المغرب... رهان على الموازنة لتلبية مطالب "جيل زد"
عربي
منذ يوم
مشاركة
  تتجه الأنظار إلى مشروع موازنة 2026 الذي تنكب الحكومة المغربية على إعداده، وسط تساؤلات حول إمكانية زيادة الإنفاق على القطاعات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والتشغيل، وإن أفضى ذلك إلى توسيع عجز الموازنة استجابة لمطالب "جيل زد" وعلى رأسها توفير فرص عمل. ورغم تأكيد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، الخميس الماضي، على ضرورة الحوار مع الشباب المحتجّ بهدف تناول الأولويات المستعجلة وعدم انتظار التدابير التي يمكن أن يتضمّنها مشروع موازنة العام المقبل، إلّا أن مطالب "جيل زد" قد تُفضي إلى بحث الحكومة عن هوامش موازنيّة لتمويل قطاعات اجتماعية. تعديل الموازنة أو توفير مخصصات يذهب الخبير في المالية العمومية، محمد الرهج، إلى أنه يمكن للحكومة، دون انتظار مشروع موازنة العام المقبل، اللجوء إلى تعديل موازنة العام الحالي، والسعي للحصول على موافقة البرلمان، إذ سيسمح لها ذلك بتحويل بعض المخصّصات الموجهة للاستثمار لتمويل الصحة والتعليم، بما يستجيب لانتظارات الشباب. ويشدد في حديث لـ"العربي الجديد" على أنه يمكن للحكومة في حال عدم اللجوء إلى تعديل مشروع الموازنة، العمل على توفير مخصصات مهمة في مشروع موازنة العام المقبل للقطاعات الاجتماعية، استجابة لمطالب الشباب والفئات الفقيرة والمتوسطة، التي تعاني من أجل الاستفادة من الخدمات العمومية الخاصة بالتعليم والصحة. وستعمد الحكومة إلى عرض مشروع قانون موازنة العام المقبل على البرلمان في الثلث الأخير من أكتوبر/تشرين الأول الجاري ليدخل حيّز التنفيذ في مطلع يناير من العام المقبل، بعد مناقشته من المؤسّسة التشريعية. وأثيرت في الفترة الأخيرة، خاصة مع الاحتجاجات التي تُنسب إلى "جيل زد"، مسألة تحسين خدمات المستشفيات والتغطية الصحية والتعليم، ما يقتضي ضخ إيرادات مالية جديدة في مشروع الموازنة أو إعادة توجيه الإيرادات. وقد التزم وزير الصحة والحماية الاجتماعية، الأربعاء الماضي، بإعداد مستشفيات جديدة وإعادة تأهيل القديمة منها، مؤكداً التوجه نحو زيادة عدد موظفي الصحة، من أطباء وممرضين، وهو ما سيتأتى عبر مخصّصات جديدة للأجور. ويرتقب أن يفضي اتخاذ تدابير لإصلاح قطاعَي الصحة والتعليم إلى خلق وظائف جديدة، علماً أن الحكومة ما فتئت تؤكّد سعيها لتقليص العجز عبر ضبط نفقات التسيير، خاصة تلك المتصلة بالأجور، والتوجه أكثر نحو إعادة انتشار الموظفين بين الإدارات التي تعرف فائضاً في الموارد البشرية وتلك التي تشهد خصاصاً. بطالة جيل زد لا يُخفي تركيز "جيل زد" على الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، تطلع الشباب بالمغرب للإفلات من فخ البطالة، في ظل عدم اقتراح الحكومة لبرامج للالتفاف على ضعف الذي لا يخلق ما يكفي من فرص العمل. ودأبت المندوبية السامية للتخطيط على التشديد على أن الاقتصاد الوطني يتسم بضعف الإنتاجية، التي تؤدي إلى سيادة العمل المنخفض الأجر، ذي المهارات الضعيفة، وغير اللائق. وتشدد على هيمنة الشغل غير الرسمي الذي يمثل حوالي ثلثي فرص العمل في الاقتصاد الوطني، غير أن تلك الفرص مرشحة للتراجع في ظل مطالب بتقليص حضور القطاع غير الرسمي في الاقتصاد الوطني. وذهب الاقتصادي إدريس الفينا في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن البطالة بين الشباب شكلت قنبلة موقوتة، حيث تؤرق الأسر، خاصة في سياق متسم بالحديث عن ضعف فرص العمل التي سيتيحها الاقتصاد مع توسع بعض القطاعات في استعمال الآلات والذكاء الاصطناعي. وتجلى الخطر الذي تشكله الأتمتة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في قطاع مثل مراكز النداء التي تشغل الشباب، حيث شرعت بعض تلك المراكز في تسريح وتقليص عدد العاملين لديها، حيث أضحت تعوضهم بالذكاء الاصطناعي. تلك وضعية لن تسلم منها قطاعات أخرى، خاصة في الصناعة، ما يهدد فرص عمل. استثمارات منخفضة الأثر ولم يكف مراقبون عن التذكير بضعف فرص العمل التي يوفرها الاقتصاد المغربي، حيث وصل معدل البطالة في العام الماضي إلى 13.3% وبين المتراوحة أعمارهم 15 و24 عاماً إلى 36.7%، وبين حاملي الشهادات إلى 19.6%. وفي الوقت الذي يؤكد بعضهم على ضعف منظومة التدريب وعدم استجابتها للفرص التي يتيحها سوق العمل، يشدد الفينا على أن عدم خلق عدد كاف من فرص العمل يعزى إلى ضعف الاقتصاد. ويراهن مراقبون على الاستثمارات التي تنجزها الدولة عبر الموازنة والشركات الحكومية. تلك استثمارات يفترض أن تحفز النمو وتنعش سوق العمل، حيث شهدت ارتفاعاً قوياً منذ الأزمة الصحية (كورونا في 2020)، حيث زادت بحوالي 10.5 مليارات دولار لتصل في موازنة العام الحالي إلى 34 مليار دولار. ويعول الاقتصاد المغربي كثيراً على الاستثمارات التي تنجزها الدولة عبر الموازنة والمؤسسات والشركات العمومية والجماعات المحلية، حيث تمثل حوالي ثلثي مجمل الاستثمارات في المملكة، بينما يساهم القطاع الخاص بحوالي الثلث، غير أن الاقتصادي إدريس الفينا، يلاحظ أن الاستثمارات العمومية، رغم مستواها المرتفع لا تؤدي إلى إنعاش سوق العمل. ويؤكد الاقتصاديان المغربيان عمر إيبورك والطيب غازي، في ورقة بحثية بعد الإعلان عن خريطة الطريق الحكومية، على ضرورة التوجه نحو تشجيع القطاعات الكثيفة التشغيل مثل الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الشركات والصناعات المحلية والخدمات والصناعات الغذائية. مخاطر عدم الانضباط المالي قبل الاحتجاجات الأخيرة، سُئل محافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، بمناسبة انعقاد مجلس تلك المؤسسة الفصلي في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، عن احتمال لجوء الحكومة في سياق الانتخابات التشريعية إلى زيادة حجم الإنفاق عبر الموازنة، فنبّه إلى مخاطر التراجع عن الانضباط المالي، مذكّراً بالتزامات المغرب تجاه المؤسّسات المالية الدولية، خاصة صندوق النقد الدولي الذي وفّر للمملكة خط ائتمان مرن، بقيمة 4.5 مليارات دولار، إذ يفترض الحفاظ على التوازنات الموازنية بين 3.5 و4% خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وحصر المديونية عند 65%. وتتزامن الاحتجاجات في المغرب مع زيارة بعثة من صندوق النقد الدولي من أجل تقييم المؤشرات الاقتصادية، إذ التقت، خلال إقامتها التي امتدت إلى غاية مطلع أكتوبر، بمسؤولين حكوميين ومحافظ البنك المركزي ومسؤولين في اتحادات عمالية وممثلين لرجال الأعمال. وعلى عكس ما ذهب إليه محافظ البنك المركزي، يرى محمد الرهج أنّ التوسّع في الإنفاق على القطاعات الاجتماعية قد يأتي بمباركة من صندوق النقد الدولي، على اعتبار أنّ الاستقرار الاجتماعي والسياسي له الأولوية على استقرار الإطار الماكرو اقتصادي. ويشدد على أن الصندوق سبق له أن غضّ الطرف عن توسيع العجز في بعض البلدان التي واجهت صعوبات لتمويل بعض النفقات الملحة، رغم نجاحها في تطهير ماليتها في السابق وتحقيق التوازنات الماكرو اقتصادية. ويتصوّر أن الوضعية الحالية قد تدفع الحكومة إلى إعادة النظر في فرضيات الموازنة وأهدافها، خاصة تلك الرامية إلى تقليص عجز الموازنة إلى حوالي 3% من الناتج الإجمالي المحلي بعد 3.5% المتوقعة في العام الحالي. ولن ينحصر الاهتمام بالتدابير التي قد تهم قطاعات اجتماعية عبر الموازنة، بل سيجري التركيز كذلك على التدابير الجبائية التي ستتخذها الحكومة في سبيل بلوغ أهداف العدالة الاجتماعية، خاصة في ظل التوجه الذي سبق التعبير عنه لتقليص مخصّصات الدعم، وإعادة النظر في الضريبة على القيمة المضافة، لما لذلك من تأثير سلبي على القدرة الشرائية للأسر في حال عدم تعزيز شبكات الأمان الاجتماعية. ويؤكد الرهج أنّه يتوجب الانخراط في إصلاح جبائي حقيقي ومواكبة الأجور للتضخم، مشدّداً على ضرورة خفض الضغط الجبائي عبر العدالة على مستوى ضريبة الدخل، وتسخير الضرائب غير المباشرة لدعم القدرة الشرائية للأسر، خاصة بالنسبة لبعض السلع والخدمات الأساسية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية