اقتصاد جيل زد: قوة شرائية مرشحة لتبلغ 12 تريليون دولار
عربي
منذ 5 أيام
مشاركة
لم يعد "جيل زد" مجرّد تصنيف عابر للفئات العمرية. هؤلاء الذين وُلدوا ما بين منتصف التسعينيات وبداية العقد الثاني من الألفية الجديدة يشكلون اليوم ما يقارب 26% من سكان العالم، أي ما يعادل قرابة ملياري نسمة، وفق بيانات مؤسسة نيلسن آي كيو المتخصصة في أبحاث السوق. هذا الثقل الديمغرافي يجعلهم أكبر كتلة شبابية في التاريخ الحديث. غير أن حضورهم لا يقتصر على الجانب السكاني، بل يمتد إلى الاقتصاد العالمي وأسواق العمل وأنماط الاستهلاك، وفي الوقت نفسه، إلى الشوارع والساحات حيث يقودون احتجاجات اجتماعية ذات بعد معيشي كما الحال حاليا في المغرب، وقبلها في نيبال. هذه المفارقة بين قوتهم الاقتصادية وقلقهم المعيشي تجعلهم جيل الأكثر إثارة للنقاش والجدل في الأبحاث الاقتصادية المعاصرة. وتؤكد البيانات أن القوة الشرائية لـ"جيل زد" تتنامى بسرعة لافتة. ففي تقرير آخر أصدرته نيلسن آي كيو في 14 مارس/ آذار 2025، قُدرت القوة الشرائية لهذا الجيل بحوالي 12 تريليون دولار بحلول عام 2030. هذا الرقم يعادل تقريباً حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي، ويعكس كيف أن اختيارات هذه الفئة تعيد تشكيل الأسواق العالمية. أما وحدة الدراسات الاقتصادية التابعة لمؤسسة فيزا العالمية، فنشرت مذكرة في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 تؤكد أن "جيل زد" سيكون مسؤولاً عن معظم نمو الاستهلاك العالمي حتى عام 2035، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والموضة والترفيه الرقمي. هذه التقديرات تفسر سبب اندفاع الشركات العالمية نحو تكييف منتجاتها وخدماتها مع قيم هذا الجيل التي تميل إلى الاستدامة والشفافية والابتكار. أزمة جيل زد لكن وراء هذه الأرقام ثمة تناقضاً صريحاً. ففي تقرير صادر عن مركز الأبحاث الاقتصادية لبنك أوف أميركا لشهر مارس/آذار 2025، جرى تقدير دخل "جيل زد" عند 36 تريليون دولار بحلول 2030 ليرتفع إلى 74 تريليوناً بحلول 2040. ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن ارتفاع تكاليف المعيشة يجعل هذا الجيل أقل قدرة على تكوين مدخرات ويزيد من شعوره بعدم الأمان المالي. وهنا تبرز المفارقة: دخل متنامٍ لكن من دون شبكات أمان مالية راسخة. هذه الصورة تتأكد في دراسة أخرى، إذ أظهرت بيانات "كريديت كارما" (منصة أميركية للخدمات المالية) في تقريرها الصادر في 30 إبريل/نيسان 2024 أن 45% من "جيل زد" يفضلون تقليص الادخار بدلا من التخلي عن أنماط استهلاك يعتبرونها ضرورية مثل السفر أو الترفيه. وتكمل الصورة مع تقرير بانكريت الأميركية المتخصصة في الاستشارات والتحليلات الصادر في 22 يونيو/حزيران 2025، والذي كشف أن 34% من "جيل زد" لا يملكون أي ادخارات طارئة على الإطلاق. هذه الأرقام تضع اليد على هشاشة مالية واضحة تجعل الجيل أكثر عرضة لأي صدمة اقتصادية غير متوقعة. وبناءً على المسح العالمي لـ"جيل زد" الصادر عن شركة "ديلويت" (شركة خدمات مهنية في العالم تتخذ من لندن مقراً لها) بتاريخ 14 مايو/أيار 2025، يتضح أن هذا الجيل يعيش حالة من القلق العميق تجاه مستقبله المالي والمهني. فقد كشف الاستطلاع، الذي شمل أكثر من 23 ألف شاب من 44 دولة، أن حوالي 48% من "جيل زد" لا يشعرون بالأمان المالي، وهو ما يعكس هشاشة وضعهم الاقتصادي في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة الادخار. كما أظهر أن 31% منهم رفضوا مهام وظيفية لأنها لم تتماشَ مع قيمهم الشخصية، في إشارة إلى أن هذا الجيل يضع الاعتبارات الأخلاقية والانسجام مع قيمه فوق المكاسب المادية المباشرة. وعلى صعيد المسار المهني، يرى 74% من "جيل زد" أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيعيد تشكيل طبيعة عملهم خلال العام المقبل، ما يفرض عليهم التدريب المستمر والتعلم المتجدد. ورغم هذه الضغوط، يولي "جيل زد" أهمية بالغة للمعنى في العمل، إذ يؤكد ما يقرب من 9 من كل 10 أن الشعور بالهدف والجدوى شرط أساسي لرضاهم الوظيفي ورفاههم النفسي. تغييرات في الاقتصاد العالمي وقال الخبير الاقتصادي الجزائري عادل عياض لـ"العربي الجديد" إن "جيل زد" تبنى بسرعة العملات الرقمية، وتجاوز الحدود القديمة في التعاملات الاقتصادية الدولية، كما غيّر مفهوم المعاملات الاقتصادية في العالم، وأشار إلى أن هذه التغييرات ستدفع في المنظور المتوسط إلى انتقال القوة المالية للدول من التراكم في الصناعات القديمة إلى التراكم في الخوارزميات، وبالتالي "جيل زد سيعيد بناء النظام المالي العالمي، وسيهدد هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي". وبسبب الاندماج الكبير لـ"جيل زد" مع استخدامات التكنولوجيا الرقمية، يرى عياض أن المنافسة ستزداد على البيانات، سواء من الشركات الاقتصادية الكبرى أو المؤسسات الحكومية، "وهو ما سيغير لا محال في استراتيجيات الإنتاج والتسويق من جهة، وترتيب الأولويات في الإنفاق العمومي من جهة ثانية"، لافتاً إلى أن "جيل زد" نشأ في زمن الرفاهية (نسبياً) ومتشبع بقيم التنمية المستدامة وأهدافها التي تعتبر حقوقاً بالنسبة لهم، وهذا ما سيؤثر على السياسات الحكومية في هذا المجال". وأوضح عياض أن "جيل زد" سيعيش زمن عدم الاستقرار الوظيفي نتيجة لتحولات سوق العمل، "وستعرف الوظائف مرونة كبيرة، وهو ما قد يتطلب تشريعات جديدة لضمان أمنهم الاجتماعي والنفسي"، وخلص إلى التأكيد على أن شباب "جيل زد" في كثير من الدول النامية سيتأثر بحدّة من جمود الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وستعرف ظاهرة الهجرة تفاقماً، داخلية نحو المدن الحضرية، وخارجية نحو الدول التي توفر لهم فرص العمل والتعليم اللائقين. وبناءً على أحدث البيانات، فإن المؤشرات المرتبطة بسوق العمل تظهر حجم التحديات التي يواجهها "جيل زد" وأرباب العمل معاً. ففي تقرير "راندستاد" (شركة هولندية متعددة الجنسيات لاستشارات الموارد البشرية) الصادر في 8 سبتمبر/ أيلول 2025 تحت عنوان الخطة التشغيلية للجيل زد، تبيّن أن الوظائف المخصصة للمبتدئين تقلّصت بنحو 29 نقطة مئوية منذ بداية عام 2024، وهو ما يعكس انكماش الفرص المتاحة أمام الداخلين الجدد إلى سوق العمل. كما أشار التقرير إلى أن متوسط بقاء أفراد "جيل زد" في أول وظيفة لهم لا يتجاوز 1.1 سنة، وهو ما يدل على نزعة واضحة لدى "جيل زد" نحو التنقل السريع بين الوظائف بحثاً عن بيئات عمل أكثر انسجاماً مع قيمهم وتطلعاتهم المهنية. وكشف تقرير لموقع "ريزومي بيلدر" (منصة أميركية متخصصة في إعداد وتحليل السير الذاتية واتجاهات التوظيف)، الصادر في 24 سبتمبر/أيلول 2025، أن "جيل زد" يواجه تحديات واضحة في سوق العمل بسبب التحيز العمري. فحوالي 42% من مديري التوظيف يأخذون عمر المتقدم بعين الاعتبار عند مراجعة السيرة الذاتية، بينما يعترف 36% منهم بوجود تحيز ضد المرشحين من "جيل زد" الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عاماً. ومن بين هؤلاء، يرى 46% أن من المفيد للشركة تجنّب توظيف مرشحين من هذا الجيل. كما أقرّ 31% من مديري التوظيف برفض النظر في مرشحين يظهر عليهم مظهر شبابي، وقال 19% إن المظهر الصغير في السن قد يثنيهم عن التوظيف مقارنة بالمظهر الأكبر سناً. هذه الأرقام تسلّط الضوء على فجوة عمرية متزايدة تجعل اندماج "جيل زد" في بيئة العمل أكثر تعقيداً. جيل شبابي في الشارع لكن الوجه الآخر لحكاية "جيل زد" يظهر في الشارع. فقد أشار تقرير صادر عن يونيسف في 18 مارس/ آذار 2024 إلى أن الأزمات المركّبة، من تضخم وبطالة وأزمات طاقة، جعلت الشباب في طليعة الاحتجاجات العالمية. هذا ما ظهر بوضوح في عدة دول. ففي نيبال، خرج شباب "جيل زد" في 8 سبتمبر/ أيلول 2025 إلى الشوارع احتجاجاً على الفساد والبطالة وغلاء المعيشة، وانتهت التظاهرات باستقالة رئيس الوزراء. أما في مدغشقر، فقد قادت هذه الفئة تظاهرات متكررة في 25 سبتمبر/أيلول 2025 بسبب انقطاع المياه والكهرباء، ما كشف عمق الأزمة المعيشية. وهي الاحتجاجات التي أسقطت الحكومة لاحقاً. أما في المغرب، فشهدت مدن عدة احتجاجات شبابية في 27 سبتمبر/أيلول 2025 ضد تردي الخدمات الصحية والتعليمية وارتفاع الأسعار، وكان "جيل زد" في طليعتها. ولا تقتصر الظاهرة على أفريقيا وآسيا، ففي البيرو وباراغواي، خرجت احتجاجات شبابية مماثلة في عام 2025 على خلفية السياسات الاقتصادية وضغوط الأسعار، لتؤكد أن الغضب جيل عالمي يتجاوز الحدود الجغرافية. ويستعمل شباب "جيل زد" منصات جديدة خلافاً للمنصات التقليدية السابقة، مثل منصة "ديسكورد" التي يجرى فيها تبادل مقاطع الفيديوهات والرسائل الصوتية ويجرى عبر روابط التحكم في عدد المنضمين لأي مجموعة. هذه التحركات تعكس ما يمكن تسميته "احتجاج الاقتصاد". ف ـ"جيل زد" الذي يُنفق بحرية ويساهم في نمو الأسواق هو نفسه الذي يحتج حين تنهار القدرة الشرائية أو تنكمش فرص العمل. إنهم يرون أن المشاركة السياسية التقليدية غير كافية، فيلجؤون إلى الشارع حيث يصبح الاحتجاج امتداداً لسلوكهم الاقتصادي: رفض للادخار طويل المدى، رفض للعمل التقليدي، ومطالبة فورية بظروف معيشية أفضل. هذه الازدواجية بين قوة الاستهلاك وضعف الأمان الاقتصادي تجعلهم جيلاً فريداً في التاريخ الحديث.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية