انتخابات مجلس الشعب السوري: بين دعوات المقاطعة وحلم التغيير
عربي
منذ 3 أيام
مشاركة
فتحت مراكز الاقتراع في المحافظات السورية أبوابها صباح الأحد، في أول انتخابات لمجلس الشعب تجرى بعد سقوط نظام الأسد، وسط أجواء مشوبة بالتوجس والترقب. ففي دمشق، بدت الحركة متفاوتة أمام بعض المراكز، حيث لوحظ حضور كثيف لأعضاء الهيئات الانتخابية وبعض الشخصيات السياسية والإعلامية، بينما سجلت مراكز أخرى ازدحاماً لافتاً مع بدء عملية التصويت. ومع افتتاح الصناديق، بدا أن السوريين يتعاملون مع التجربة الجديدة في انتخابات مجلس الشعب بحذر، مع مزيج من التفاؤل والريبة، في ظل سنوات طويلة من الصراعات والتحديات التي عصفت بالبلاد. تصريحات رسمية ودلالات المرحلة الانتقالية أكد الرئيس أحمد الشرع أن مهمة بناء سورية ليست مسؤولية شخص واحد أو مجموعة محددة، بل هي واجب جماعي يشارك فيه جميع السوريين، معتبراً أن الانتخابات الجديدة تمثل محطة مهمة لترسيخ المشاركة الوطنية في البلاد. وخلال اطلاعه على سير العملية الانتخابية في مركز المكتبة الوطنية بدمشق، أشار إلى أن سورية تمكنت خلال الأشهر السبعة الماضية من إنتاج هذا العمل الانتخابي الكبير والدخول في عملية انتخابية رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، واصفاً العملية بأنها متوسطة عملياً ومتناسبة مع المرحلة الانتقالية. وأشار الشرع إلى أهمية التشارك بين السوريين في هذه اللحظة التاريخية الحساسة، موضحاً أن الانتقال من مرحلة الحرب والفوضى والدمار إلى مرحلة تشهد انتخابات ومشاركة عامة يعكس قدرة السوريين على تجاوز التحديات وبناء مستقبل جديد. وأكد أن هذا التشارك يضمن تمثيل خيرة أهل سورية في مجلس الشعب، ليتولى النواب مناقشة التفاصيل المهمة التي لا تزال معلقة، بما في ذلك القوانين والموازنات التي تحتاج إلى تصويت عاجل. وأضاف أن هناك أشياء كثيرة معلقة تحتاج إلى أن نمضي بها قدماً، معتبراً أن الهدف هو ملء الفراغ التشريعي وتسريع دورة القوانين بما يواكب الاحتياجات الوطنية. وشدد على ضرورة أن يكون لأعضاء المجلس دور رقابي فعال على الحكومة، معبراً عن أمله في أن يكون المجلس الجديد فاتحة خير على سورية، ويمثل خطوة جبارة نحو المستقبل، ومؤكداً قدرة السوريين التاريخية على الإنجاز وابتكار حلول جديدة في المرحلة القادمة. وقال المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب، نوار نجمة، إن نحو ستة آلاف ناخب من الهيئات الانتخابية أدلوا بأصواتهم في ستين دائرة موزعة على المحافظات، موضحاً أن النتائج الأولية بدأت بالظهور في بعض الدوائر، وسيتم إعلان الأسماء الفائزة لاحقاً خلال مؤتمر صحافي رسمي. أجواء دمشق بين الحماس والحذر في دمشق، بدا الحديث عن المجلس الجديد أكثر تفاؤلاً لدى المرشحين. وأكد رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب محمد الأحمد أن مراكز الاقتراع في دمشق وكل المراكز بالمحافظات شهدت عملية تفقد منذ الصباح لصناديق الاقتراع ومغلفات الأوراق الانتخابية والغرف السرية، بهدف ضمان سير عملية انتخاب أعضاء مجلس الشعب بشكل نزيه وشفاف. ولفت الأحمد في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن العملية الانتخابية تسير على قدم وساق وبسلاسة، وأن السوريين فخورون برؤية أول تجربة حقيقية لاختيار ممثليهم في مجلس الشعب. وفي وقت لاحق، عقب انتهاء المدة المحددة لانتهاء عملية الاقتراع عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، أعلن رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تمديد عمليات الاقتراع في دمشق والمدن الكبرى في بعض المحافظات، فيما انتهت عمليات الاقتراع بريف دمشق وعدد من المراكز الأخرى في المحافظات، مما يعكس محاولة لضمان مشاركة أوسع للمواطنين ومنح الجميع فرصة ممارسة حقهم الانتخابي. بدورها، اعتبرت الناشطة الإعلامية رزان أمين أن ما يجري حدثٌ تاريخي مهم بالنسبة لسورية، من خلال انتخاب برلمان يمثلها بطريقة مختلفة عن السنوات الماضية ويعطي دفعة إلى إعادة الإعمار وبناء المستقبل الأفضل. وأوضحت أن نحو خمسمئة مرشح من دمشق وحدها تقدموا للمنافسة، ما يعكس اهتماماً كبيراً بالمشاركة رغم الأوضاع الراهنة. أما الناخب محمد ياسر حلاوة فقال لـ"العربي الجديد" إن الانتقال من مجلس التصفيق إلى مجلس الكفاءات يمثل خطوة جوهرية، إذ يضم المجلس سوريين لديهم رؤية واضحة لمستقبل البلاد، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن ملف العدالة الانتقالية يجب أن يكون أولوية لإعادة الحقوق ومحاسبة المجرمين. من جهته، رأى المحامي فهد زعيتي أن المجلس الجديد مطالب بالتشريع والرقابة وإعادة بناء مؤسسات الدولة، خصوصاً في ما يتعلق بالاقتصاد وإعادة الإعمار وتمكين المرأة وحوكمة المؤسسات العامة. وعلى الجانب الاقتصادي، شدد الصناعي الدمشقي هيثم سقرجي على أهمية دعم الصناعة الوطنية وحمايتها من التحديات الراهنة، وتعزيز الاقتصاد الداخلي من خلال سن قوانين وتشريعات تتناسب مع المرحلة الحالية. وأضاف لـ"العربي الجديد" أن المجلس الجديد يجب أن يمنح أولوية للقطاع الصناعي، ويساعد على إعادة تشغيل المصانع وتوفير فرص العمل، بما يضمن توازناً بين التنمية الاقتصادية والمصالح الوطنية. بين المقاطعة والمشاركة: انقسامات في المحافظات في حمص، بدت الأجواء أكثر اختلاطاً، حيث انقسم الرأي بين من يرى أن المشاركة واجب وضرورة، ومن يعتبر الانتخابات شكلية. وقال أيمن الطويل، موظف سابق في القطاع العام، إن المشاركة واجبة لإعادة الحياة السياسية ولو بالحد الأدنى، لكن الناس فقدت ثقتها بالتمثيل، والتغيير الحقيقي يتطلب صلاحيات فعلية للمجلس وليس فقط أسماء جديدة. على الطرف المقابل، قالت سمر الأتاسي، ناشطة مجتمعية من حي الوعر لـ"العربي الجديد"، إن الانتخابات شكلية، والناخبين الحقيقيين مغيبون عن المشهد، وحمص التي دفعت ثمناً باهظاً للحرب تحتاج أولاً إلى مصالحة مجتمعية قبل صناديق الاقتراع. أما في اللاذقية والساحل السوري، فقد جرت الانتخابات في المراكز المعلنة في محافظتي طرطوس واللاذقية من دون حوادث أمنية تذكر، وسط استنفار أمني واسع رافق فترة الاقتراع. وقال الطبيب زين مهنا من مدينة جبلة إن تشكيل مجلس الشعب ضروري، ويجب الإسراع به لأن كثيراً من الأمور المتعلقة بعمل الدولة ومراسيمها معلقة دستورياً بقرارات المجلس. وأضاف أن آلية تشكيل المجلس ليست الأفضل أو الأكثر ديمقراطية، غير أن الأوضاع الراهنة لا تسمح بغير هذا الشكل. وعن دعوات المقاطعة، اعتبر مهنا أنها غير ذكية، فحصة الفئات المختلفة محفوظة في المجلس التشريعي. على الجانب الآخر، رأت ميس فارس، ناشطة من ريف جبلة، أن الانتخابات إجراء غير شرعي تتجاوزه حكومة انتقالية غير شرعية، تعين سلطة تشريعية ورقية بصمت شعبي وضعف ثقافة سياسية. وأضافت لـ"العربي الجديد" أن المرحلة الانتقالية تغرز سكيناً جديداً في كلمة الديمقراطية، لتعلن أمام العالم أن ما يجري ليس انتخابات شعبية بل تعيينات مغلفة. مشاهد من إدلب ودرعا وحمص... بين الأمل والمراقبة في إدلب، شهدت المراكز الانتخابية حضوراً واسعاً لأعضاء الهيئات الناخبة، مع تنظيم سلس وشفافية واضحة في الصناديق والبطاقات. وقال حسان ربيع، عضو اللجنة من المحافظة لـ"العربي الجديد"، إن العملية الانتخابية تجري بسلاسة تامة، من دون أي صعوبات تذكر، واصفاً الأجواء بأنها مهيأة لضمان حقوق الناخبين وسهولة تسجيل العملية الانتخابية. المرشح عبد الرزاق عوض تحدث عن أجواء رائعة حلمنا بها خلال سنوات الثورة، والمنافسة كانت شريفة، والهدف هو تغيير الذهنية داخل المجلس لبناء الوطن وإعادة الإعمار وتذليل الصعوبات. وفي محافظة درعا، أكد المحافظ أنور الزعبي، عقب اطلاعه على واقع العملية الانتخابية في المركز الثقافي العربي بمدينة درعا، أن هذه أول انتخابات لمجلس الشعب بعد سقوط النظام السابق، معبراً عن أمله في أن يلبي المجلس الجديد تطلعات الشعب السوري. وأشار الزعبي إلى أن الحضور كان مميزاً والأجواء تنافسية، والمرشحون أمام مسؤوليات كبيرة، والشعب يتطلع إلى إبراز أفضل المرشحين لينقلوا هموم المواطنين إلى المجلس، وأيضاً إبراز الكفاءات لسن قوانين جديدة تخدم الوطن. ورغم الجدل الواسع حول شرعية الانتخابات وآليتها، يلتقي معظم من تحدثوا لـ"العربي الجديد" على أن البلاد تقف أمام مفترق طرق حاسم: بين من يرى في المجلس الجديد بوابة للتغيير، ومن يراه واجهة جديدة لسلطة قديمة بثوب مختلف، فيما تبقى المراقبة الأمنية والتنظيمية للانتخابات محور متابعة حثيثة محلياً ودولياً. وفي حمص، أوضح عضو الهيئة الناخبة سامر السليمان لـ"العربي الجديد" أنه بالنسبة لعملية الشفافية في الانتخابات اليوم، كان الأمر مضبوطاً جداً، بدءاً من تسجيل أسماء الناخبين في قاعة الانتظار وتسلّم البطاقة الانتخابية بعد تسليمهم جهاز الموبايل أو أي جهاز ذكي، بعدها الدخول إلى الغرف السرية وتصوير الصناديق في أماكن واضحة وشفافة، مؤكداً أن العملية سلسة. وأضاف: "في مركز المدينة أخذت العملية وقتاً طويلاً، وكان هناك تذمر بسبب هذا الأمر واضطر البعض إلى الانتظار أكثر من ساعة للتصويت، أما باقي الأمور فكانت جيدة ولم نواجه أي عراقيل. مجلس الشعب.. النظام الانتخابي وشروط الترشح ومن بين مئتين وعشرة مقاعد في مجلس الشعب السوري، سيتم انتخاب مئة وأربعين عضواً عبر نظام مجمع انتخابي قائم على الدوائر، حيث تختار لجان محلية مؤلفة من شخصيات أكاديمية ومجتمعية أعضاء المجلس، بينما سيتم تعيين سبعين عضواً متبقياً من قبل رئيس الجمهورية. وحدد المرسوم الخاص بالانتخابات شروط الترشح لتشمل أن يكون المرشح سوري الجنسية قبل الأول من مايو/ أيار 2011، ومسجلاً في السجل المدني ضمن دائرته الانتخابية أو مقيماً فيها لمدة خمس سنوات متتالية قبل عام 2011. كما يشترط أن يكون المرشح متمتعاً بالأهلية القانونية، وأتم الخامسة والعشرين من العمر، وذا حسن سيرة وسلوك، وألا يكون محكوماً عليه بجناية أو جرم مخل بالشرف، باستثناء القضايا ذات الطابع السياسي أو الأمني، وألا يكون قد ترشح في الانتخابات الرئاسية بعد 2011. كما تضمنت الشروط ألا يكون المرشح عضواً سابقاً في مجلس الشعب أو مرشحاً له بعد 2011 إلا إذا أثبت انشقاقه، وألا يكون داعماً للنظام السابق أو لأي تنظيمات مصنفة إرهابية، وألا يكون من دعاة الانفصال أو الاستقواء بالخارج، وألا يكون منتسباً للقوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية، وألا يشغل منصب وزير أو محافظ أو نائب أو معاونه، مع الالتزام بأحكام الإعلان الدستوري. وينص المرسوم على أن الحاصلين على مؤهلات جامعية ينتمون إلى فئة الكفاءات، بينما الشخصيات ذات التأثير الاجتماعي والنشاط المجتمعي تنتمي إلى فئة الأعيان. ويجب أن تكون نسبة الكفاءات سبعين في المئة، ونسبة الأعيان ثلاثين في المئة، مع مراعاة التنوع المجتمعي والتوزع السكاني داخل كل دائرة، وتمثيل المهجرين داخلياً وخارجياً، إضافة إلى تخصيص نسبة لا تقل عن عشرين في المئة للنساء في الهيئة الانتخابية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية