
عربي
بالتأكيد لا يعد تأييد أو رفض نفر من أمتنا لما تسمى بـ "خطة ترامب للسلام الأبدي" من الاستثناءات الخمسة المحمودة للعجلة، والأصل فيها أنها من الشيطان، علاوة على ذلك المطروح جاء من الرئيس الأميركي دونالد ترامب (الكذب ديدنه) وتوني بلير (يحضر عندما يغيب الشيطان هكذا تقول النكتة)، ومع هذا لم يتريث خبراء وأكاديميون يتابعهم الملايين، ويملؤون وسائط الإعلام التقليدية والرقمية تعليقاً وتحليلاً على الأحداث منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ليتفكروا في ما يفترض أنه بنودها، بل اشتبكوا معها بخفة المؤثرين أو الناشطين على مواقع التواصل بما في ذلك من تسرع في الدعوة إليها أو ضدها، ليتضح بعد وقت ليس بالطويل، أننا أمام ثلاث خطط، واحدة جرى عرضها على القادة والزعماء العرب والمسلمين في البيت الأبيض، وأخرى معدلة إسرائيلياً، وثالثة تنفيذية تكمل ما جاء فيها وضعها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
إنها فوضى كاشفة وليست منشئة لمسارين من فرض الوصاية على الشعب الفلسطيني، الأول ترامبي يروم من خلاله، ومجموعة من ممثلي المصالح الإسرائيلية يقودهم بلير، تقويض السيادة الفلسطينية على غزة التي يفترض أنهم سيحكمونها مباشرة، بما في ذلك من تعميق لحالة الانفصال بين الضفة والقطاع، وكأنه لا توجد شخصية وطنية مؤهلة للقيام بهذا الدور، وفي جوهر الأمر هذه فكرة إسرائيلية خالصة تتفق مع سعيها المعلن لمنع نشوء الدولة الفلسطينية، وخلق نموذج أكثر تطوراً من بانتوستانات أو معازل السكان الأصلانيين في جنوب أفريقيا، وتلك مهمة تتطلب الشخصيات المقترحة، وألا يكون للفلسطينيين سوى ممثل واحد وسط مجلس يجري تزيينه بمسؤول من الأمم المتحدة لضمان "الشرعية والمصداقية"، كما جاء في المقترح الذي يستدعي إلى الذاكرة عبارة الفنان عادل إمام في فيلم "طيور الظلام": "إحنا ناس الباطل بتاعهم لازم يبقى قانوني"، لذا لا مانع من ترشيح شخصية عربية، وكان لافتاً طرح اسم رجل الأعمال المصري نجيب سويرس ضمن هذه الهيئة، لكن يبطل العجب عندما تعرف السبب بقليل من البحث، لتجد أن علاقة وثيقة تربط بلير مع سويرس، حتى أنه حضر زفاف نجله تحت سفح الأهرامات، وزارا برفقة الأسرة قرية سياحية مملوكة له، وتجولا سوياً على متن يخت وطائرة خاصة، وهكذا يفترض أن يختار من يحكم غزة، ألا يذكرك هذا بشيء؟
المسار الثاني يقف وراءه عربنا المتعجلون رفضاً أو تأييداً، دون مراعاة لحساسية اللحظة، أو أهمية رأي أهل القطاع أنفسهم وهم المكتوون بنار الحرب بمدنييهم ومقاومتهم، أي بديهياً يجب احترام رأيهم وعدم المصادرة عليه لأنهم من يدفعون الثمن. ضع نفسك مكان سيدة أو مريض فقط، بل حتى غزي شاء له القدر أن ينجو من المهلكة اليومية، وفكر فيما يعتقده عندما يجدك رافضاً للاتفاق بينما يبحث في كل ساعة عما يسد رمق طفل أو رضيع إن كان مدنياً، أو يجابه آلة عسكرية أميركية - أوروبية - إسرائيلية شديدة التطور تتغول في أرضه، ويقاتلها بإمكانيات لا تذكر ودون دعم عربي ولا إسلامي في حال كان مقاوماً. تأمل فيما قد ينتاب أحدهم عندما يقرأ أو يشاهد من يدعو للتسليم بما يطلبه العدو ليخسر بعد بحور من الدماء الفلسطينية مكاسب أحرزتها القضية بثمن باهظ، على رأسها النجاح في عزل إسرائيل، ولا يوجد أدل على ذلك من مشهد الانسحاب الدبلوماسي بينما نتنياهو يلقي خطاباً في قاعة شبه فارغة في الأمم المتحدة، ما يؤكد عودة القضية إلى بؤرة الاهتمام الدولي بعد أعوام من تهميشها وتقدم مسار التطبيع على حسابها، وتحولات الرأي العام الأميركي بتعاطف عدد أكبر من الناخبين مع الفلسطينيين مقارنةً بإسرائيل، وبالتالي لست من وضعت الخطة ولا تملك تأثيراً حقيقياً على بنودها أو مسارها المستقبلي، لذا لا تتحمس بزيادة لقبولها، كما لست من يكتوي بنار الأميركي والإسرائيلي، فلا تتعجل في رفضها وافتعال معارك واهية حولها، فالرعب والجمود في المحل لن يفيدا، والاستهتار والاستعراض لا حاجة لأهل غزة بهما.
ولأن جميع الخيارات تنطوي على مخاطر جسيمة للشعب الفلسطيني وقضيته، لا يجب أن تتحمل المقاومة والمنظمات الفلسطينية مسؤولية القرار وحدها، بل يجب إشراك دائرة شعبية أوسع في القرار ليصدر باسمها، سواء كان قبولاً أو رفضاً أو القبول المشروط وطرح بنود للتعديل، وعلى رأس هؤلاء أهل غزة وممثلوهم من مؤسسات ومبادرات وعشائر ومخاتير، خاصة في ظل خطورة العديد من البنود العشرين المطروحة وغموضها، فلا يوجد مسار حقيقي لقيام دولة فلسطينية، وبالعودة إلى الاقتراح نجد أنه يكتفي بالإشارة إلى أنه مع إعادة إعمار غزة، "قد تتهيأ الظروف أخيراً لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة، إذا نُفِّذ برنامج الإصلاح للسلطة الفلسطينية بإخلاص"، أي أنه لم يُذكر شيء عن الجهة التي ستحدد ذلك أو كيف، في تلاعب لغوي وغموض صياغي يذكرنا بما حدث بعد حرب عام 1967، ووقتها عمل مجلس الأمن على إصدار قرار يوفر أساساً لسلام عربي إسرائيلي بعد قرابة عشرين عاماً من الصراع، وكان أحد صائغي القرار الرئيسيين، الدبلوماسي البريطاني اللورد كارادون، قد نسّق مع الأميركيين لوضع نص يخلو من آليات واضحة وملزمة ويكون غامضاً، لذا صارت معركة (أراض والأراضي) "أراضٍ محتلة" (occupied territories) الواردة في القرار، بدلاً من: الأراضي المحتلة (the occupied territories)، ولاحقاً كتب كارادون وآخرون أنهم تعمدوا عدم استخدام عبارة "الأراضي" كما تقول الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية.
يسري هذا اليوم على قضايا مثل توقف الحرب ومنع الاحتلال من القيام بأي عمليات عسكرية في القطاع ووأد سيناريوهات التهجير تماماً، في ظل استمرار دفع الفلسطينيين إلى جنوب القطاع والانسحاب الكامل من أراضي غزة، وقد سبق أن تراجعت إسرائيل عن بنود وقف إطلاق النار في مارس/آذار الماضي، ولا يوجد ضامن حقيقي لنكوصها هذه المرة بمجرد استلام الأسرى المشروط بأول 72 ساعة من الموافقة (ماذا جرى بعد تسليم عيدان ألكسندر؟!) ومثلما غض الجانب الأميركي الطرف في المرات السابقة، ما الذي يمنع أن يكرر ترامب ما سبق أن دعمه؟ الأصل فيه أنه ليس وسيطاً بل طرف أصيل يعبر عن المصالح الإسرائيلية.

أخبار ذات صلة.

ستارمر المأزوم يبحث عن خلاصه في الهند
العين الإخبارية
منذ 12 دقيقة

عاما إبادة غزة يهزّان صورة إسرائيل في الغرب
العربي الجديد
منذ 44 دقيقة

شمال سيناء شاهدة على عامين من حرب غزة
العربي الجديد
منذ 44 دقيقة