روايات نظرية المؤامرة في الواجهة مرة أخرى
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
بمجرد أن صدرت رواية دان براون الجديدة بعنوان "سر الأسرار" مطلع الشهر الجاري، بدأت أقلام النقاد وآراء القراء تطرح تساؤلاً محورياً عن قيمة الدمج بين القصة البوليسية والصراع على المعرفة ونظرية المؤامرة معاً في رواية من الحجم الكبير (تجاوزت نسختها الإنكليزية 600 صفحة)، وإذا ما صادقنا أصحاب هذا التساؤل على أن فكرة الرواية مكرّرة، بأبطال غير مدهشين، فلماذا هذا الإقبال على نقاش عمل الكاتب؟ وهل لا تزال الروايات من هذا النوع تحتلّ مكانتها بين القراء اليوم؟ الأدب والأزمات لا تمثل نظرية المؤامرة ظاهرة حديثة، بل تمتد جذورها إلى قرون طويلة منذ العصور الوسطى مثلاً، إذ كان الملوك مثل فيليب الرابع ملك فرنسا يعتبرون من أكبر منظّري المؤامرة في ذلك الوقت. ويوضح التحليل النفسي أن نظريات المؤامرة تنشأ وتزدهر خاصّة خلال الأزمات الاجتماعية التي تتميز بتغييرات سريعة ومؤثرة تهدّد المؤسسات القائمة، أو حتّى وجود جماعات معينة. وفي ظل الأزمات، تتولد مشاعر مثل الخوف والشك والشعور بفقدان السيطرة، ما يحفز الإنسان لفهم ما يحدث حوله، ولذلك، فإنّ استمرارية سردية المؤامرة، سواء في الواقع أو في الخيال، ترتبط بحاجة إنسانية للعثور على الحقائق والإجابات في واقع فوضوي. هذه الحاجة، هي ما يربط بين الواقع والخيال، وبين الأدب والعلم، وبين الحقيقة والأسطورة، ولا شيء يجمع هذا كلّه ربما، أفضل من الرواية، إذ تكثف نظرية المؤامرة، وتضع التشويق في قلب حبكتها من خلال الجمع بين الخوف والشك، ورحلة الوصول إلى إجابة، تماماً كما في رواية "شيفرة دافنشي"، التي أثارت اهتماماً كبيراً لدى شرائح واسعة من القراء بقضايا الفن والتاريخ والدين، كما جعلت من الأسرار التاريخية الغامضة والمؤامرات موضعاً للجدل. مطاردة في براغ تأتي رواية "سر الأسرار" وسط تساؤلات وانتقادات وترحيبات تجسد التناقض الذي طاولها بمجرد نشرها. يدور محور الأحداث حول البروفيسورة في "الوعي الباطني" كاثرين سولومون، صديقة وحبيبة لانغدون، التي تقدّم "اكتشافاً حول طبيعة الإدراك سيقلب كل ما نعرفه عن الكون"، ويبدأ الصراع على هذا الاكتشاف الذي تسعى سولومون للإعلان عنه ونشر تفاصيله في كتاب، باختفائها في مدينة براغ قبل محاضرتها الحاسمة التي ستضع قروناً من المعتقدات الراسخة على المحك، وفي الحال، يتبنى لانغدون السر الذي تحمله كاثرين، وينطلق في سلسلة من الأحداث الشائقة والمطاردات التي تستعيد أهم المعالم السياحية والتاريخية في براغ لتصبح المطاردة دولية بعد ذلك، فيما تمتلئ صفحات روايته هذه المرّة بمصطلحات علمية قد تكون دقيقة وغير دقيقة، تركز على فكرة وعي الإنسان وزيفه من عدمه، وأسرار الحياة بعد الموت، لكنّه ينطلق بها بأسلوب سريع يعطي الأولوية للحبكة، وللذروات الروائية التي ينتهي بها كل فصل من الفصول. من غموض السياسة إلى انعدام اليقين لم تكن "شيفرة دافنشي" الرواية الأولى التي سعت إلى الانتقال من الترفيه والمتعة الجمالية إلى التحفيز على البحث والنقاش، فخلال القرن العشرين، اشتهرت روايات أخرى تضمنت نظرية المؤامرة، بعضها من منظور سياسي، مثل رواية "المرشح المنشوري" (1959) لريتشارد كوندون، وأخرى تعالجها من نواحٍ علمية ونفسية، مثل ثلاثية إيلوميناتوس (1969 – 1971) لروبرت شيا وروبرت أنطون ويلسون، وكذلك الروائي والكاتب فيليب ك. ديك، الذي انطلق من فكرة وجود المؤامرة إلى فكرة "عدم اليقين في المعرفة" نفسها. حبكة مشوقة تحوّل الحدث التاريخي إلى كذبة أو أسطورة ولقد ربط فيليب رؤيته هذه بالمستقبل، متحدياً الفكرة التي تقول إن التقدم بالزمن والتكنولوجيا يعني أن التطور حتمي، كما في قصته الأشهر "هل تحلم الروبوتات بِخرافٍ آلية؟" (1968)، وروايته "الرجل في القلعة العالية"، التي تتخيل عالماً بديلاً هُزمت فيه قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية. أما الرواية التي شكلت تحولاً جوهرياً في هذا النوع من الأدب، فكانت "بندول فوكو" (1988) لأومبرتو إيكو، التي ناقشت فكرة صنع المؤامرة، لا المؤامرة نفسها، وذلك عبر حبكة عميقة ومشوقة تستعرض تحويل الحدث التاريخي إلى كذبة أو أسطورة، أو العكس، من خلال توثيق الخيال وتحويله لحدث تاريخي.  انتعاش روايات المؤامرات إذن، يمكن أن نتصور اليوم، أن هناك أنواعاً كثيرة من القراء، ربما منهم المثيرون للجدل مثل أعضاء "كيو آنون"؛ الحركة التي تأسست في الولايات المتحدة عام 2017، ويتبنى أفرادها نظرية المؤامرة لتفسير الأحداث والقضايا الجارية، والذين سيستقبلون رواية دان براون الجديدة، إلى جانب أعمال أخرى قد تصدر لاحقاً، وروايات حظيت بالانتشار مثل سلسلة "كوتون مالون" للكاتب ستيف بيري، التي تدور حبكتها حول المؤامرات التاريخية التي تستغل الأماكن والآثار الأيقونية، ففي رواية "بروتوكول وارسو" مثلاً، تدور الحبكة حول مؤامرة دولية مبنية على سرقة سبعة من الآثار الدينية المقدسة لاستخدامها في مزاد سياسي سري.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية