موازنة 2026 تزيد وجع اللبنانيين... تلاعب بالأرقام
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
أقر مجلس الوزراء اللبناني مشروع قانون موازنة 2026 على وقع أحداث أمنية دقيقة تشغل الساحة المحلية، وضغوط اقتصادية خانقة تفاقم معاناة المواطنين الذين يئنون أساساً تحت وطأة الغلاء الشامل، ويتخوفون اليوم من أي قرارات جديدة قد تزيد صعوباتهم المعيشية، خصوصاً أن الحكومات المتعاقبة دأبت دائماً على فرض ضرائب ورسوم وبنود ملغومة، من دون أي خدمات مقابلة أو إصلاحات حقيقية. وأتى مشروع الموازنة، الذي سيدرسه مجلس النواب بالتفصيل مع إمكانية إدخال تعديلات عليه، ومن ثم إقراره، خالياً من أي تصحيح لرواتب العاملين في القطاع العام وأجورهم، مدنيين وعسكريين ومتقاعدين، وذلك رغم التحركات التصعيدية التي شهدها الشارع في الأيام الماضية بهدف إنصافهم. كذلك جاء بأرقام نبّه خبراء في الاقتصاد إلى أنها تكشف تلاعباً واضحاً، رغم أن الشعار الذي ترفعه هو "صفر عجز"، فضلاً عن أنه مثقل بالضرائب على مداخيل الأفراد. وتعرّض مشروع الموازنة لانتقادات من قبل خبراء اقتصاديين، خصوصاً أنه جاء على شاكلة الموازنات التقليدية المقرة في السنوات السابقة، بينما كان يعوّل على الحكومة، في ظل العهد الجديد والوعود الإصلاحية الصادرة عنها، أن تخرج ببنود فيها أقله تصحيح ضريبي، وتفادي الوقوع في مكامن الخلل نفسها، رغم الملاحظات المتكررة التي كانت تطاولها، وعلى رأسها قطع الحساب، الغائب الأبرز أيضاً.  وبلغ حجم الموازنة نحو 505.720 مليارات ليرة لبنانية (نحو 5.65 مليارات دولار). ويستهلك بند الرواتب والأجور وملحقاته أكثر من 50% من إجمالي الموازنة، في ظل إشارة مجلس الوزراء إلى أن هذه الموازنة لا تهدف إلى زيادة الضرائب أو إلى فرض ضرائب جديدة، بل ترمي إلى تمويل النفقات العمومية، بما فيها النفقات الاستثمارية. في هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان، في منشور له عبر منصة "أكس" إن موازنة عام 2026 أُقرَّت في مجلس الوزراء تحت شعار "صفر عجز"، لكن الأرقام تكشف تلاعباً واضحاً، فقد قدرت الواردات الاستثنائية بصفر ليرة، أي كأن الدولة بلا أي موارد إضافية، فيما رُحِّلَت خدمة الدين العام، وهي من أكبر النفقات، إلى خارج صورة العجز، وكأنها غير موجودة. ويضيف: "في المقابل، رفعت الضريبة على القيمة المضافة، زيدت الرسوم الجمركية على الاستيراد، ضوعفت الغرامات على المكلفين، ارتفعت رسوم المعاملات الرسمية، وأعيد العمل بالطوابع الورقية مع فتح باب جديد للهدر عبر البلديات والمخاتير". ويردف أبو سليمان: "بالنهاية، ما أُقر ليس خطة إصلاح، بل مجرد تزيين حسابي على الورق وفرض مدرسي لإرضاء الآخرين". موازنة تقليدية من جهته، يقول الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، لـ"العربي الجديد": "كنا ننتظر أن تكون الموازنة إصلاحية بكل ما للكلمة من معنى، لكنها للأسف أتت تقليدية بشكل كامل، خصوصاً من حيث طريقة إعدادها، عبر وضع النفقات على الطاولة، ومن ثم البحث عن مصادر للتمويل. وبالتالي فهي بعيدة عن مبدأ أن تكون موازنة تنموية". ويشدد على أن هذه الموازنة ترتكز على الضرائب بأكثر من 80% منها، في حين أن الدولة يمكنها أن تؤمن إيرادات بمليارات الدولارات من مصادر أخرى مثل الغرامات والمخالفات ورسوم الكسارات والمقالع والمرامل وغيرها، ويمكن أيضاً أن تؤمن مبالغ طائلة من الكهرباء والاتصالات وغير ذلك. ويلفت أبو شقرا إلى أنه لا عدالة ضريبية ومجتمعية في هذه الموازنة، ما يزيد كثيراً الأعباء على كاهل المواطنين، خصوصاً أن الضرائب مثقلة على مداخيل الأفراد، وتقتطع منها مبالغ كبيرة ومؤذية، وذلك في ظل تدني المداخيل. ويتوقف أبو شقرا عند بعض الملاحظات على مشروع الموازنة، أبرزها أنها لم تأخذ بعين الاعتبار إيرادات استثنائية كان مفترضاً أن تدرجها، منها قروض مع المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي، المعقودة بحوالى مليار دولار، منها 200 مليون للزراعة، و250 مليوناً لإعادة الإعمار، و250 مليوناً للكهرباء، وخلافه. كذلك لم تأخذ في الحسبان الحرب التي مرّ بها لبنان ولم ترصد أكثر من 50 مليون دولار لبعض الأمور الأساسية، فيما كان المطلوب أكثر بكثير. الأمر الأساسي، بحسب أبو شقرا أيضاً، أنّ هذه الموازنة أتت بلا قطع حساب، وبالتالي ليس هناك من أداة قياس بيد النواب لمراقبة تنفيذ الموازنة وتقييم التوقعات، وكيفية توزيع الدولة للإيرادات والإنفاق، بغية المحاسبة. ويضيف أبو شقرا أن النفقات الاستثمارية فيها زهيدة جداً، إذ لا تتجاوز 11%. ومع أنه لا يمانع ذلك، فإنه يشير إلى أن استثمارات الدولة بطبيعة الحال لم تكن ناجحة، ورأينا ذلك في قطاعات الاتصالات والمياه وحصر التبغ والتنباك، وحصرية الطيران لمصرف لبنان، وألعاب الترفيه والقمار، وغيرها من المؤسسات الاحتكارية للدولة ذات المردود القليل والخدمات المتواضعة. من ناحية ثانية، يعتبر أبو شقرا أن إقرار مشروع الموازنة يصوّر وكأنه إنجاز، باعتبار أنه جرى الالتزام بالمهل الدستورية، لكن هذا ليس إنجازاً، بل واجب دستوري. والموازنة لا تزال تعتمد كثيراً على الضرائب النوعية، من دون أن يكون هناك ضريبة موحدة على الدخل، التي تعد أكثر عدالة. كذلك فإننا لا نرى خطوات على صعيد مكافحة التهرب الضريبي والجمركي، رغم وجود توقعات بأن تزيد العائدات الجمركية بنهاية عام 2025 إلى 1.4 مليار دولار. هذا إلى جانب كون موازنات بعض الوزارات مثل التربية وغيرها ضئيلة جداً، ولا تعبّر عن الحاجات، فيما يغيب الشق الاجتماعي والتنموي عنها. أفضل الممكن من جهتها، تقول الباحثة في القانون الدولي والجرائم المالية والاقتصادية محاسن مرسل لـ"العربي الجديد": هذه الموازنة هي أفضل الممكن، خصوصاً أن الحكومة لا تملك الأدوات المتوفرة للقيام بأكثر من ذلك في الوقت الحالي. وتشير مرسل إلى أن النمو المقدر في الموازنة يصل إلى 3.5%، والنفقات الجارية والتشغيلية لا تزال تحتل الحيز الأكبر منها بنسبة 88.9%، في حين أن النفقات الاستثمارية تقتصر على 11%، علماً أنها عادة ما تخلق فرص عمل، وهو ما يبقينا في المكان نفسه. وتلفت مرسل إلى أن ضمن فرضيات الحكومة أن توسع إطار الجباية، ومن شأن تحسنها أن يؤمن نحو 300 مليون دولار، يخصص منها منح ومساعدات للقطاع العام والعسكريين، علماً أن كلفة هذه المنح تصل إلى 370 مليون دولار. وتشير إلى أن المشكلة لا تزال في فرض ضرائب غير مباشرة، التي حكماً تطاول أصحاب الدخل المحدود، في حين أنها لا تطاول أصحاب الشركات بضرائب مباشرة، بذريعة ارتفاع نسبة التهرب الضريبي. وهنا الإشكالية الكبرى، ما يحتم الحاجة إلى نظام ضريبي عادل. كذلك، تشير مرسل إلى أننا لم نأتِ على ذكر خدمة الدين العام، حيث إنه في وقت تسجل فيه الخزينة العامة فائضاً بمصرف لبنان يصل إلى 2.6 مليار دولار، هناك في المقابل نحو 42 مليار دولار متوجبة على الدولة بين سندات اليوروبوند وحقوق السحب الخاصة، وتدفع عليهم الدولة اللبنانية نحو 40 مليون دولار سنوياً، ومليار دولار للنفط العراقي، وغيرها من المبالغ غير المذكورة، التي من شأنها أن تظهر حجم العجز. وهذه كلها، إلى جانب عوامل أخرى، تؤكد أن الموازنة هي أفضل الممكن راهناً.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية