المغرب: إلى أين تتجه احتجاجات مجموعة "جيل زد" الشبابية؟
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
على مدى يومين تحولت منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي في المغرب، دعت إلى التظاهر يومي السبت والأحد الماضيين في مدن كبرى، بينها الدار البيضاء والرباط ومراكش ومكناس وأكادير، إلى واحدة من أكبر الحركات الاحتجاجية حجماً منذ "حراك الريف" (2017) و"20 فبراير" (2011)، النسخة المغربية من الربيع العربي. وفي قلب هذا المشهد، برز ناشطون شباب تحت اسم "جيل زد 212... صوت شباب المغرب"، وهي مجموعة رقمية تقول إنها تمثل "جيل زد" وتدعو إلى الدفاع عن الحق في التعليم والصحة. وعلى الرغم من محدودية الاستجابة الميدانية لدعوات ما بات يعرف إعلامياً في المغرب باحتجاجات "جيل زد"، من أجل تحقيق مطالب اجتماعية تتعلق أساساً بتحسين خدمات الصحة والتعليم العمومي ومواجهة بطالة الشباب، إلا أنها تكشف عن تحول عميق في أدوات الاحتجاج وفي طبيعة الواقفين وراء الدعوة والتعبئة للاحتجاجات، الذين كان لافتاً حرصهم على تأكيد استقلاليتهم عن التنظيمات السياسية والنقابية ورفض أي "توظيف سياسي أو تدخل خارجي" لمبادرتهم. عادل تشيكيطو: احتجاجات يقودها شباب تعكس عمق التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي "جيل زد" في المغرب وفيما تأتي احتجاجات "جيل زد" في سياق نقاش عرفه المغرب خلال الأيام الأخيرة، حول ضرورة إصلاح المنظومة الصحية، بعد تكرار الشكاوى من ضعف الموارد البشرية وغياب التجهيزات الأساسية في المستشفيات الجهوية والإقليمية، وبعد الاحتجاجات التي شهدتها مدينة أكادير في ما أصبح يعرف إعلامياً في المغرب بـ"مستشفى الموت"، فإن عدة أسئلة تتردد حول مآلات احتجاجات مجموعة "جيل زد" وما إذا كانت ستتحول تدريجياً إلى حركة اجتماعية، أم أن الأمر سيبقى مجرد سخط شبابي رقمي لإيصال رسائل جيل يتهم باللامبالاة السياسية إلى من يهمه الأمر. وبشكل مفاجئ تبلورت مجموعة "جيل زد" داخل غرف نقاش افتراضية على تطبيق "ديسكورد"، واستقطبت آلاف الشباب في أيام قليلة. كما أنشأت المجموعة قنوات جهوية وفضاءات للنقاش، واستضافت نقاشات مع صحافيين وأكاديميين تركزت حول ملفات ذات أولوية في المغرب، منها الصحة والتعليم وفرص العمل ومحاربة الفساد. في حين كان لافتاً للانتباه تأكيد الواقفين وراء المبادرة أن تحركهم "سلمي ويهدف إلى الإصلاح داخل إطار الدولة ومؤسساتها"، مشددين على دعمهم للملكية باعتبارها "ضامناً للاستقرار". وفي نقاشاتهم عبر تطبيق ديسكورد، حرص القائمون على المبادرة على التأكيد على ضرورة استخلاص العبر من تجارب احتجاجية سابقة مثل "حركة 20 فبراير" و"حراك الريف" وجرادة، رافضين أي "توظيف سياسي أو تدخل خارجي". في الوقت الذي يتكرر فيه اليوم مشهد رفع مطالب اجتماعية في الاحتجاجات التي عاشتها شوارع عدد من مدن المملكة يومي السبت والأحد الماضيين، وهي المطالب التي تجد طريقها في وضع اقتصادي واجتماعي صعب، يرى عضو الجبهة الاجتماعية المغربية (غير حكومية) محمد الغفري، أن المغرب يعرف اليوم حراكاً شبابياً سلمياً يتخذ من قضايا الصحة والتعليم والسكن رافعة لمطالبه المشروعة. ويوضح أنه حراك يكشف عن عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي لم تعد تخفى على أحد، ويعبر في الوقت نفسه عن وعي جيل جديد بضرورة الدفاع عن حقه في الكرامة والعدالة الاجتماعية. ويشير الغفري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المغرب بحاجة إلى انتخابات جديدة، شفافة ونزيهة، تكون نتائجها محل رضا شعبي واسع، بما يفتح أفقاً جديداً لحياة سياسية سليمة تعيد الاعتبار للمواطن، وتستجيب لتطلعات الشباب قبل أن يتحول الحراك السلمي إلى ثورة غضب لا أحد يستطيع التنبؤ بمآلاتها". ويتابع: "إننا نخاطب حكماء هذا الوطن لإدراك أن اللحظة التاريخية الراهنة تفرض الشجاعة والحكمة معاً، وأن مستقبل المغرب لن يبنى إلا بالثقة