
عربي
من وقت لآخر يحلو لبعض بائعي الوهم وغيرهم أن يقفزوا إلى نتيجة أو نبوءة قمة في الكوميديا، وهي أن انهيار الدولار في الأسواق العالمية بات على الأبواب، ويجزمون بقرب نهاية أسطورة العملة الأميركية بوصفها ملاذاً آمناً، ويؤكدون وكلهم ثقة يحسدون عليها أن تهاوي الاقتصاد الأميركي اقترب بشدة، وأنّنا نشاهد حالياً إفلاس الموازنة الأميركية رأي العين، وأنّ سياسات دونالد ترامب خربت الاقتصاد الأميركي وعجلت بنهايته، وأن الاقتصاد الصيني وعملته اليوان سيقودان الاقتصاد العالمي في المستقبل المنظور، وأن المستقبل بات للعملات الرقمية والذهب، وأن عالم الغد لا توجد فيه الورقة الخضراء.
بل تزداد الكوميديا حينما يقدم هؤلاء نصيحة من عينة " تخلصوا من الدولار على الفور قبل خسارة كل مدخراتكم"، وينصحون حكومات العالم بسحب أموالهم "من البنوك الأميركية واستثماراتهم من أدوات الدين والسندات الغربية قبل التعرض لمخاطر شديدة، فهي باتت بلا ضمانة من الحكومة الأميركية المفلسة" على حد زعمهم.
لا ينكر أحد أن الثقة بالدولار اهتزت بشدة في السنوات الأخيرة، وتزعزعت تلك الثقة أكثر في فترة ترامب الثانية، وأن هناك اقبالاً محموماً من البنوك المركزية حول العالم على شراء الذهب وتنويع احتياطيات الدول من النقد الأجنبي، وأن هذه البنوك أضافت 15 طناً من الذهب إلى احتياطياتها خلال أغسطس/آب 2025، وأكثر من 1046 طناً خلال العام الماضي بقيمة تجاوزت 96 مليار دولار.
لا ينكر أحد أن الثقة بالدولار اهتزت بشدة في السنوات الأخيرة، وتزعزعت أكثر في فترة ترامب الثانية، وأن هناك اقبالاً محموماً من البنوك المركزية على شراء الذهب وتنويع الاحتياطيات
ولا أحد ينكر أن الاقتصاد الأميركي يمرّ بأزمة مالية حادة في ظلّ قفزة رقم الدين العام لما يقرب من 37 تريليون دولار، وأن إغلاق الحكومة الأميركية أحد ملامح تلك الأزمة، خاصة وأن الإغلاق في حد ذاته يهز ثقة المستثمرين حول العالم في أدوات الدين الأميركية، ويكبد اقتصاد الولايات المتحدة خسارة تبلغ 15 مليار دولار أسبوعياً، وأن العالم بات ينفر من السياسيات الاقتصادية لترامب ورسومه الجمركية وحروبه التجارية الشرسة، ودخوله في صدام مع كل الشركاء التجاريين، لا سيّما الداعمين له مثل الاتحاد الأوروبي واليابان والهند.
وصحيح أيضاً أن سعر الدولار خسر نحو 11% من قيمته منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وأن هناك مخاطر متزايدة تلاحق الاقتصاد الأميركي ومنها؛ التضخم والتباطؤ والركود وربما الكساد، وأن هذا الاقتصاد يواجه ضغوطاً جديدة مع تراجع قطاع الخدمات إلى أدنى مستوى منذ 2020، وأن هناك أزمة بين ترامب والبنك الفيدرالي، ومشاكل كبيرة في سوق العمل حيث بطالة طويلة الأمد وسوق عمل يزداد هشاشة.
كل ذلك وغيره صحيح، لكن في المقابل يجب أن نعيد التذكير بمؤشرات وحقائق قد تدفع هؤلاء وغيرهم إلى إعادة النظر في ما يذهبون إليه من نبوءات تصل إلى أحلام يقظة، أولى تلك المؤشرات أن الاقتصاد الأميركي لا يزال الأقوى عالمياً بحجم ناتج محلي يتجاوز 30.5 تريليون دولار، وأن الولايات المتحدة لا تزال أكبر مستقطب للأموال والاستثمارات الأجنبية، وأنها مركز صناعة المال والبورصات والتجارة حول العالم، وهي ثالث أكبر مصدّر في العالم بصادرات تفوق 275 مليار دولار شهرياً في المتوسط.
من الطبيعي أن يمرّ الاقتصاد الأميركي الضخم بأزمات وتحديات شأن كل اقتصادات العالم، بما فيها الصيني والياباني والهندي، وإغلاق الحكومة الأميركية لا يمثل كارثة، فمنذ عام 1980، شهدت تلك الحكومة 15 إغلاقاً، وانهيار هذا الاقتصاد يعني انهيار الاقتصاد العالمي برمته، فدول العالم تستثمر أموالها واحتياطياتها وأصولها الدولارية لدى الولايات المتحدة في صورة سندات وأذون خزانة أو ودائع واستثمارات مباشرة.
تهاوي الدولار قادم لا محالة، فبعد نحو 80 عاماً بدأت هيمنته تتآكل مع اهتزاز ركائز الاقتصاد الأميركي وفقدران ثقة مستثمرين في الولايات المتحدة... لكن متى يحدث ذلك؟
والصين كانت تستثمر لوحدها ما يزيد عن التريليون و320 مليار دولار في سندات الخزانة الأميركية في عام 2011، لكن هذا الرقم تراجع تدريجيًا وبشدة ليصل إلى 756.3 مليارًا في مايو/أيار 2025، بانخفاض قدره 563.7 مليار دولار، يُمثّل تراجعًا نسبته 42.7% من أعلى مستوياتها.
على مستوى الدولار، فإنّ بعض الحكومات الأميركية تتعمد إضعافه بهدف إحداث طفرة في إيرادات الصادرات والسياحة والاستثمارات الخارجية، ورغم كل ما يجري للدولار إلّا أنه لا يزال عملة التسعير الأولى حول العالم، سواءً للسلع والأغذية وأنشطة التجارة أو المعادن والطاقة سواء النفط والغاز، والبنوك المركزية لا تزال تتمسك بالدولار، إذ يمثل ما يقرب من 60% من سلة الاحتياطيات النقدية، مقابل 20% لليورو و6% للين، و5% للإسترليني و2% لليوان. ولا يزال الدولار يُستخدم في نحو 80% من تمويل التجارة الدولية، وطرفاً في 88% من معاملات الصرف.
تهاوي الدولار قادم لا محالة، فبعد نحو 80 عاماً بدأت هيمنته تتآكل مع اهتزاز ركائز الاقتصاد الأميركي وفقدران ثقة بعض كبار المستثمرين في رشادة سياسات الولايات المتحدة ودرجة الأمان والمخاطر بها... لكن متى يحدث ذلك، وهل في القريب العاجل كما يردد البعض؟
لن تتحقق تلك النبوءة في القريب العاجل كما يذهب البعض، لكن يد يحدث ذلك بعد سنوات أو عقد من الزمن وربما عقدين أو أكثر.

أخبار ذات صلة.

6 مشروبات تُخفض مستويات السكر في الدم
الشرق الأوسط
منذ 6 دقائق

«كونسيساو»: جئت لصناعة المجد مع الاتحاد
الشرق الأوسط
منذ 7 دقائق