أن تكون صحافياً في قطاع غزة
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
قتلت إسرائيل حتّى اللحظة 251 صحافيًا في قطاع غزّة وحده، جلهم ارتقت/ قتلت عائلتهم معهم، في عمليات قصف متعمدة ومباشرة، فضلًا عن الصحافيين المصابين، الذين بُترت أطرافهم وما زالوا يرقدون على أسرة المستشفيات في وضع صحي حرج للغاية، فوفق معطيات إحصائية محلية ودولية، لم يسبق في أيّة حروب أو نزاعات أو صراعات دولية أو محلية أن قُتل واستهدف هذا العدد من الصحافيين. لا يمكن توصيف واقع الصحافيين المهني والإنساني، وظروف عملهم في قطاع غزّة، كما لا يظنّ الكاتب أن هناك لغة أو مفردات يمكنها احتواؤه، إذ لكل منهم قصته وحياته وذكرياته وأحلامه وعائلته، وليس الكاتب هنا بمعرض توصيف الواقع الصحافي في قطاع غزّة، وهو يقف الآن في منتصف الطريق بين القهر والحيرة؛ قهر الواقع الذي فرضه الاحتلال وقهر العجز. الكتابة في قطاع غزّة الآن ليست مجرد عملية عصف ذهني، ولا هي وصف وتحليل ولا تعليل، الكتابة شهادة وصرخة وتراجيديا، نكتب أوجاعنا كي لا تُنسى وتتلاشى مع الأيّام، وبعد تغير الظروف؛ إذ يكتب الكاتب هنا لسببين: الأول، الهروب من السيناريوهات التي تعصف برأسه ولا تغادره من هول ما شاهد من استهداف الصحافيين في القطاع، وقد عايش وشاهد ووقف على مجموعة جرائم سيذكرها. مع انزياح غبار الضربة، تبين أن المكان الذي قُصف هو مكان وجود حسام المصري، وهذا موثق بالصوت والصورة، سارع بعض رجال الدفاع المدني والمسعفين يرافقهم عدد من الزملاء المصورين والمراسلين الثاني، أنّه قد يقضي شهيدًا في أيّ لحظة، وهذا مصير أيّ إنسان فلسطيني في القطاع صحافيًا كان أم كاتبًا، أم حتّى إنسانًا عاديًا، لذا لا يريد الكاتب أن تمر المشاهد العالقة في ذاكرته من دون كتابة وتدوين وتوثيق لتكون شهادةً حيةً. فأن تكون صحافيًا في قطاع غزّة يعني أنك مُستهدف، قد تُقتل وحدك أو برفقة عائلتك أو زملائك في أيّ لحظة لأنك صحافي، ولأن إسرائيل تريد قتل كل شيء في القطاع؛ هناك تقدير إسرائيلي يقول إنّ تآكل الرواية الإسرائيلية في تبرير الحرب على قطاع غزّة، واتساع وتمدد حالة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني في غزة وقضيته، ورفض الإبادة الحاصلة والمتواصلة في القطاع، والمطالبة بوقف الحرب، والتأثير على المواقف الرسمية الدولية حدث بفعل جهد الصحافيين الفلسطينيين في غزّة؛ فمنذ بداية الحرب على قطاع غزّة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 منعت إسرائيل دخول أيّ صحافي أجنبي، وأيّ وسيلة إعلامية أجنبية إلى القطاع، إذ رفضت كلّ طلبات الدخول. بالرغم من ظروف العمل غير العادية، من خيمة لا تقي الحر والقر، والقصف والقتل والاستهداف والاغتيالات المعلنة، استطاع الصحافي الفلسطيني إيصال رسالته، والاستمرار في أداء مهمّته. أولى الصدمات التي سجلتها ذاكرة الكاتب كانت في 2025/10/23؛ حين عاد الصحافي جمال الفقعاوي إلى بيته من عمله، بعد توثيقه جرائم الاحتلال في مستشفى ناصر، إذ التقاه الكاتب مصادفةً، وشرب معه الشاي، حينها أخبر أنه سيبيت الليلة في بيته مع أسرته؛ ثمّ ومع ساعات الفجر قُصف بيته، ليرتقي شهيدًا رفقة عائلته، أو بالتعبير الدراج "مُسحت عائلته من السجل المدني". كانت تلك جريمة فارقة في الوعي الصحافي الجمعي في قطاع غزّة ومفادها أن عائلتك كلّها قد تدفع ثمن عملك الصحافي ولست وحدك. بعد ذلك تعددت الاغتيالات والاستهدافات، لتنتقل من الصحافيين إلى الكتاب والمحللين السياسيين، برفقة عائلاتهم أيضًا؛ كما في ارتقاء الكاتب الصحافي عبد الله العقاد وعائلته، ثمّ الكاتب الصحافي أيمن الرفاتي، ثمّ الكاتب الصحافي عرفات أبو زايد، والقائمة تطول، فما زال القتل