المتبادلة، والوحدة الوطنية، والعدالة الاجتماعية". وبالنسبة لرئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان (مستقلة) عادل تشيكيطو، فإن بروز حركة احتجاجية جديدة يقودها شباب "يعكس عمق التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي، حيث يستعمل جيل جديد الفضاء الرقمي أداة للتعبئة وللتعبير عن مطالبه المشروعة، بعيداً عن الأطر التقليدية للعمل النقابي أو الحزبي". ويضيف تشيكيطو في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن سياق هذه الحركة مرتبط أساساً بـ"تفاقم الأزمات الاجتماعية، خاصة البطالة في صفوف الشباب، وضعف الخدمات العمومية في الصحة والتعليم، وغياب قنوات مؤسساتية فعالة لاحتضان صوت الشباب وإشراكه في القرار العمومي، وهو ما يفسر سرعة انتشار دعوات التظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحجم التفاعل معها في مختلف المدن". أما عن مستقبل مجموعة "جيل زد" الشبابية، فيرى أنها "قابلة للتطور والاتساع إذا لم يتم التجاوب الجاد مع مطالبها"، معتبراً أن "المقاربة الأمنية لا يمكن أن توقف دينامية مجتمع يتطلع للكرامة والعدالة الاجتماعية، بل قد تؤدي إلى تأجيج الغضب وتعميق فقدان الثقة بالمقابل"، مؤكداً أن تبني مقاربة حوارية ــ إصلاحية تستمع للشباب وتترجم مطالبهم إلى سياسات عمومية ملموسة، هو الكفيل بتحويل هذا الزخم الاحتجاجي إلى طاقة بناءة تخدم الوطن. رشيد لزرق: "جيل زد" يعكس اختلافاً واضحاً في المنظومة الثقافية والقيمية مقارنة بالأجيال السابقة اختلاف المنظومة الثقافية من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري رشيد لزرق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "جيل زد" في المغرب يعكس اختلافاً واضحاً في المنظومة الثقافية والقيمية مقارنة بالأجيال السابقة، إذ نشأ في بيئة رقمية مفتوحة جعلته أكثر انفتاحاً على قيم الحرية الفردية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، موضحاً أن انكشاف هذا الجيل المباشر على تجارب شبابية عالمية من خلال الإنترنت عزز لديه الشعور بالانتماء إلى جيل كوني، لكنه في الوقت ذاته زاد إحباطه حيث يصطدم بواقع محلي لا يرقى إلى توقعاته. ويعتبر لزرق أن هذا التناقض بين المرجعيات الرقمية والواقع المعاش يغذي شعوراً دائماً بالغبن وعدم الرضا، لافتاً إلى أنه من منظور سوسيولوجي، يمكن القول إن هذا الجيل يعيد تعريف السياسة ويكسر احتكارها من طرف النخب التقليدية، فهو يرى أن السياسة ليست حكراً على الأحزاب والمؤسسات، بل هي ممارسة يومية تبدأ من التدوين على شبكات التواصل الاجتماعي وتمتد إلى الشارع والاحتجاج المباشر. ويقول إن هذه النظرة الجديدة تجعل من القضايا الكبرى مثل البطالة والفساد امتداداً لمشكلات حياتية ملموسة، ما يمنح الحركة الاحتجاجية التي يقودها شرعية اجتماعية واسعة ويجعلها أكثر قرباً من المواطن العادي. ويلفت إلى أنه "على مستوى القيم يميل جيل زد إلى رفض الطاعة العمياء والتراتبية الصارمة التي تميز مؤسسات مثل الأسرة والمدرسة، وحتى الفضاء العمومي. إنه جيل يناقش ويسائل ويشكك، ما يضعه في مواجهة مع منظومة سياسية واجتماعية ما زالت تقوم على أسس هرمية. هذا التحول القيمي يُنتج صداماً ثقافياً بين الشباب والسلطات، وقد يتسع إذا لم تجد هذه النزعة النقدية فضاء مؤسسياً للحوار والاستيعاب". وإجمالاً، يرى لزرق أن مستقبل حركة "جيل زد" مرهون بقدرة الدولة على التعامل مع هذه التحولات الثقافية والقيمية، مشيراً إلى أنه "إذا تم الانفتاح على الشباب وإشراكهم في صياغة السياسات، يمكن لهذه الطاقة الاحتجاجية أن تتحول إلى قوة اقتراحية تساهم في تجديد القيم السياسية والاجتماعية"، لكنه يحذر من أنه "في حال استمر منطق التجاهل أو القمع، فإن الهوة بين الدولة والشباب ستتعمق، ما يهدد بظهور أنماط جديدة من الاحتجاج أكثر جذرية وأصعب على الاحتواء".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية