لبنان... سياسات مناخية تطمح للاستدامة وسط تفاقم الأزمات
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
تأتي حزمة السياسات المناخية في لبنان وسط أزمات متداخلة، وتتطلب آليات واضحة تفادياً لمصير التزامات سابقة، خصوصاً مع توقع ارتفاع خسائر تغير المناخ إلى 32% بحلول 2080، ما يتطلب مساراً أكثر استدامة. في 23 سبتمبر/ أيلول 2025، أطلقت وزارة البيئة اللبنانية "حزمة السياسات المناخية للبنان"، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بهدف ترسيخ التزام لبنان بتسريع العمل المناخي، ودفع أجندة التعافي قُدماً، وتجديد التمسك بالتعهدات الواردة في اتفاق باريس ضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. توفر الحزمة، بحسب واضعيها، خريطة طريق شاملة بشأن المناخ، تُعد الأوسع والأكثر شمولاً في لبنان، حيث ترسم مساراً لخفض الانبعاثات، وتوسيع نطاق الطاقة المتجددة والنقل المستدام والبنى التحتية الخضراء، وتعزيز القدرة على التكيف مع التحديات المناخية، لضمان التوافق بين التنمية الوطنية والأهداف المناخية العالمية. أُطلقت الحزمة خلال احتفال أقيم في السراي الحكومي في بيروت، برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام، وحضور وزيرة البيئة تمارا الزين ومسؤولين حكوميين وشركاء دوليين وممثلين عن المجتمع المدني. وعلى الرغم من المساهمة الضئيلة للبنان في الانبعاثات العالمية، لكنه يُعد من بين الدول الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. وتكلف آثار المناخ نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، ومن المتوقع أن ترتفع الخسائر إلى 32% بحلول عام 2080 إذا لم تُتخذ الإجراءات اللازمة، وفقاً لبيان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفي عام 2023 وحده، تسبب الإجهاد الحراري بخسائر إنتاجية بلغت 1.3 مليار دولار أميركي، ما أثر على أكثر من 110 آلاف وظيفة في قطاعات الزراعة والبناء والخدمات. وبحسب البرنامج الأممي نفسه، تستجيب الحزمة مباشرة لهذه التحديات محوّلةً مخاطر المناخ إلى فرصة للنمو وتعزيز المرونة. وتشير التقديرات إلى أن كل دولار أميركي يُستثمَر قد يحقق عائداً يتجاوز خمسة دولارات، ما يبرز الإمكانات الاقتصادية للإصلاحات المناخية. توضح مديرة مشروع تغير المناخ في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ليا قاعي لـ"العربي الجديد" أن الحزمة المناخية تتكون من ثلاث ركائز مترابطة تشمل التزامات وطنية محدثة لخفض الانبعاثات وتعزيز الصمود المناخي وفق اتفاق باريس، الخطة الوطنية للتكيف التي تركز على حماية المجتمعات الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ من موجات الحر، شح المياه، والكوارث المناخية، والاستراتيجية طويلة الأمد للتحول نحو اقتصاد منخفض الكربون بحلول 2050، ما يضع لبنان على مسار مختلف وأكثر استدامة. وعن أهميتها، تكشف قاعي أنها تأتي في وقت دقيق يشهد فيه لبنان أزمات متداخلة؛ اقتصادية واجتماعية وبيئية. وتؤكد أن "تغير المناخ لم يعد ملفاً بعيداً، بل هو واقع ملموس من خلال الحرائق والتصحر وشح المياه. وهذه الحزمة تمنح لبنان خريطة طريق متكاملة، وتعيده إلى الخريطة الدولية بوصفه بلداً لديه رؤية واضحة ومتماشية مع التزاماته الدولية". وتشير إلى أن "عوامل الجفاف وتراجع المتساقطات وسوء إدارة الموارد المائية سرّعت الحاجة إلى قرارات حاسمة، لكن الحزمة ليست ردّ فعل آنياً فقط، إنما ثمرة عمل تقني طويل مع وزارة البيئة وشركاء وطنيين ودوليين، لتأطير استجابة لبنان المناخية بشكل شامل، بدلاً من الاكتفاء بالمعالجات الجزئية". وترى قاعي أن "نجاح الحزمة لن يتوقف على النصوص بحد ذاتها، بل على التنفيذ والتمويل والتعاون بين الوزارات والبلديات والقطاع الخاص والمجتمع المدني. وإذا توفرت الإرادة السياسية والدعم الدولي والالتزام المؤسسي، فستكون فرصة حقيقية لفتح مسار جديد للبنان في الاقتصاد الأخضر وإدارة الموارد". ويؤكد طارق سلهب، رئيس دائرة المناخات في مصلحة الأرصاد الجوية بمطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، أن حزمة السياسات المناخية يجب أن تكون بناءة وهادفة، كي تساعد في دعم الموارد الطبيعية وضمان بيئة آمنة ومكافحة تغير المناخ. ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يزال وضع لبنان مقبولاً في ما يتعلق بمكافحة تغير المناخ، إذ لا يمكنه الحد منه بمفرده، حيث تتطلب المسألة تعاون كل الدول، وخصوصاً الدول الصناعية الكبرى الملوثة، من أجل خفض الانبعاثات والتحول إلى المصادر الصديقة للبيئة في الزراعة والصناعة والاقتصاد والخدمات وشتى القطاعات". ويضيف: "يبقى الأهم تعزيز الثقافة البيئية والمناخية وإدراك كل فرد أهمية سلوكياته لجهة ترشيد استهلاك المياه والكهرباء وحفظ الموارد. ولعل الأزمة المالية في لبنان ساهمت بمنحى إيجابي بالنسبة للبيئة، مع توجه عدد كبير من المواطنين نحو اعتماد الطاقة الشمسية، حتى إن غلاء الوقود وانقطاع التيار الكهربائي ساهما في الحد من الانبعاثات". ويطمئن سلهب إلى أن لبنان لم يشهد بعد عواصف مدمرة وفيضانات وأعاصير، وطبيعته لا تتيح وقوع كوارث طبيعية حادة، "إنما قد نشهد فقط هطولاً للمطر بكميات كبيرة، تؤدي إلى غرق الشوارع بسبب هشاشة البنى التحتية". وإذ يؤكد أن لبنان في صلب تغير المناخ كغيره من الدول، يقول: "نشهد ارتفاعاً بدرجات الحرارة وتطرفات مناخية واضحة، لا سيما درجات الحرارة وكمية المتساقطات وشدة الهطول وحدة الظواهر المناخية، سواء موجات الحر أو البرد، وطبيعة الفصول وبداياتها. لكن يجب التمييز بين تغير المناخ وتقلب المناخ، حيث إن قلة أيام البرد والصقيع تدل على تغير المناخ، بينما تبدّل مواسم المطر والمنخفضات الجوية وكمية المتساقطات، يدل على التقلب المناخي". ويتحدث سلهب، خبير المناخ والأستاذ في الجامعة اللبنانية، عن فترات حرارة أطول وفترات برودة أقل، ومعدلات حرارة أعلى، حيث تبدأ المتساقطات المطرية في لبنان عادة مع بداية سبتمبر من كل عام، لكن المتساقطات تأخرت هذا العام، وما زالت درجات الحرارة تقارب 32 درجة مئوية، ولا يبدو أي منخفض جوي قادم في الأفق القريب كي يساهم في رفع منسوب الأنهار وتغذية المياه الجوفية. ويتابع: "نشهد اليوم ارتفاعاً بدرجات الحرارة بشكل عام في الغلاف الجوي، ينعكس على لبنان وموارده المائية والزراعية، ما سيدفع بالمزارعين إلى اختيار أصناف لا تحتاج كميات كبيرة من المياه، وإلى ري الأصناف التي كانت تعتمد على المتساقطات أو تغيير موسم زراعتها". ويشيد بالتحولات التي يشهدها لبنان لناحية وضع شروط ومواصفات بيئية ملزمة للمصانع والمعامل، "حيث يبقى على الدولة التشدد بالرقابة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية