إدمان الدروس الخصوصية يتفشى في جامعات مصر
عربي
منذ يومين
مشاركة
لم تعد الدروس الخصوصية حكراً على طلاب المدارس في مصر بل امتدت إلى طلاب الجامعات، مثيرة جدلاً حول ما يُعرف بـ "التعليم الموازي". تداول طلاب جامعة طنطا في دلتا مصر، خلال الأيام الماضية، صوراً لإعلانات خاصة في مراكز دروس خصوصية معلقة على جدران الكليات، في مشهد غير مألوف داخل الحرم الجامعي، وتنتشر على أسوار كليات جامعة القاهرة، والمباني المحيطة بجامعة عين شمس في العاصمة المصرية، إعلانات مماثلة تضم أرقام هواتف وأماكن مراكز تعليمية خاصة توفر مذكرات جاهزة، ودروساً خصوصية لطلاب كليات التجارة والعلوم والهندسة. ولا يتوقف الأمر عند مراكز الدروس الخصوصية، إذ يتلقى الطلاب جامعات مصر رسائل عبر هواتفهم الخاصة، تفيد بوجود أشخاص قادرين على شرح الكتب، وتلخيص المحاضرات، من بينهم طلاب في السنوات الدراسية الأعلى، أو معيدين. ويتفق خبراء التربية على امتصاص الدروس الخصوصية مبالغ طائلة من دخل الأسر المصرية، في حين تضرب الأزمات المعيشية نحو 90% من سكان البلاد، وتقدر تقارير مصروفاتها السنوية في مراحل التعليم قبل الجامعي بنحو 20 مليار جنيه (الدولار يساوي 48 جنيهاً)، بينما تؤكد تقديرات أخرى أنها تفوق ذلك الرقم، خصوصاً بعد أن توسعت الظاهرة لتشمل طلاب المدارس الخاصة وطلاب الجامعات. وتطرح الظاهرة التي تشمل الجامعات الحكومية كما الجامعات الخاصة، تساؤلات حول مدى تأثير الدروس الخصوصية على جودة التعليم، فضلًا عن دلالاتها الاجتماعية والاقتصادية في ظل أزمة الثقة القائمة بين الطالب والمنظومة التعليمية. وفي يونيو/حزيران الماضي، تقدم عضو مجلس النواب، أشرف أمين، بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب، موجّه إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، محمد أيمن عاشور، لمناقشة تفشي الدروس الخصوصية، وما يمثله من تهديد لمنظومة التعليم الجامعي. في المقابل، يرى طلاب الجامعات الأمر بطريقة مختلفة، مؤكدين أن الدروس الخصوصية لا غنى عنها كونهم لا يتمكنون من فهم المواد خلال المحاضرات، ويشكون من اكتظاظ القاعات، وعدم اهتمام الأساتذة، وصعوبة المواد. تقول طالبة كلية التجارة، دينا عبد العزيز، إنها لم تكن تستوعب المحاضرات بسبب كثافة الأعداد داخل القاعات، ما دفعها للجوء إلى مركز دروس خصوصية للحصول على شرح أفضل لمواد مثل المحاسبة والإحصاء، كما كانت تعتمد على أحد أقاربها الذي كان يشرح لها مادة الاقتصاد بصورة مبسطة. بدوره، يؤكد طالب الطب أمجد خليل، أنه لم يشاهد إعلانات مباشرة لمراكز الدروس الخصوصية داخل الحرم الجامعي، لكنه يلجأ أحياناً إلى تلقي دروس خصوصية، خاصة في المواد العملية مثل التشريح والباثولوجي (علم الأمراض)، بسبب صعوبة التركيز خلال المحاضرات نتيجة كثافة الطلاب. ويضيف: "المحاضرات تقدم الأساسيات، لكنها غير كافية، بينما تساعد الدروس في تبسيط المعلومات، وتوفير مساحة أكبر للتواصل، ومع ذلك، تظل الكلية هي المصدر الأساسي للتعلم". وتشير هيا محمد، طالبة كلية الألسن، إلى أنها درست اللغة الإسبانية عبر دورة خاصة مع أحد معيدي الكلية، كما تعلمت اللغة التركية عبر تطبيق على الإنترنت، مؤكدة عدم رؤيتها إعلانات للمراكز التعليمية داخل الحرم الجامعي. وللأكاديميين رؤية مخالفة لرؤية الطلاب، إذ يرى أستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة، عاصم حجازي، أن "مجرد تداول فكرة الدروس الخصوصية بين طلاب الجامعة يمثل مشكلة، أما وجود إعلان صريح داخل الحرم الجامعي فهو جريمة تستوجب محاسبة المسؤولين عنها، فاللوائح تمنع وجود مثل هذه الإعلانات، والكلية والجامعة قادرتان على التعامل معها بحزم. الظاهرة تعكس مشكلة أكبر، وهي قبول أعداد تفوق قدرة الكليات، ما دفع الدولة إلى تقليل أعداد المقبولين في بعض الكليات، وتوجيههم نحو التعليم التكنولوجي كخيار أكثر ملاءمة للطالب والمجتمع". ويوضح حجازي لـ"العربي الجديد"، أن "انتشار الدروس الخصوصية يتركز في كليات بعينها نظراً لصعوبة المواد، أو طول المقررات، فضلاً عن كثافة الأعداد، ما يدفع الطلاب إلى البحث عن دعم خارجي، خاصة أولئك الذين اعتادوا على الدروس في المرحلة الثانوية. أسلوب المحاضرة قد يكون مناسباً للأعداد الكبيرة، لكنه لا يلبي احتياجات التعلم المتنوعة، ولا يراعي الفروق الفردية بين الطلاب، والحل الجذري يكمن في تفعيل نظام التعلم المدمج الذي يجمع بين التعليم التقليدي والإلكتروني، في ظل صعوبة توفير عدد أكبر من أعضاء هيئة التدريس أو توزيع الطلاب على قاعات إضافية". من جانبه، يؤكد المحاضر معتز عسال لـ"العربي الجديد"، أن "أي إعلان داخل الحرم الجامعي يستوجب موافقة رسمية من الإدارة، ومن غير المقبول وضع إعلان متعلق بمراكز دروس خصوصية. الأمر لا يتوقف عند كونه مخالفة، بل يؤشر إلى تورط بعض أعضاء هيئة التدريس في إدارة هذه المراكز الخاصة، وتشجيع الطلاب على الالتحاق بها. لجوء الطلاب إلى الدروس الخصوصية يرتبط بعوامل تنظيمية واجتماعية، مثل توقيت المحاضرات الذي لا يناسب الجميع، إضافة إلى ضعف بعض أعضاء هيئة التدريس، كما أن اعتماد المعدل (المجموع) معياراً وحيداً لاختيار المعيدين ليس كافياً، إذ يجب التأكد من قدرتهم على الشرح والتواصل الأكاديمي". بدورها، تشدد الأستاذة المساعدة لعلم الاجتماع في كلية التربية بجامعة عين شمس، أسماء محمد نبيل، على رفضها التام لانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية في الجامعات، معتبرة ذلك مخالفة للوائح، وأحد مظاهر الخلل الإداري. وتوضح لـ"العربي الجديد"، أن "ثقافة الاعتماد على التلقين منذ المراحل الدراسية المبكرة جعلت المركز التعليمي بديلاً عن المؤسسة الأكاديمية، ولا يمكن أيضاً تجاهل أن ضعف أسلوب الشرح، وعدم متابعة الأساتذة بسبب ازدحام المدرجات من بين أبرز الأسباب التي تدفع الطلاب إلى مصادر تعلم خارجية. الطالب هدفه الأساسي هو النجاح، بعيداً عن التفاعل الأكاديمي الحقيقي". وتؤكد نبيل أن "الحل يكمن في تقسيم الطلاب إلى مجموعات صغيرة لتفعيل أساليب التدريس الحديثة، وبالتالي يتقلص الاعتماد على المراكز الخاصة، وينبغي في الوقت نفسه العمل على ربط المناهج الجامعية بسوق العمل، والاهتمام بتطوير سبل الفهم والاستيعاب، ومراجعة أولويات التعليم العالي لضمان جودة المخرجات وربطها باحتياجات المجتمع".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية