
عربي
ينطلق هذا الأسبوع برنامج التأشيرات الجديد في الصين الهادف إلى جذب المواهب الأجنبية في قطاع التكنولوجيا، في خطوة يُنظر إليها باعتبارها تعزز حظوظ بكين في منافستها الجيوسياسية مع واشنطن، في وقت تدفع فيه سياسة التأشيرات الأميركية الجديدة المتقدمين المحتملين إلى البحث عن بدائل.
ورغم أن الصين لا تعاني نقصًا في المهندسين المحليين المهرة، فإن البرنامج يأتي في إطار سعي بكين لتقديم نفسها بصفة بلد مرحِّب بالاستثمار والمواهب الأجنبية، بينما تُلقي التوترات التجارية المتصاعدة بسبب الرسوم الجمركية الأميركية بظلالها على التوقعات الاقتصادية للبلاد. واتخذت الصين سلسلة من الإجراءات لتعزيز الاستثمار والسفر الأجنبي، من خلال فتح المزيد من القطاعات أمام المستثمرين الأجانب وتقديم إعفاءات من التأشيرة لمواطني معظم الدول الأوروبية واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها.
وقال المحامي الأميركي لشؤون الهجرة مات ماونتل-ميديتشي، ومقره أيوا، لوكالة رويترز، إن "الولايات المتحدة ترفع الحواجز، وتخفّضها الصين"، في إشارة إلى الفئة الجديدة من التأشيرات التي تحمل اسم "K" والتي ستُطلق يوم الأربعاء. وكانت إدارة ترامب قد أعلنت في وقت سابق من هذا الشهر أنها ستطلب من الشركات دفع 100 ألف دولار سنويًا مقابل تأشيرات العمل H-1B، التي تعتمد عليها شركات التكنولوجيا الأميركية لتوظيف العمال المهرة من الخارج.
وبدوره، قال مايكل فيلر، كبير الاستراتيجيين في غيوبوليتيكال استراتيجي: "لقد أطلقت الولايات المتحدة النار على قدمها في ما يتعلق بتأشيرات H-1B، والتوقيت رائع بالنسبة لتأشيرة الصين K"، كما أن دولاً أخرى مثل كوريا الجنوبية وألمانيا ونيوزيلندا تعمل أيضًا على تخفيف قواعد التأشيرات لجذب المهاجرين.
ويشير خبراء الهجرة إلى أن أبرز ما يميز تأشيرة "كي" هو عدم الحاجة إلى كفيل وظيفي، وهو ما اعتُبر أحد أكبر العقبات أمام المتقدمين لتأشيرات H-1B، فتأشيرة H-1B تشترط كفالة صاحب عمل وتخضع لنظام القرعة الذي يتيح فقط 85 ألف مقعد سنويًا، كما أن الرسم الجديد البالغ 100 ألف دولار قد يُثني المتقدمين الجدد.
تستهدف التأشيرة، التي أُعلن عنها في أغسطس/آب، خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) الأجانب الشباب، وتَعِد بالسماح بالدخول والإقامة والعمل من دون عرض عمل مسبق، وهو ما قد يجذب العاملين الأجانب الباحثين عن بدائل للفرص الأميركية. وقال بيكاش كالي داس، وهو طالب هندي في جامعة سيتشوان: "إنها بديل جذاب للمهنيين الهنود في مجالات STEM الباحثين عن خيارات تأشيرية مرنة ومبسطة"، وكانت الهند المستفيد الأكبر من تأشيرات H-1B العام الماضي، إذ حصل مواطنوها على 71% من الموافقات، وفق "رويترز".
عقبات "كي" وغياب الحوافز المالية
تواجه التأشيرة عقبات، فالإرشادات الحكومية الصينية تشير بشكل فضفاض إلى متطلبات "العمر والخلفية التعليمية والخبرة العملية". كما لا توجد تفاصيل حول الحوافز المالية أو تسهيل التوظيف أو الإقامة الدائمة أو رعاية الأسرة. وعلى عكس الولايات المتحدة، لا تمنح الصين الجنسية للأجانب إلا في حالات نادرة. ولم يرد مجلس الدولة الصيني على طلب للتعليق حول المزيد من التفاصيل بشأن آليات واستراتيجية تأشيرة "كي".
اللغة تشكّل عقبة أخرى: إذ تعمل معظم شركات التكنولوجيا الصينية باللغة المندرينية، ما يحد من فرص غير الناطقين بها. كما أن التوترات السياسية بين نيودلهي وبكين قد تصبح عاملاً يحد من عدد المتقدمين الهنود الذين ستقبلهم الصين، بحسب الخبراء. وقال فيلر: "على الصين أن تضمن شعور المواطنين الهنود بالترحيب وقدرتهم على القيام بعمل ذي معنى من دون لغة المندرينية". وتابع: "إذا تمكنت الصين من جذب حتى شريحة صغيرة من المواهب العالمية في التكنولوجيا، فإنها ستكون أكثر قدرة على المنافسة في التكنولوجيا المتقدمة".
لمن تُعتبر تأشيرة كي بديلاً؟
تركّز جهود استقطاب المواهب في الصين تقليديًا على العلماء المولودين في الصين والمقيمين في الخارج أو على الصينيين المغتربين. وشملت الجهود الأخيرة تقديم إعانات لشراء المنازل ومكافآت توقيع تصل إلى خمسة ملايين يوان (702.200 دولار). وساعد ذلك في استعادة المواهب الصينية في مجالات STEM من الولايات المتحدة، خصوصًا مع تزايد التدقيق الأميركي على الروابط مع الصين.
وفي السياق، قال داس، من جامعة سيتشوان، لـ"رويترز": "إن الجهد المبذول لاستقطاب المواهب الهندية في الصين يتنامى لكنه يظل معتدلًا مقارنة بالمبادرات الأكثر كثافة وتمويلًا التي تستهدف إعادة المواهب الصينية من الخارج". أما خريج صيني في مجال STEM حصل أخيرًا على عرض عمل من شركة تكنولوجية مقرها وادي السيليكون، فقد كان متشككًا بشأن آفاق تأشيرة K وقال – طالبًا عدم الكشف عن هويته: "الدول الآسيوية مثل الصين لا تعتمد على الهجرة، والحكومات المحلية الصينية لديها العديد من الوسائل لجذب المواهب المحلية".
وتمتلك الولايات المتحدة أكثر من 51 مليون مهاجر، أي ما يعادل 15% من سكانها، مقارنة بمليون أجنبي فقط في الصين، أي أقل من 1% من سكانها. ورغم أن الصين من غير المرجح أن تغيّر سياستها للهجرة بشكل يسمح بدخول ملايين العمال الأجانب، فإن محللين يرون أن تأشيرة K يمكن أن تعزز مع ذلك حظوظ بكين في منافستها الجيوسياسية مع واشنطن.
(الدولار = 7.1201 يوان)
