عربي
ستة أيام من الغليان في شوارع المدن المغربية، بين احتجاجات شبابية يقودها شباب مغاربة سمّوا أنفسهم حركة GENZ212 بدأت من الرباط والدار البيضاء، كبريي مدن المغرب، وبعدد قليل يومي السبت والأحد، قابلتهم السلطات بمنع كل الأشكال الاحتجاجية وعدم منح تراخيص للوقفات، ثم توقيفات واعتقالات بالجملة شابها عنف وضرب ودهس أيضًا في مدينة وجدة.
مشاهد الأيام الأولى من الاحتجاجات التي شاهدها المغاربة وكل العالم على الشاشات وصفحات التواصل الاجتماعي أوحت بوجود حالة طوارئ غير مسبوقة في البلاد رغم أن الأمر ليس كذلك، وخلقت حالة احتقان مجتمعي لم يكن ليُخلقَ وفق مراقبين ومتابعين لو لم يحدث "عنف من بعض عناصر الأمن مفرط" ضد فتيان وفتيات نزلوا إلى الشارع بشكل سلمي يطالبون بإصلاح اجتماعي شامل.
إن الاحتجاج ليس أمرًا جديدًا أو فعلًا خارجًا عن القانون، بل هو فعل سياسي يقوم به الشعب أو جزء من الشعب ضد السلطة الحاكمة ويُعبّر فيه عن انتقاده وسخطه على تدبير الحكومة الملفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تهمُّه، والعادة في الاحتجاج، أنّه يكون مؤطرًا ومنظمًا وله جهة مسؤولة عنه تتبنى كل الخطوات وتعلن للحكومة والرأي العام عن مطالبها وخطواتها قبل أن تقوم بالفعل الاحتجاجي، هذا في الشكل الكلاسيكي للاحتجاج، لكنّنا اليوم لسنا في عصر الكلاسيكيات.
وعي سياسي واختلافات اجتماعية والهدف واحد
فوجئ عدد كبير من المغاربة، ومنهم كاتب هذه السطور، بالطريقة التي جرت عبرها الدعوة للوقفات السلمية يومي السبت والأحد، حيث المجموعة الرئيسية لهؤلاء الشباب ليست في مواقع التواصل الاجتماعي المعتادة مثل فيسبوك وإنستغرام أو حتى واتساب، بل في تطبيق "Discord ديسكورد" الذي لا يعرفه الكثيرون، ومن هناك وعبر محادثات جماعية جرى التنسيق والتعبئة وحشد الجماهير والاتفاق على الخروج إلى الشارع تحت مسمى واحد هو "GENZ212"، لتُنشأ بعدها مجموعة خاصة على فيسبوك ووضع رابط تطبيق ديسكورد وانضمام أعضاء جدد وتوسعت رقعة المشاركين وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية والمجالية.
بين الوعي السياسي الواسع وآخر محدود، وبين خلفية اجتماعية مثقفة وميسورة الحال ماديًا وأخرى ليست كذلك، اختلفت طبيعة شباب "جيل زد" المغاربة، وبرزت هذه الاختلافات بشكل واضح في تصريحاتهم وفي هيئاتهم وفي أشكالهم الاحتجاجية، ما يعني أن مختلف الشرائح المجتمعية في المغرب معنية بهذا الحراك، واتفقوا على شيء واحد هو إسقاط الفساد في البلاد، وإصلاح شامل للنظام السياسي، إضافة إلى إصلاح مستعجل لقطاعات اجتماعية حيوية أبرزها قطاع الصحة وقطاع التعليم.
أرقام سوداء ومقلقة حول كلفة الفساد
بلغة الأرقام، يكلف الفساد في المغرب ثمنًا باهظًا يقدر بنحو 50 مليار درهم مغربي سنويًا "أي حوالي 5 مليارات دولار أميركي"، وهو ما يمثل نسبة تتراوح بين 3.5% و6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وفق ما تؤكده الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في تقاريرها، وهي تتوافق نسبيًا مع تقديرات مؤسسات دولية أخرى، كالبنك الدولي الذي قدّر أن تكلفة الفساد في المغرب بنحو 2.5% من الناتج الإجمالي المحلي، ما يسبب بشكل مباشر ضعفًا في النمو الاقتصادي، ويحرم المغاربة من الاستفادة من عدة مشاريع وفرص لتحسين وضعهم الاجتماعي.
كثيرة هي الأرقام السوداء والتقارير السوداء حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي في المغرب، سواء الحاضر أو المستقبلي، ولن يكفينا المقال لتشريح هذا الوضع وتفصيل معطياته الدقيقة، وسيكون من الإيجابي أن يوصف هذا الوضع بـ"الأزمة" كون هذا المصطلح يعني حالة مؤقتة ستُعالَج وتنتهي، وعليه، فإن المسؤولية الكاملة للإصلاح تقع على عاتق السلطة الحاكمة في المغرب بكامل مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتقع أيضًا على جزء واسع من الشعب الذي فعّل "الوضع الصامت" لعقود طويلة حتى استشرى الفساد في كل مكان وبات يهدد القوت اليومي والمعيشي للشعب.
تكرار الأخطاء مصيبة
أمام كل ما حدث ولا يزال مستمرًا حتى اللحظة، وفي اليوم السادس من الحراك الاجتماعي الجديد في البلاد، لا بد من أن نتساءل ونلاحظ حول عدة نقاط، بعضها بديهي، تتعلق بكافة الفاعلين في هذا الحراك سواء المحتجين أو السلطة، وحيث الحراك والاحتجاج في العادة تفهمهما وتفسرهما أي سلطة حاكمة في العالم بأنهما فوضى، ألم يكن يُدرك شباب "GENZ" ماذا ينتظرهم في الشارع؟ وهل عملوا حسابًا دقيقًا لما قد يؤول إليه الوضع في كافة ربوع الوطن بفعل حراكهم؟ هل تحسّبوا جيدًا لإمكانية قيام أطراف مجهولة هدفها تحريف مسار الحراك بالدخول بينهم والقيام بأعمال التخريب والنهب واقتحام البنوك والمؤسسات العمومية؟ وهل حصّنوا مواقعهم الإلكترونية ومنصاتهم التواصلية من الاختراقات التي ستحدث لها، وظهور صفحات وهمية تحمل أسماءهم في الفيسبوك والمواقع الأخرى؟ هل تعلّموا من دروس وأخطاء الحراكات الاحتجاجية السابقة منذ 2011 على الأقل وحتى اليوم، حتى لا يقعوا في المحظور؟
ثم ماذا عن الحكومة المغربية التي تتعمّد للمرة العشرين أو أكثر التزام الصمت المطبق حتى تمر العاصفة الاحتجاجية؟ ألم يكن لديها حدس سياسي واجتماعي بما قد سيحدث في الشارع بعد واقعة مستشفى مدينة أغادير الذي توفيت فيه ثمانية نساء أثناء الولادة؟ ولماذا جرى تفعيل آلية المنع والتوقيف والملاحقة والاعتقال بشكل مفرط في الأيام الأولى للاحتجاج ضد مجموعات صغيرة من المحتجين؟ وكيف ستتعامل المؤسسة الملكية، وهي أعلى سلطة تنفيذية، مع هذا الحراك وفق ما توفره لها الصلاحيات والاختصاصات الدستورية؟ هل ستتدخل على الخط كما حدث سنة 2011، خاصة أن ثمة مطالبات شعبية واسعة بتدخل فوري من طرفها؟ وهل سيجرى التعامل مع الحراك كما حدث في موجات احتجاجية سابقة ويُعاد تكرار الأخطاء نفسها وتبقى الوجوه نفسها وتنجو منظومة الفساد من السقوط؟ في حين أن نجاة "منظومة الفساد" لا تعني سوى تأجيل سقوطها إلى حين حراك اجتماعي آخر أكثر اتساعًا وخطورة.
التوافق والتوازن ضرورة قصوى
إن الوضعية الاجتماعية في المغرب اليوم تتطلب الهدوء والإنصات المتبادل، وضرورة وجود رجال دولة قادرين على تحقيق التوافق والتوازن بين السلطة والشعب المتحرك الغاضب، وكما أن زمن الاحتجاج الكلاسيكي الذي عاشته أجيال القرن العشرين انتهى إلى غير رجعة، وأن أبناء القرن الحادي والعشرين "GENZ" غيّروا من مفاهيم متعددة حول الحراك الاجتماعي، فإن أجهزة السلطة الأمنية عليها أن تُدرك جيدًا أن التعامل مع حراك اليوم لا يُمكن أن يكون بمنطق "الحرْكة التي كان يبعثها المخزن في القرون السابقة لإخماد تمردات القبائل في البوادي"، ولا يمكن أن يكون بمنطق الاعتقال القسري والعنف اللفظي والتهديد، لأن كل ذلك لا يؤدي سوى إلى طريق مسدود مظلم لا أفق فيه ولا أي شيء.
كذلك، لا مجال في الظرفية الحالية بكل ما تحمله من حساسية لكل أساليب وألفاظ التخوين والتخوين المضاد بين أبناء البلد الواحد، ومن المهم إدراك واستيعاب وفهم أنه ليس كل من يتظاهر وينزل إلى الشارع لأجل الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية وإسقاط منظومة الفساد هو شخص متمرد لا يحب الوطن أو ملك هذا الوطن، وكذلك ليس كل من ادعّى حب الوطن ورفع شعارات رنّانة كل يوم وزايد على الآخرين في الوطنية، بينما الوطن عنده هو مصالحه الشخصية فقط، سيريد الخير لهذا الوطن.
أخبار ذات صلة.

6 مشروبات تُخفض مستويات السكر في الدم
الشرق الأوسط
منذ 10 دقائق

«كونسيساو»: جئت لصناعة المجد مع الاتحاد
الشرق الأوسط
منذ 11 دقيقة