غزة
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
يبدو من العبث، أو الخوض في مغامرة، التطرق إلى سيناريوهات نهاية حرب الإبادة في قطاع غزّة، نظرًا لخروج الحرب عن منطق المعقول، وتداخل حسابات وتعقيدات خارجة عن السياق المعتاد في تقدير صيرورة هذه الحرب بالذات، تتجاوز المسائل المتعارف عليها في تقدير الصراعات العسكرية ومآلاتها، ليس حروب القرن الحالي فقط، بل أيضًا ما يتجاوز صراعات القرن الماضي، ولعل السبب الأبرز لفهم استمرار حرب الإبادة والإيغال أكثر في دماء الشعب الفلسطيني، والرغبة الجامحة في تدمير كلّ شيء هو تداخل حسابات شخصية خاصّة برئيس وزراء الكيان المطلوب للجنائية الدولية بتهم ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، وسعي تيارات يمينة دينية فاشية إلى إسقاط رؤاها التوراتية الخلاصية الغيبية على أرض الواقع، لاستثمار الفرصة التاريخية النادر حصولها وهي على قمة الهرم السياسي، بمشاركة متطرفين فاشيين آخرين، مع تداخل حسابات إقليمية أخرى، لعل أبرزها العجز والضعف العربي المزمن، خصوصًا الرسمي منه، في الوقوف ولو رمزيًا أمام الإدارة الأميركية المشاركة في حرب الإبادة، التي تربطها مصالح عسكرية واقتصادية واستراتيجية مع معظم الدول العربية، وبالتحديد الدول الخليجية، بالإضافة إلى التماهي الأميركي الكامل مع سلوكيات اليمين الفاشي في دولة الكيان، سواء من الإدارة الأميركية الديموقراطية السابقة، أو الجمهورية الحالية، التي تضم جمهوريين لا يقلون تطرفًا وصهيونيةً عن أشد القوميين الدينيين الفاشيين الصهاينة في دولة الكيان (إيتمار بن غفير، بتسلئيل سموتريتش، بنيامين نتنياهو)، ولكن يبقى المفتاح الأهمّ لفهم سلوك الحكومة الفاشية الحالية، وإصراراها على الاستمرار في حرب الإبادة، وتدمير غزّة بالكامل، رغم تداعياتها الكارثية الاستراتيجية على دولة الكيان من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية، والمتمثّل في عاملين رئيسيين: على الصعيد الداخلي، لا يسمح وضع الجيش الصهيوني باستمرار الحرب لأشهر طويلة، نظرًا للإرهاق الذي أصابه وتصاعد نسبة المستنكفين الأول مرتبط كليًا بشخصية نتنياهو، الواقع في قلب عاصفة من القضايا الجنائية، ومحاكمات الفساد، بتهم تلقي الرشوة، وخيانة الأمانة، واستغلال المنصب لأغراض شخصية، والأهمّ من ذلك مسؤوليته عن "كارثة السابع من أكتوبر/تشرين الأول"، حسب ما هو متعارف علية صهيونيًا، وما تبعها من إخفاقات في الحرب، خصوصًا المماطلة في إطلاق سراح الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، وإفشال معظم الصفقات الجزئية أو الكلية لتحريرهم، ومقتل عدد منهم بسبب مماطلات نتنياهو وشركائه الفاشيين في ائتلافه الحاكم، ومحاولاته المستميتة لمنع تشكيل لجنة تحقيق رسمية في كلّ ما حدث خلال الحرب وما قبلها، لذلك فإن نتنياهو يستخدم حرب الإبادة أداةً رئيسةً، وربّما وحيدةً للاستمرار في الحكم، والهرب من محاكم الفساد التي تلاحقه، ومحاولة إحباط تشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر، وتحقيق ما يسميه "النصر المطلق" بسحق المقاومة في قطاع غزّة، أو دفعها إلى الاستسلام، عسى أن تفيده في التغطية على إخفاقات الحرب، وفي الحصول على دورة انتخابية أخرى، تساعده في التملص من المحاكمات. الثاني يرتبط بشركائه الفاشيين الكهانيين (أتباع الإرهابي مائير كهانا)، في الائتلاف الحاكم إيتمار بن غفير (حزب العظمة الصهيونية)، وبتسلئيل سموتريتش (الصهيونية الدينية)، والوزراء الملحقين بالحكومة من هذه التيارات الفاشية، فهؤلاء مهوسون باستثمار وجودهم الطارئ في الحكم لتطبيق رؤاهم التوراتية الغيبية الخلاصية، المتمثّلة بالتسريع في المواجهة الشاملة تمهيدًا لعودة المخلص، الذي يقود "الشعب اليهودي" لبر الأمان لألف سنةٍ قادمةٍ، وتنفيذ مخططات الضم والاستيطان والتهجير من كل فلسطين التاريخية، بما فيها قطاع غزّة والضفّة الغربية، والسيطرة على المسجد الأقصى، وإقامة الهيكل المزعوم على الجزء الشمالي منه. توقع نتنياهو حسم الحرب خلال أشهر معدودة، باستسلام