
عربي
تشهد مدنٌ مغربية، منذ نهاية الأسبوع الماضي، احتجاجات تقودها حركة شبابية تحمل اسم ''جيل زد 212''، تطالبُ فيها بإصلاح قطاعَي الصحّة والتعليم، وإقرار العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد. وعلى الرغم من أن هذه الاحتجاجات لا تزال (إلى غاية كتابة هذه السطور) تفتقد الزخمَ الشعبي الذي طبع حراك 20 فبراير (2011)، إلا أن في الوسع اعتبارها جرس إنذار لحكومة عزيز أخنوش، التي يبدو أنها تُجابه أكبر اختبار لها منذ تنصيبها.
جرت مياه كثيرة تحت جسور السياسة المغربية منذ 2011، فقد باتت السلطة تواجه جيلاً جديداً من المحتجّين، الذين فقدوا الثقة في المؤسّسات المُنتخَبة وآليات الوساطة والتفاوض التقليدية؛ إنه جيل شكّلت التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي والطفرة الرقمية الهائلةُ مساحةً غير هيّنة من وعيه الاجتماعي والسياسي. ولعلّ ما يثير ريبة السلطة ومخاوفها إزاء هذا الجيل أنه غير متجانس في خلفياته الفكرية والثقافية والاجتماعية، لكنّه، في الوقت نفسه، يمتلك خطاباً جريئاً بشأن الدولة والسلطة والمجتمع. ولذلك لم يعد الخطابُ المكرور للأحزاب المغربية يعني له شيئاً، بعد أن تحوّلت السياسةُ بالنسبة إلى نخبها مورّداً من أجل مراكمة موارد النفوذ والوجاهة والثروة. وقد كان دالّاً رفضُ حركة ''جيل زد 212'' حضور قيادات يسارية احتجاجاتهم، مخافة استغلال الأحزاب لها والركوب عليها في الانتخابات التشريعية المقبلة. بالموازاة، أخفقت الحكومة الحالية في حلّ المشكلات الاجتماعية المتراكمة، أو على الأقلّ الحدّ منها. وهو ما زاد الفجوةَ بين الأحزاب، الموجودة في الحكومة والمعارضة على حد سواء، والشارع اتساعاً. لم تكن قضايا الشباب ضمن أولويات هذه الحكومة، لا على صعيد تفعيل ''الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب'' (2030 - 2015) التي ظلّت، تقريباً مجرّد حبر في ورق منذ وضعها قبل عشر سنوات، أو على صعيد عدم إنصاف السياسات العمومية طموحاتهم الاجتماعية.
من ناحية أخرى، تُسائل الاحتجاجات سياسة ''المشاريع الكبرى'' التي كشفت قصورها المزمن في حلّ معضلة التنمية في المغرب، مع تنامي التفاوتات المجالية بين الجهات. وقد كان العاهل المغربي محمد السادس واضحاً حين تحدّث في خطاب العرش أخيراً عن المغرب الذي ''يسير بسرعتَين''؛ يتعلق الأمر بمغربٍ يسير بسرعة المشاريع الكبرى ومغربٍ ''غير نافع'' يكاد يسير بسرعة ما قبل الدولة الحديثة.
لا تُقاس التنمية الحقّة بمحطاتِ القطار السريع فقط، ولا بالموانئ والمطارات والطرق السيّارة والأبراج الشاهقة وملاعب كرة القدم ومشاريع الطاقة المتجدّدة، بل تُقاسُ أيضاً بالمدارس والمستشفيات والمرافق الأساسية من شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحّي، التي يُفترضُ أن تغطّي الجهات كلّها، لا فرق في ذلك بين مركز وهامشٍ. لا ينبغي أن تصبح الصحّة والتعليم والعمل امتيازات يحوزها علّية القوم أو من تيّسرت لهم سبل ''الواسطة''؛ إنها حقوقٌ يكفلها الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
تمنح المشاركة في تنظيم كأس العالم لكرة القدم (2030) زخماً لمشاريع البنية التحتية، وتفتح أمام المغرب آفاقاً للإشعاع ومراكمة موارد القوة الناعمة في منتديات السياسة والاقتصاد الدوليَّين. بيد أن ذلك ينبغي أن يتوازى مع تنمية القطاعات الاجتماعية، التي من دونها يبقى ما تحقّق على صعيد المشاريع الكبرى محدوداً، وبلا عوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة، وبالأخص في القرى والمداشر النائية التي لا تزال تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة، في وقتٍ تتوافر على إمكانات طبيعية هائلة للتنمية.
يُنذر انحسارُ موارد الرأسمال السياسي بين السلطة والحكومة والنخب، من جهة، والمجتمع من جهة أخرى، بفصول أخرى من الاحتقان الاجتماعي، سيّما أمام تزايد معدّل البطالة، وارتفاع الأسعار، وغياب العدالة المجالية بين الجهات، وإطلاق يد القطاع الخاص للتغوّل في القطاعات الاجتماعية الحيوية. ومن السابق لأونه التكهن بمآل هذه الاحتجاجات، في ظلّ التحفظ الذي تُبديه شرائح واسعة من الطبقة الوسطى إزاءها. لكنها أربكت حكومة أخنوش، وخلطت أوراق الأحزاب والنخب التي كانت قد بدأت تعدّ عدّتها للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

أخبار ذات صلة.

تفاؤل باتفاق قريب حول غزة
الشرق الأوسط
منذ 13 دقيقة

«نوبل الفيزياء» لاكتشافات في ميكانيكا الكم
الشرق الأوسط
منذ 23 دقيقة

اتفاق على وقف فوري للنار بين دمشق و«قسد»
الشرق الأوسط
منذ 28 دقيقة

«الحرس الثوري» يتأهب صاروخياً للتهديدات
الشرق الأوسط
منذ 32 دقيقة