
عربي
كان قبول حركة حماس خطّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاصّة بغزّة مفاجئاً لكثيرين في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، لكنّ أشدّ الأطراف تفاجؤاً اليمين المتطرّف في إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو. حتى إنّ حالة ارتباك بدت واضحةً على تحليلات المراقبين هناك، وسادت حيرة بين الاستبشار بقرب القضاء على "حماس" والدهشة من قبولها ما كانت ترفضه وتستنكره. الإسرائيليون محقّون في الاندهاش والصدمة، ليس بسبب المواقف السابقة للحركة (ومعها بقية الفصائل الفلسطينية المُقاوِمة) فحسب، التي كانت ترفض نقاطاً تكرّرت سابقاً قبل أن ترِد مُجدّداً في خطّة ترامب، وإنما أيضاً لأنّ تلك المواقف السابقة كانت تجسّد تصوّراً ثابتاً لدى المقاومة الفلسطينية، بأنها (المقاومة) وحدها الضامن لاستعادة حقوق الفلسطينيين عامّة، وهي أيضاً الوسيلة الناجعة والفعّالة لإجبار حكومة نتنياهو، الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل، على منح بعض تلك الحقوق. ولكن سلوك نتنياهو، المنفلت بلا ضابط ولا رادع، دفع "حماس" إلى مراجعة حسابات أسّست عليها عملية طوفان الأقصى، وأثبتت جدواها ما يقارب عامَين، فقد غيّر نتنياهو استراتيجيته من إطالة أمد الحرب إلى تصفية الوجود الفلسطيني في غزّة، فأدركت "حماس" أن مرور الوقت لا يعني سوى إكمال نتنياهو الإبادة الجماعية لأهل غزّة، تحت سمع العالم وبصره. وبالتالي، أصبح إنقاذ حياة ما تبقّى من فلسطينيي غزّة غايةً في ذاته، خصوصاً مع اقتران ذلك بنزع فتيل التهجير ولو مؤقّتاً، وإبطال حجج متطرّفي تل أبيب لدفع الغزّيين نحو الحدود المصرية.
ربّما لم تظهر بعد قيمة قبول "حماس" خطّة ترامب بوضوح، لكن بتقدير الموقف، لو رفضتها أو طلبت تعديلاتٍ جذريةً فيها، لكان ذلك دعوة صريحة إلى نتنياهو كي يندفع، ليس إلى احتلال غزّة فحسب، بل أيضاً إلى مباشرة تطهير ديمغرافي كامل فيها، بغطاء أميركي معزّز بعنجهية ترامب وغضبه من رفض "حماس". والمنطق العربي السائد منذ عقود أن لا أحد سيكون أحرص على مصائر فلسطينيي غزّة وحيواتهم من أنفسهم، وقياداتهم في "حماس" والفصائل المُقاوِمة، أو هذا ما يجب أن يكون. الحاصل حالياً أن نتنياهو هو المُطالَب بإجابة ترامب إلى مراده، بتنفيذ عملية تبادل، وبدء الانسحاب من القطاع، وتهيئة الأجواء لمفاوضات حول المستقبل. ومع التسليم باستحالة تنفيذ بقية بنود خطّة ترامب، المهم هو تصدير مسؤولية تلك الاستحالة من "حماس" إلى نتنياهو. صحيحٌ أن في الخطّة ألغاماً كثيرة وجوانب مبهمة، وأخرى مرهونة بالتفاصيل، حيث يكمن الشيطان دائماً. لكن، كما في هذا الالتباس منافذ هروب لنتنياهو فإنّ فيه أيضاً فرصاً لـ"حماس" لتفنيد خطة ترامب وسدّ الثغرات التي تضمّنتها مثل توقيت الانسحاب الإسرائيلي وجدوله، ومصير السلاح الفلسطينيّ، وطبيعة الحكم المستقبلي للقطاع، وغيرها من مسائل لن تعدم "حماس" إيجاد صيغ لها. وخصوصاً مع وجود ظهير عربي وإقليمي لموقف "حماس" تجاه بعض تلك المسائل، وخصوصاً في ما يتعلّق بالحكم والإدارة المستقبلية، وإعادة الإعمار، وحدود الارتباط بين خطّة ترامب ومستقبل القضية الفلسطينية ككل. وينصرف وصف "الظهير" هنا على وجه الحصر إلى مصر بالأساس، لاعتباراتٍ أمنية في المقام الأول، ثمّ بعض الدول مثل تركيا وقطر والسعودية، التي استشعرت عمق التهديد الإسرائيلي على استقرار المنطقة. ولمّا كانت "حماس" قد حقّقت بـ"طوفان الأقصى" فوزاً تكتيكياً على إسرائيل، فإنّ قبولها التكتيكي خطّة ترامب يمنحها فوزاً آخر لا يقلّ أهميةً، وإن كان ذلك لا يعني بالمرّة انتصاراً كاملاً أو حتى نهايةً للحرب، لكنّه يظلّ فوزاً بالنقاط يعزّز رصيد المقاومة في جولة تاريخية، ستتلوها جولات أصعب وأكثر حسماً.

أخبار ذات صلة.

تفاؤل باتفاق قريب حول غزة
الشرق الأوسط
منذ 10 دقائق

«نوبل الفيزياء» لاكتشافات في ميكانيكا الكم
الشرق الأوسط
منذ 20 دقيقة

اتفاق على وقف فوري للنار بين دمشق و«قسد»
الشرق الأوسط
منذ 25 دقيقة

«الحرس الثوري» يتأهب صاروخياً للتهديدات
الشرق الأوسط
منذ 29 دقيقة