مستمرًا كما الاستهداف والاغتيال. أهرب من وجع الكتابة عن زملاء وأصدقاء لا يتسع المقام ولا المقال هنا لذكرهم كلّهم، وقد جمعتنا مواقف وذكريات نسفها الاحتلال كلّها، لأسجل شهادتي حول جريمة اغتيال مع سبق الإصرار والتكرار، حدثت على الهواء مباشرة، ارتقى فيها خمسة صحافيين؛ في  2025/8/25، في تمام الساعة 10:07 صباحًا، حينها سمعت صوت دوي /انفجار كبير في مستشفى ناصر، لذا توجهت إلى النافذة، فشاهدت دخانًا كثيفًا أعلى مبنى/الطوارئ، في الجهة الشمالية، الطابق الرابع تحديدًا، الدّرج الخارجي للطوارئ، حيث جرت العادة أن يتجمع الصحافيون للحصول على إشارة إنترنت قوية لرفع موادهم الصحافية، وكذلك حيث تعود الصديق المصور الصحافي حسام المصري منذ مدّة طويلة أن يضع كاميرا تصوير وكالة رويترز ليصور عمليات القصف والنسف ويوثقها، وتحديدًا التي تحدث وسط مدينة خانيونس، وبالمناسبة كانت عملية التوثيق والتغطية تتم على الهواء مباشرة من خلال جهاز ((TVU. فأن تكون صحافيًا في قطاع غزّة يعني أنك مُستهدف، قد تُقتل وحدك أو برفقة عائلتك أو زملائك في أيّ لحظة لأنك صحافي، ولأن إسرائيل تريد قتل كل شيء في القطاع مع انزياح غبار الضربة، تبين أن المكان الذي قُصف هو مكان وجود حسام المصري، وهذا موثق بالصوت والصورة، سارع بعض رجال الدفاع المدني والمسعفين يرافقهم عدد من الزملاء المصورين والمراسلين الى المكان المستهدف وصعدوا الدّرج وهم يرتدون زيهم الرسمي والفسفوري المميز، كما هو واضح في الصور ومقاطع الفيديو، وكذلك الزملاء من مصورين وصحافيين ومراسلين كلهم يرتدون الدرع الخاص بالصحافة، كما يحملون كاميراتهم ويصورن هدم البيوت ويوثقون الجرائم. تجمع عدد كبير جدًا من الناس أمام المستشفى ومدخل الطوارئ، وتحديدًا أسفل المكان المُستهدف، في انتظار إنزال المُصابين والشهداء، وكان حسام المصري بينهم حيث ارتقى شهيدًا إلى جانب إصابة بعض المارة. في تمام الساعة 10:17 صباحًا، أيّ بعد عشر دقائق تقريبًا، قُصف المكان ذاته مرّةً أخرى، من الجهة الشمالية الغربية، بقذيفة مدفعية موجهة، كما وثقه التسجيل المصور (الفيديو). كذلك يظهر الفيديو تجمهر عدد كبير من الناس في ساحة المستشفى، وعلى الدرج وعند بوابة الطوارئ. ارتقى في عملية القصف الثانية خمسة صحافيين شهداء، هم (حسام المصري؛ مريم أبو دقة؛ محمد سلامة؛ معاذ أبو طه؛ أحمد أبو عزيز)؛ وأصيب ثلاثة آخرين إصابات خطيرة جدًا (هم حاتم عمر؛ وجمال بدح الذي بُترت قدمه اليمنى من أعلى الركبة؛ ومحمد فايق الذي كاد أن يُصاب بشلل نصفي، وكلاهما ما زال يرقد في المستشفى)؛ وأصيب عدد آخر من الصحافيين إصابات طفيفة. هذه المرّة الثالثة التي تُستهدف/ تقصف فيها الطواقم الصحافية في محيط مستشفى ناصر وداخله؛ كانت المرّة الأولى 2025/4/7، وارتق حينها الصحافي أحمد منصور شهيدًا، بعدما احترق جسده تمامًا نتيجة القصف، إذ لم يتمكن من الوقوف على قدميه، وبقي جالسًا على كرسيه لأن شظايا القصف أصابت دماغه محدثةً شللًا كلّيًا، ومعه الصحافي حلمي الفقعاوي؛ وأصيب عدد من الصحافيين من بينهم حسن اصليح. قصف الاحتلال للمرّة الثانية مبنى الطوارئ في مستشفى ناصر، وتحديدًا الغرفة التي كان حسن اصليح يتلقى علاجه فيها؛ في 2025/5/13 ليرتق شهيدًا. هذه عينة موجزة ومختصرة من قائمة الشهداء الصحافيين، الذي ارتقوا شهداء على طريق الحقيقة وفضح جرائم الاحتلال. وهم مستمرون ويدركون بأنّ حياتهم قد تكون ثمنًا لعملهم ورسالتهم. ختاماً أن تكون صحافيًا في قطاع غزّة يعني أن تكون مستهدفًا، وأنك على قائمة الاغتيال الإسرائيلية، لا لشيء إطلاقًا إلا بسبب قيامك بواجبك في فضح جرائم الاحتلال.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية