
عربي
أعلنت الحكومة الكينية، أخيراً، رسمياً، إدراج جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير في قائمة التنظيمات الإرهابية بموجب الفصل 59 ب من قانون مكافحة الإرهاب، وسط تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الخطوة. مع العلم أنه لا يوجد أي تنظيم باسم جماعة الإخوان مسجل رسمياً في نيروبي. كما أن حزب التحرير ليس حزباً سياسياً مسجلاً في كينيا، وهو عبارة عن جماعات متفرقة في مناطق عدة، ويؤمن بالخلافة الإسلامية، ولديه مكتب تمثيل إعلامي في نيروبي يرأسه شعبان معلم. وجاء القرار في إشعار قانوني رقم 157 نُشر في الملحق الرسمي للجريدة الحكومية بتاريخ 19 سبتمبر/ أيلول 2025، ووقعه وزير الداخلية كيبشومبا موركومن، على أن يسري مفعوله فوراً ويظل نافذاً حتى يتم إلغاؤه بقرار وزاري أو بحكم قضائي.
كينيا تحظر الإخوان المسلمين
ويقضي الإعلان بتجريم الانتماء أو تقديم أي دعم مالي أو لوجستي أو دعائي للتنظيمين، كما يمنح السلطات الكينية صلاحيات واسعة لتجميد الأصول، وحظر الاجتماعات، وملاحقة كل من يثبت تعامله مع الكيانات المحظورة. كما يسمح للأجهزة الأمنية بفتح تحقيقات موسعة ضد الخلايا المشتبه فيها وتفكيك شبكاتها المالية والتنظيمية. وبهذا القرار، تنضم كينيا إلى دول مثل مصر والسعودية والإمارات والبحرين وروسيا، التي سبقتها لحظر جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها "تنظيماً إرهابياً". كما أن إدراج حزب التحرير، المعروف بدعوته لإقامة "خلافة إسلامية عالمية"، يعكس رغبة نيروبي في التصدي المبكر لأي محاولات للتجنيد أو التحشيد الأيديولوجي بين الشباب.
لا يوجد أي تنظيم باسم جماعة الإخوان مسجل رسمياً في نيروبي، كما أن حزب التحرير ليس مسجلاً في كينيا
وفي السياق، انتقد الأمين العام للتحالف الديمقراطي المتحد الحاكم حسن عمر قرار وزارة الداخلية الكينية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. وقال في تصريح له لوسائل الإعلام الكينية في 21 سبتمبر الماضي، في حديقة أوهورو بنيروبي، أثناء فعالية تضامنية مع فلسطين نظمتها الجالية المسلمة، إن الخطوة لا تعكس مشاعر العديد من المسلمين في كينيا وحول العالم. كما دعا عمر إلى تغيير في السياسة الخارجية الكينية، وحثّها على إعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل، قائلاً: "دعونا نبحث عن طريقة للتأثير على سياسة كينيا تجاه إسرائيل، يجب أن نضمن عدم التعامل مع إسرائيل. لكينيا مصالح استراتيجية في العالم الإسلامي أكثر من مصالحها في إسرائيل".
تاريخياً، لم تنشأ جماعة الإخوان المسلمين بصفة تنظيم محلي مستقل في كينيا، بل وصلت أفكارها وأنشطتها عبر التأثيرات الإقليمية والدعوية منذ سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. في تلك الفترة، بدأت بعض الجمعيات الإسلامية في نيروبي وممباسا، خصوصاً ضمن الأوساط الطلّابية والدعاة المتأثرين بالفكر القادم من مصر والسودان، بتبني الخطاب الإصلاحي والتعليمي القريب من منهج الإخوان. كما لم تُسجَّل الجماعة رسمياً بصفة فرع مباشر في نيروبي، بل اندمج فكرها داخل جمعيات إسلامية ومؤسسات تعليمية وخيرية محلية. وتعزز وجود هذا التيار "الإخواني" مع ازدياد ابتعاث الطلّاب الكينيين إلى الجامعات العربية وعودتهم مُحملّين بالأفكار الحركية. ومن الناحية التنظيمية، لا وجود لجماعة الإخوان المسلمين في كينيا بصفة كيان رسمي مسجل أو معترف به، وإن كان هناك وجود لحزب التحرير وغيره من التوجهات الإسلامية.
وفي هذا السياق، يقول الباحث السياسي السوداني عبد القادر كاوير المقيم في نيروبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن قرار الحكومة الكينية مدفوع باعتبارات داخلية وخارجية عدة، أبرزها سعي نيروبي إلى تعزيز دعمها من الولايات المتحدة في عدد من الملفات الحسّاسة، من بينها الجنسية وملفات دبلوماسية أخرى، بما يتيح لها مساحة أوسع من النفوذ والتحرك السياسي، حيث رأت الحكومة الكينية أن تعزيز علاقاتها مع إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، ولاحقاً مع إدارة دونالد ترامب، يمنحها فرصة لتثبيت حضورها الإقليمي والدولي.
وبرزت خلفية أخرى لهذا القرار تمثلت في تنامي الخطاب الديني والأنشطة التي تقودها الجمعيات الخيرية والإسلامية داخل كينيا خلال العام الأخير، حيث شهدت البلاد تنظيم حملات تبرع واسعة ومتكررة. هذا النشاط المتنامي أثار قلق السلطات الكينية التي اعتبرته مؤشراً إلى توسع نفوذ هذه الجمعيات في المجال الاجتماعي وربما السياسي، وهو ما دفعها إلى تبني موقف أكثر تشدداً في هذا السياق. وبرأي كاوير، فإنه إلى جانب الدوافع الداخلية والإقليمية، يمكن القول إن هناك جهات خارجية لم تكن راغبة في أن تُفتح مساحات أوسع للتبرعات أو الحملات الشعبية الموجهة لدعم المواطنين في غزة، أو أن يرتفع صوت الخطاب الناقد لإسرائيل في الساحة الكينية. هذه الاعتبارات ربما ساهمت في زيادة الضغوط على الحكومة الكينية ودفعتها نحو اتخاذ قرارها الأخير.
وبحسب كاوير، يمكن تفسير القرار ضمن مسعى نيروبي أيضاً لتعزيز تقاربها مع بعض دول الشرق الأوسط التي تتبنى مواقف صارمة تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسها السعودية، مصر، الإمارات والأردن، وهي الدول التي تصنّف الجماعة منظمة "إرهابية". كما تطرق إلى العلاقات الدبلوماسية القائمة بين كينيا وإسرائيل والتي تلعب دوراً مؤثراً في دفع نيروبي لاتخاذ هذه الخطوة. فإسرائيل تسعى بشكل دائم إلى حثّ حلفائها على تبني مواقف أكثر تشدداً تجاه الحركات الإسلامية، وربطها بحركة حماس في غزة، وذلك في إطار مساعيها لتكثيف الضغط الدبلوماسي والإعلامي على الحركة وحلفائها.
عبد القادر كاوير: يمكن تفسير القرار ضمن مسعى نيروبي لتعزيز تقاربها مع بعض دول الشرق الأوسط التي تتبنى مواقف صارمة تجاه الإخوان
تقييد دعم غزة
ويوضح كاوير أن التأثير الفعلي للقرار داخل كينيا يبدو محدوداً، لكنه أكد أنه أثار استغراب الأوساط المسلمة في البلاد، حيث شعر كثيرون بأنهم مستهدفون بطريقة غير مباشرة، لا سيما في ظل تصاعد أنشطتهم الخيرية والإنسانية. يُذكر أن القرار صدر في اليوم نفسه الذي شهدت فيه العاصمة نيروبي فعالية واسعة النطاق لجمع التبرعات تضامناً مع أهالي غزة المحاصرين، حيث جرى فتح باب التبرعات وتدفقت المساهمات الكبيرة من المنظمات والأفراد. هذا التزامن دفع بعض المسلمين إلى الاعتقاد بأن القرار جاء ليُقيّد أنشطتهم ويحدّ من تأثيرهم الاجتماعي، حتى وإن لم يكن الاستهداف مباشراً.
من جهته، يقول محرر موقع كينيا بالعربي إسحاق حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذا الإعلان قوبل برفض واسع في أوساط المجتمع المسلم الكيني، حيث اعتُبر جائراً ويفتقر إلى الموضوعية والحكمة. ورأى كثيرون أنه يأتي في إطار الموجة العالمية التي تبنتها بعض الدول ضد جماعة الإخوان المسلمين، دون وجود مبررات واقعية داخلية في السياق الكيني.
إسحاق حسن: قوبل القرار برفض واسع في أوساط المجتمع المسلم الكيني
ووفق إسحاق، فإن الخطوة الكينية بدت أقرب إلى مسايرة هذا الاتجاه العالمي أكثر منها استجابة لتهديد فعلي على الأرض. أما على مستوى التداعيات، فمن المرجح أن يُساهم القرار في تعميق شعور التهميش والاستهداف لدى المسلمين في كينيا، كما قد ينعكس سلباً على مناخ الحريات العامة، ويضعف دور الجمعيات الإسلامية والخيرية في العمل المجتمعي. في الوقت نفسه، قد يمنح الحكومة الكينية نقاطاً إضافية في علاقاتها مع بعض الدول الغربية والعربية التي تتبنى الموقف ذاته تجاه "الإخوان".
وبحسب إسحاق، فإنه من المحتمل أن تستغل السلطات الكينية هذا القرار، وتسيء استغلاله لأغراض سياسية؛ فحظر تنظيم أو وصفه بالإرهاب قد يُستخدم في بعض الحالات لكبح أنشطة مجموعات دعوية وخيرية أو تقييد عملها المدني. ويتحدث عن وجود مخاوف من عواقب سلبية على الفضاء المدني وحرية العمل الاجتماعي. مع ذلك، لا يستحيل إلغاء الحظر: فقد تلجأ الجماعات المتضررة إلى المحاكم للطعن في الاتهامات ونفي أي صلة بالإرهاب، وفي حالات عدة أُلغيت قرارات مماثلة أو تراجعت بعد إجراءات قضائية ناجحة أو مراجعات سياسية.