المقاومة وتسليم الأسرى، أو إعلان جيشه سحقها، لكن المقاومة رفضت الرضوخ للتهديدات والابتزاز الصهيوني الأميركي، وعندما طرح نتنياهو نفسه مبادرات مفصله على مقاسه لصفقات جزئية عبر الإدارة الأميركية، كان يتراجع عنها في آخر لحظة، خشيةً من تهديدات شركائه الفاشيين بالانسحاب من حكومته، والذهاب نحو انتخابات لن تكون لصالحه، وتعجل في فتح ملفاته الجنائية على مصراعيها، وفي آخر خطوة وجه جيشه بآلته العسكرية العاتية إلى تدمير مدينة بالكامل، وتهجير أهلها نحو جنوب القطاع، تمهيدًا لطردهم وتهجيرهم كلّيًا أو جزئيًا إلى خارج الوطن، علها تكون الخطوة الأخيرة لدفع المقاومة للاستسلام، أو تنفيذ مخطط التهجير، وبذلك يتحقق ما يصبو إليه من أهداف شخصية لا علاقة لها بالحرب، ولكن عملية عسكرية كهذه تستغرق ما لا يقلّ عن أربعة أشهرٍ، وهي المدّة اللازمة لتدمير بنايات غزّة ومربعاتها السكنية، لذلك ضغط بقوّة على القيادة العسكرية لتنفيذ هذا المخطط حتّى نهاية العام على أكثر تقدير، لاعتبارات داخلية وإقليمية ودولية. على الصعيد الداخلي، لا يسمح وضع الجيش الصهيوني باستمرار الحرب لأشهر طويلة، نظرًا للإرهاق الذي أصابه وتصاعد نسبة المستنكفين، التي وصلت إلى ما لا يقلّ عن 50% من القوّة البشرية لبعض كتائب الجيش، وقد تم استدعاء 60 ألفًا من جنود الاحتياط، تبدأ خدمتهم في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وتنتهي بعد سبعين يومًا من ذلك التاريخ، ومن الصعب استدعاء مزيد من الاحتياط بعد ذلك التاريخ. السبب الثاني، يتعلق بالأسرى الجنود في غزّة، وصعوبة استمرار الجيش الصهيوني في التقدم للسيطرة الكاملة على مدينة غزّة وتدميرها من دون التسبب بمقتلهم أو إصابتهم، عوضًا عن الذهاب إلى المنطقة الوسطى، والتسبب في مقتل الأحياء أو فقدان الجثث للأبد، وهو ما يعنى صعوبة إقدام نتنياهو ورغم صفاقته على التسبب في مقتل جميع الأسرى الأحياء. السبب الثالث، داخلي يتعلق باحتمال تبكير موعد الانتخابات إلى الربع الأول من العام القادم على خلفية فشل نتنياهو في إقرار قانون يعفي الحريديم (حزبي شاس ويهدوت هتوراة)، الذين انسحبا من الائتلاف الحاكم مع الاستمرار بدعم الحكومة في البرلمان (الكنيست)، لكن؛ إذا لم يُقرُ القانون مع عودة الكنيست إلى العمل في الدورة الشتوية نهاية أكتوبر/تشرين الأول سينسحبان من الكنيست أيضًا، وبالتالي ينهار الائتلاف الحاكم. لذلك فإن نتنياهو يستخدم حرب الإبادة أداةً رئيسةً، وربّما وحيدةً للاستمرار في الحكم، والهرب من محاكم الفساد التي تلاحقه، ومحاولة إحباط تشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر على الصعيد الدولي فإن الرئيس الأميركي ورغم انحيازه المطلق للكيان ورضوخه لكل مطالب نتنياهو، إلّا أنّه أعطى نتنياهو الضوء الأخضر ثلاث مرّات خلال العام الحالي لإكمال مهمّة "القضاء على حماس"، وإطلاق سراح الأسرى في غزّة وبسرعة، كما اعتاد نتنياهو على إقناعه في كلّ مرّة، لكن يبدو أن ترامب قد وضع سقفًا زمنيًا أخيرًا لنتنياهو ربّما لا يستطيع تجاوزه إلى العام القادم. بالمجمل فإن الفاشيين التوراتيين المهوسيين بتطبيق رؤاهم الغيبية الخلاصية، وسعي نتنياهو، في سياق معركته المصيرية لإنقاذ نفسه من الإدانة الجنائية، وتحمل مسؤولية السابع من أكتوبر، والذهاب إلى السجن، يتطلع إلى استمرار الحرب حتّى الانتخابات القادمة، وربّما يستخدمها ذريعةً لتأجيل الانتخابات، إلّا أنّ  وضع دولة الكيان، حسب كل خبراء الأمن القومي الصهيوني، من المؤسسة الأمنية والسياسية، يقرّون بأنّ دولة الكيان لا تستطيع الاستمرار في الحرب بما يتجاوز العام الحالي، لاعتبارات اقتصادية وعسكرية وسياسية دولية، خصوصًا المقاطعة المتصاعدة، وتحول الكيان إلى دولة منبوذة، والقناعة العامة لدى النخب الصهيونية بأنّ نتنياهو ذاهب إلى تدمير الدولة لاعتباراتٍ شخصيةٍ بحتة، ولصالح قناعات توراتية غيبية خلاصية لا تمتّ للواقع بصلة، لذلك ربّما يكون سقف حرب الإبادة نهاية العام الحالي على الأغلب.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية