل أحد عشر عاماً، وُجهت إليها اتهامات باستقاء توقعاتها من جلسات تجمعها بسياسيين ونافذين، لكنها أنكرت الأمر، وخسرت دعوى قضائية ضد صحافي كشف طبيعة "مزاعمها الموسمية" القائمة على استغلال العاطفة والخوف، من خلال توقعات عن حروب وكوارث ووفاة فنانين كبار في السن، وهي أمور يمكن لأي محلل أن يتكهّن بها ببعض الدراية. مرة أخرى، تثبت القنوات اللبنانية قدرتها على تحويل الوهم إلى منتج تلفزيوني مربح، وعلى تسويق "الماورائيات" بوصفها ترفيهًا. فبين "ملكة التوقعات" والمقدمين الذين يصنعون حولها هالة إعلامية، يبدو أن الغاية واحدة: المال والتفاعل. وهكذا تتحول التوقعات من مجرد "إلهام" فردي إلى صناعة كاملة تُعيد تدوير الخرافة، وتبثّها على شكل محتوى رائج يضمن نسَب مشاهدة عالية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية