
عربي
عند 30 ألف فلسطيني، من ضحايا حرب الإبادة المستمرة في غزّة، يحدّد المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه تاريخ كتابه الأخير "موجز تاريخ الصراع-الإسرائيلي الفلسطيني" (دار تكوين، 2025)، بترجمة شهد دعباس، ويستعرض فيه تاريخ المسار الذي أدى إلى عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدءاً من أواخر القرن التاسع عشر، والأرقام هنا، ليست سِوى إشارة إلى مواصلة زمن الإبادة.
يعرض بابيه تلخيصاً لأحداث قرن من هذا الصراع، أمام من يشهده للمرة الأولى، وأمام المهتمين بصناعة السلام. على الأقل، هذا ما يصدّره في مقدمته، كما يشير إلى دوره مؤرخاً، في تقديم السياق التاريخي للأحداث، من غير تبريرها. والاعتبارات التي ينطلق منها، موجودة في كتبه السابقة، وهي الحدّ، أو ضبط، تأثير المصالح السياسية والصراعات الأيديولوجية على التاريخ، التي تصوّره تاريخاً خلافياً. مع ذلك، يبقى واضحاً في مشروع إيلان بابيه، وهو أحد أبرز المؤرخين الجدد، اعتبار دولة الاحتلال مشروعاً استعمارياً.
يُظهر بابيه ضعف السردية التي تقول إن الناس الذين عاشوا قبل ألفي عام في فلسطين، هم أسلاف المستوطنين الصهاينة، الذين وصلوا لأول مرة، إلى أرض فلسطين عام 1882، عدا عن أن روابط مثل هذه، مستمدة من نصوص دينية قديمة، لا تبرر حركة استعمارية. ويستعرض بابيه سلسلة الجرائم ضد أهل الأرض ابتداء من ثورة البراق 1929 إلى ما بعد 7 أكتوبر مع عرض للشروخ في المجتمع الإسرائيلي، التي تتسع بين معسكرين، يسميهما بابيه "دولة إسرائيل"، و"الدولة اليهودية". أما "الدولة اليهودية" فهي دولة المستوطنين التي نشأت في مستوطنات الضفة الغربية، وأصبحت مع قِدم سياسات الاستيطان، قوة سياسية داخل "إسرائيل"، تريد تحويلها إلى شكل أكثر عنصرية وفاشية وثيوقراطية. مقابل خسارة "دولة إسرائيل"، إحدى مفاخرها، بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، مع حصر الحقوق بالسكان اليهود فقط، وضعف معسكر اليسار، وهو معسكر السلام في "إسرائيل". كذلك، فإنّ العامل المشترك الوحيد بين اليهود العلمانيين، والمتدينين في "إسرائيل"، هو العداء للفلسطينيين والعرب بشكل عام، وبدا أن "إسرائيل" توحّد صفوفها، لمعاقبة سكّان غزة.
يجد المؤرخ الإسرائيلي حلّ الصراع في دولة ديمقراطية واحدة
في هذا السياق التاريخي، لم يعد حلّ الدولتين بالنسبة إلى بابيه، قابلاً للتطبيق مع وجود 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية، عدا أنه حل ينطبق على جزء من فلسطين، وعلى جزء من الشعب الفلسطيني. في ضوء هذا، يجد الحل في دولة ديمقراطية واحدة.
ويقترح الكاتب تغيير الطريقة التي يتم الحديث فيها عن "إسرائيل"، وفلسطين. فالمسألة، في جوهرها، ليست في طرفي صراع، إنما في النضال من أجل تحرير شعب من الاحتلال. كما يخلص إلى صعوبة التنبؤ بكيفية تأثير ما يحدث على المستقبل، في ما يتعلق بمصير الفلسطينيين، لكنه ومن خلال قراءة أصول الصهيونية في فلسطين وتعريفها على أنها حركة استعمارية استيطانية، يفهم ويفكك؛ منطق القضاء على السكان الأصليين. وبهذه الصورة، يقرأ مقاومة الفلسطينيين، باعتبارها جزءاً من مناهضة الاستعمار، بغض النظر عن الأيديولوجيات المعلنة.
