معارضة منفعلة وسلبية
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
في المشهد السوري الراهن، تلفت الانتباه قبل أي شيء آخر لغة المعارضين للنظام الجديد، تلك اللغة التي باتت تغلب عليها الانفعالات، الشتائم، كيل الاتهامات، التشبث الدائم بالمظلومية. خطاب يفتقد السياسة، ويكاد يخلو من الرؤية والبدائل، وينحصر في ردات أفعال غاضبةً على انتهاكاتٍ حصلت هنا وهناك، لكنها بعيدة كل البعد عن العمل السياسي الحقيقي.  المؤسف أكثر أن جزءاً كبيراً من هذه المعارضة، التي كانت في يوم امتداداً لحركاتٍ سياسيةٍ وطنية يسارية وقومية وعروبية، تحوّلت اليوم في كثير من وجوهها إلى معارضة مناطقية وطائفية، تُدار من منابر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر مما تتحرّك على الأرض. في الماضي، كانت المعارضة السورية تضم أسماء وأحزاباً تحمل مشاريع وطنية، تستند إلى برامج سياسية متكاملة، وتعمل من داخل المجتمع، وتحمل خطاباً عاماً يشمل كل السوريين رغم كل ما ارتكبه النظام السابق من انتهاكات وما مارسه من قمع. أما اليوم، فلا يوجد سوى أصوات معارضة فردية، لا تمثل إلا فئات محدّدة أو مناطق معينة، ما أفقدها كثيراً من صدقيتها أمام جمهور واسع كان يبحث عن بديل وطني حقيقي. في المقابل، تتحرّك الدولة السورية، رغم مآخذ كثيرة، كقطار سريع، تسعى إلى تجاوز آثار الحرب نسبياً، وبدأت بإعادة بناء مؤسّسات التعليم والصحة والخدمات، ولو تدريجيّاً. صحيح أن الطريق لا يزال طويلاً، وثمة مشكلاتٌ وتحدّياتٌ داخلية لا يمكن إنكارها، لكن الواضح أن ثمة حراكاً باتجاه النهوض قد بدأ بالظهور، وأن الدولة، كما هي اليوم، تحاول استعادة موقعها الإقليمي والدولي وسط احتضان خارجي متزايد، ولو كان مشروطاً. وعلى الصعيد السياسي الداخلي، لم يعد هناك خوفٌ كما في عهد النظام السابق، ولم تعد العاصمة والمدن الرئيسية مساحات للرعب، بل بدأت البلاد تستعيد شيئاً من الحيوية والحياة على صعيد حرّيات التغيير. وهذا لا يعني أن الأمور مثالية، بل يعني أن ثمّة تحولاً يجب النظر إليه بواقعية. وهنا، يبرز السؤال: هل ستبقى المعارضة تكتفي بالمقاطعة، وبالتشكيك، والتنديد وبالشتائم والسخرية من بعيد، أم ستملك شجاعة الانخراط في الواقع الجديد، بكل تعقيداته وتحدّياته؟ الفرصة اليوم متاحة، لا للمصالحة مع السلطة والنظام الجديدين، بل للمشاركة في إعادة صياغة الدولة. المشاركة هنا لا تعني التماهي، بل الحضور السياسي الفاعل، والعمل المعارض من الداخل، من الشارع، من الجامعة، من العمل من داخل المؤسسات، من تنظيم حزبي أو مدني واضح المعالم، لا من خلال منشورات “فيسبوك” وبقية وسائل التواصل، أو الاكتفاء بالصراخ من بعيد. بدأ القطار يسير، والدولة تتغيّر ولو ببطء. ويبدو أن من لا يصعد الآن قد يفوّت فرصة التأثير، وربما يُترك خارج المشهد تماماً، فالتغيير لا يأتي بالانتظار، بل بالفعل السياسي، والتنظيم، والعمل داخل المجتمع، لا خارجه. تستيقظ سورية من كابوس طويل. بلدٌ كان يُذبح ويُهدم، ينهض الآن، ليس بفضل شخص أو رئيس، بل لأن الزمن تغيّر. لكن من يلعبون دور المعارضين للنظام الجديد، يبدو أنهم محكومون بالانفعال وغياب أي رؤية سياسية للمستقبل، وبغياب العمل الجماعي، والبرامج السياسية، وهم أيضاً واقعون في فخ المناطقية والطائفية، ما أفقدهم خطاباً وطنياً جامعاً يجذب كل السوريين.  حقيقة الأمر اليوم أنه لا يوجد معارضة حقيقية، بل مجرّد أصوات فردية غاضبة، قاعدتها وجمهورها المنطقة والطائفة فقط، تكفر بكل شيء من حولها، وتريد كل شيء في الوقت نفسه، لكنها تكتفي بالفرجة فقط ورمي الحجارة على قطار الدولة الذي يمشي بسرعة كبيرة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية