
عربي
تمكّن الجيش السوداني من تنفيذ عملية إنزال جوي لإمداد قواته المحاصرة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وسط معارك طاحنة بينه وبين قوات الدعم السريع في إقليمي كردفان ودارفور جنوب وسط وغرب السودان، وهي المرة الأولى التي ينفذ فيها الجيش إنزالاً جوياً منذ إبريل/نيسان الماضي حين تمكّنت "الدعم السريع" من إسقاط إحدى طائرات الشحن العسكرية، وتأتي التطورات الجديدة في ظل حصار خانق تفرضه "الدعم السريع" على مدينة الفاشر وتتحكّم عبره في مداخل ومخارج المدينة وتمنع دخول السلع الغذائية والبضائع، ما تسبب في أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة، لقي على إثرها العديد من المواطنين حفتهم وآخرهم 75 طفلاً بسبب الجوع والمرض، حسب ما أعلنت غرف الطوارئ الإنسانية في المدينة.
وتسيطر "الدعم السريع" منذ الأشهر الأولى للحرب، التي اندلعت في 15 إبريل/نيسان 2023، على أربعٍ من خمس ولايات في إقليم دارفور، وهي: ولاية جنوب دارفور، ولاية غرب دارفور، ولاية شرق دارفور وولاية وسط دارفور، بينما فشلت في السيطرة على الولاية الخامسة وعاصمتها الفاشر التي تفرض عليها حصاراً خانقاً، في محاولة للسيطرة على آخر المدن الحضرية الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني وحلفائه من الحركات المسلحة الموقعة على سلام مع الحكومة السودانية، والتي تدافع عن المدينة وترفض الانسحاب منها رغم استمرار الهجمات المكثفة للدعم السريع.
وحلقت، فجر اليوم الاثنين، طائرة شحن عسكرية من طراز انتونوف تابعة للجيش السوداني فوق مدينة الفاشر، وأنزلت عدداً من الصنادق إلى المدينة التي تتمركز بها الفرقة السادسة مشاة، والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح المساندة للجيش، وقوات شعبية أخرى. في حين نشر مقاتون من "الدعم السريع" مقاطع فيديو وهم وسط صنادق من الذخيرة معلنين سيطرتهم على ما قالوا إنه إنزال نفذه الجيش، بينما نشر جنود من الجيش مقاطع بدورهم مؤكّدين نجاح عملية الإنزال، وتوعدوا الدعم السريع بتكثيف الهجمات ضدهم بعد وصول الإمداد العسكري.
وقالت مصادر محلية في الفاشر لـ"العربي الجديد" إنّ تحليق طائرات الجيش فوق المدينة فجر اليوم أشعل حالة من الفرح والتفاؤل وسط المواطنين، وقد خرج المواطنون إلى الشوارع بينما أطلق الجنود الرصاص في الهواء احتفالاً بظهور الطائرات التي غابت عن سماء المدينة منذ إبريل الماضي. وقالت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر (تنظيمات شعبية ثورية) في بيان، الاثنين، إنّ عودة الطيران الحربي للمدينة بعد غياب طويل، يعتبر أول سطور النصر وفك الحصار عن الفاشر، وأَضافت: "نتمنى الاستمرار على هذا الطريق بعزيمة لا تلين وصفوف لا تنكسر".
ويأتي الإنزال الجوي وسط معارك مستمرة في مدينة الفاشر، آخرها أمس الأحد، إذ قالت الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش في الفاشر في بيان، الأحد، إنها تمكنت من صد الهجوم رقم (237) الذي شنته الدعم السريع فجراً على مدينة الفاشر بالاتجاه الشمالي الغربي، وأضافت أنه خلال الفترة النهارية نفذت المليشيا قصفاً متواصلاً على المدينة، "إلّا أنّ الأوضاع مستقرة، والنضال مستمر حتى النصر".
وفي هذا الصدد قال رئيس تحرير "صحيفة القوات المسلحة" السابق العقيد إبراهيم الحوري على حسابه بموقع فيسبوك، الاثنين، إن الإنزال الذي جرى صباح اليوم في مدينة الفاشر يعد ناجحاً بكل المقاييس، مضيفاً أن تنفيذ الإسقاط عبر حاجز تشويش يعني أن القوات الجوية نجحت في مهمة محددة، وسدّت "فجوة تقنية عملياتية مؤقتة واستعادت السيطرة الجوية"، وأكد أنه سيكون لذلك تأثير في ميزان المعركة، "لأنّ الإمداد أحد أهم أسباب النجاح في المعركة الدفاعية، ويمكن مواصلته عن طريق الاسقاط الذي يمكن ان يحل جزئياً بعض المشاكل ويقدم دعماً يساعد على تنفيذ الخطة الدفاعية على أكمل وجه".
وذكر الحوري أنه لنجاح الإسقاط أثر معنوي أيضاً "فعندما ترى المدن المحاصرة أن الطيران عاد أو أن الإمداد وصل جواً بعد صمت طويل، فإنّ ذلك يرفع معنويات المدافعين والمدنيين ويقلل من الشعور بالعزلة"، لافتاً إلى أنّ كسر التشويش يعني أن وحدة مهام الحرب الإلكترونية نجحت بتجاوز تقنية التشويش مؤقتاً، وهو نجاح مهم على مستوى المهمة، ويعكس نجاحاً كبيراً في الحرب الإلكترونية.
وذكر أنه بما أنّ الفاشر محاصرة منذ فترة طويلة يأتي هذا الاسقاط ليؤكد قدرة القوات المسلحة على تنفيذ عمليات الامداد، وهذا بدوره سينعكس إيجاباً على المقاتلين في الميدان، كما أن إسقاط طرد أو حاويات إمداد جواً بعد غياب طويل يُرسل رسالة داخلية للجبهات والمدنيين بأنّ الجيش لا يزال يملك قدرة على الوصول إلى كل مواقع وتنفيذ عمليات إمداد، وإن كانت محدودة.
ورأى الصحافي السوداني ماجد علي في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ عملية الإنزال الجوي التي نفذها الجيش السوداني لإمداد قواته المحاصرة في الفاشر تشير إلى أن المعارك سوف تتصاعد خلال الأيام المقبلة في دارفور، وأشار إلى أنّ طيران الجيش كان يواجه مشكلة في التحليق فوق المدينة بسبب منظومات دفاع جوي حديثة استجلبتها الدعم السريع في إطار خطتها لإسقاط الفاشر.
ولفت علي إلى أنّ الطائرات المسيّرة التابعة للجيش التي نفذت غارات مكثفة خلال الأيام الماضية يرجح أنها تمكّنت من تدمير منظومتَي دفاع جوي كان المعلومات تشير إلى أنّهما منصوبتان حول مدينة الفاشر، وعبرهما جرى إسقاط طائرة سابقة للجيش من طراز انتونوف في إبريل 2025، وكانت تلك آخر مرة تحلق بها طائرات الجيش المستخدمة في الإنزال فوق الفاشر.
وفي تقرير نُشر في 28 أغسطس/آب الماضي قال مختبر الأبحاث الإنسانية في كلية ييل للصحة العامة الأميركية، إنّ قوات الدعم السريع شيدت أكثر من 31 كيلومتراً من الجدران الترابية (سواتر) حول مدينة الفاشر منذ مايو 2025، مبيناً أنها أكملت بناء هذه السواتر الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، التي تتحكم عبرها في خروج ودخول السكان من المدينة.
وذكر المعهد أن سواتر الدعم السريع حول الفاشر بطول 31 كيلومتراً بنيت على أجزاء منذ 9 مايو/أيار 2025 واستمرت حتى 27 أغسطس، وأضاف أن "الدعم" بنت حتى تاريخ صدور التقرير، ساتراً بطول 22 كيلومتراً تقريباً، يُشكل نصف دائرة من غرب المدينة إلى شمالها على أجزاء بين 9 مايو و19 أغسطس 2025، وأشار إلى أنه بين 19 و27 أغسطس بنت ما يقرب من 9 كيلومترات من السواتر تُحيط بمعظم الجانب الشرقي من الفاشر، وتمتد شمالاً وجنوباً من حيث يخرج الطريق الرئيسي من الجانب الشرقي للفاشر.

أخبار ذات صلة.

7 أكتوبر: أي متغيرات دولية وإقليمية؟
france24
منذ 7 دقائق

هاميلتون يثير الجدل بسخريته من شكوى ألونسو
العربي الجديد
منذ 16 دقيقة