
عربي
تتجه أسعار النفط الخام إلى مزيد من الانخفاض مع تزايد المخزون العالمي منه وتوجه تكتل أوبك+ إلى تسريع وتيرة زيادة الإنتاج. قد تبدو هذه الأخبار جيدة بالنسبة للمستهلكين خاصة في العالم الغربي قبل قدوم الشتاء البارد وما يترافق معه من احتياجات التدفئة، لكنها ليست كذلك بالنسبة للمنتجين، خاصة في المنطقة العربية، حيث تعتمد استمرارية كثير من البرامج التنموية والإنفاق الحكومي على مستوى محدد لأسعار الخام، وأي انخفاض دونه قد يؤدي لتقليصها أو الاستدانة لتمويلها.
الأرقام الحديثة تشير إلى أنه في سبتمبر/أيلول الماضي، ضخ أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) 400 ألف برميل إضافي يومياً في الأسواق، متجاوزين بذلك الخفض الطوعي الذي تبنته أوبك وحلفاؤها ضمن ما يعرف بأوبك+ في عام 2023 والذي بلغ 2.2 مليون برميل يومياً. كان الهدف من ذلك الخفض الطوعي استعادة الهيبة المفقودة لآلية العرض والطلب في الأسواق، لكن ذلك لم يحدث، فتراجع المنتجون للحصول على نفطهم الحبيس، لكن زيادة الإنتاج وارتفاع المخزون العالمي يهيئان أسواق النفط لتخمة كانت متوقعة على نطاق واسع، لكنها لم تكن متوقعة بهذه السرعة وعلى مدى زمني قد يطول.
وحسب التقرير الأخير لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، فإن الطلب العالمي على النفط سيظل دون تغير كبير في ما تبقى من العام الجاري، وخلال العالم المقبل، قد يزيد الطلب في حدود 700 ألف برميل يومياً، وهو رقم زهيد بالنسبة لحجم الإنتاج. وفي الوقت نفسه، يشير التقرير إلى أن المخزونات العالمية قد واصلت ارتفاعها في يوليو/تموز الماضي، إذ أضافت 26.5 مليون برميل في ذلك الشهر، ما رفع إجمالي الزيادة في هذه المخزونات منذ بداية العام إلى 187 مليون برميل.
في ظل زيادة المعروض واستقرار الطلب أو ضعفه، تشير التوقعات إلى مزيد من التراجع للأسعار. وحسب هيئة معلومات الطاقة الأميركية، وهي هيئة حكومية، فإن سعر الخام سينخفض من مستوى 65 دولاراً لخام برنت في تعاملات أكتوبر/تشرين الأول إلى حدود 59 دولاراً أثناء الربع الأخير من العام ليواصل تراجعه إلى حدود 50 دولاراً في العام المقبل.
"مُبالغ فيها"
رغم ذلك، يصعب التسليم بأن هذه التوقعات هي تحصيل حاصل، فالنفط وهو أهم سلعة استراتيجية، يظل رهناً بالتطورات الجيوسياسية أكثر من حكمة الأسواق وتوقعات خبرائها. ففي إبريل/نيسان الماضي وغداة إعلان الرئيس الأميركي رسومه الجمركية تحت مظلة ما وصفه بيوم التحرير، تراجعت أسعار خام برنت القياسي إلى 62 دولاراً للبرميل، لكنها عادت وقفزت بأكثر من عشرة دولارات إثر الحرب بين إيران وإسرائيل التي استمرت 12 يوماً.
ويرى خبير اقتصاديات النفط العالمية ممدوح سلامة، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن هذه المخاوف من وجود تخمة في الأسواق تؤدي لانهيار الأسعار مبالغ فيها. مشيراً إلى أن وكالة الطاقة الدولية وتجار النفط والسياسات الأميركية هم من يقف وراءها، مضيفاً: "أعتقد أنه ليست هناك أي تخمة في الأسواق، بل الحديث يزداد عن نقص مستقبلي في إمدادات النفط ما بين الآن وعام 2027 نتيجة إلى وصول إنتاج النفط الصخري الأميركي إلى ذروته في عام 2023، ومن ثم تراجعه وارتفاع أسعار إنتاجه قياساً بسعر السوق الراهن، إضافة إلى أن دولاً من خارج أوبك، مثل البرازيل والنرويج، تستهلك كل إنتاجها محلياً".
ورغم أن الأرقام تشير إلى أن أوبك وحلفاءها قد بدأوا بالفعل في ضخ مزيد من الخام إلى الأسواق، فإن سلامة يشير إلى أن هذا ليس السبب الرئيسي في انخفاض الأسعار، ويعزو الانخفاض المتواصل بدلاً من ذلك إلى قرار زيادة الإنتاج وليس حجمه: "نظرة السوق إلى قرار أوبك الخاطئ ضخ كميات ولو صغيرة إلى الأسواق، إضافة إلى الظروف الفوضوية في الأسواق العالمية الناتجة عن سياسات ترامب المتعلقة بالتعرفات الجمركية والعقوبات الدولية".
تداعيات إقليمية
وبمعزل عن أسباب انخفاض الأسعار، فمن المؤكد، حسب تقديرات كثيرة، أنه سيكون لها تداعيات إقليمية خاصة على دول الخليج العربية حيث تمثل عائدات النفط والغاز 60% من المداخيل العامة و70% من عائدات الصادرات. في مايو/أيار الماضي، أصدرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تقديراً عن تداعيات انخفاض الأسعار على اقتصادات دول الخليج، رجح أن التأثير سيكون مختلفاً حسب مستوى الانخفاض. لكنه أشار إلى أنه في حال انخفاض السعر إلى 65 دولاراً للبرميل (وهو ما يحدث الآن)، فإن ميزانيات دول التعاون الخليجي الست ستظل في حالة فائض ما عدا السعودية والبحرين وعمان التي ستسجل عجزاً طفيفاً. أما إذا تدهور السعر إلى مستوى 45 دولاراً للبرميل، فمن المرجح أن تواجه الدول الست عجزاً في موازناتها إذا لم تخفض الإنفاق أو تبحث عن مصادر إضافية لتعزيز الإيرادات.
أما صندوق النقد الدولي، فقد توقع في إبريل الماضي أن يؤثر انخفاض أسعار النفط سلباً على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة التي تعتمد على النفط بشكل رئيسي، مشيراً إلى احتمال تراجع معدلات النمو بنسبة 1.7% لتصل إلى 2.3%.
لكن مديرة الصندوق كريستالينا غورغييفا عدلت تلك التوقعات في اجتماعها مع وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية في الدول الست في الثاني من أكتوبر الجاري، مشيرة إلى أن السيناريو الأسوأ يرتبط بانخفاض أسعار النفط إلى 40 دولاراً للبرميل، وفي تلك الحالة، يُتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي بمقدار 1.3 نقطة مئوية. ومع ذلك، يُتوقع أن يظل النمو الاقتصادي في المنطقة إيجابياً، مدعوماً بالاستثمارات في القطاعات غير النفطية وزيادة إنتاج الغاز الطبيعي.
ويرى الخبير النفطي ممدوح سلامة أن الغالبية العظمى من أعضاء أوبك يحتاجون إلى سعر لا يقل عن 85 دولاراً للبرميل لتعادل ميزانياتهم: "ما يحدث الآن هو أن سعر النفط، وهو 65 دولاراً، هو أقل بنسبة 24% من الحد الأدنى الذي تحتاجه غالبية الأعضاء". ويقول سلامة إن دول الخليج، وهي قلب أوبك، "مضطرة للاستدانة بشكل كبير، خاصة السعودية ودولة الإمارات، ورغم ما يقوم به البلدان من تطوير لاقتصادهما بشكل سريع، فإن النفط يظل هو الرافد الأساسي للاقتصاد الذي يمول مشروعات التطور والتحديث".
لا تقتصر فاتورة انخفاض النفط على ما ستتحمله الاقتصادات الوطنية في الخليج، فعوائد النفط لا تقتصر على الاستثمارات الخليجية، لكنها تمتد لتمول وتدعم مشاريع إقليمية وقت الحاجة مثل إعادة إعمار لبنان، ودعم مصر في أزمتها الاقتصادية، وإعادة إعمار غزة في حال توقف إسرائيل عن حربها على القطاع، وإعادة إعمار سورية.
رغم ذلك، تشير التقديرات إلى أن معظم دول الخليج استفادت من الدروس المستخلصة من صدمة النفط في عام 2015. إذ ارتفعت الإيرادات غير النفطية بمقدار أربع نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي منذ ذلك الحين، ولا يزال الزخم إيجابياً. وحتى إذا انخفضت أسعار النفط بشكل أشد من المتوقع في عامي 2025-2026، فقد يساعد هذا التقدم تلك الدول على تجنّب الاضطرار للاختيار بين الحفاظ على استدامة المالية العامة ودعم برامج تنويع الاقتصاد.

أخبار ذات صلة.

عاما إبادة غزة يهزّان صورة إسرائيل في الغرب
العربي الجديد
منذ 11 دقيقة

شمال سيناء شاهدة على عامين من حرب غزة
العربي الجديد
منذ 11 دقيقة