تشديد بريطانيا قوانين الهجرة ينتج أزمة ديمغرافية ومدارس فارغة
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
جدد تشدّد بريطانيا إزاء المهاجرين النقاش حول دورهم في سدّ الفجوة الديمغرافية في البلاد، والحفاظ على نبض الأحياء والأسواق، وكثافة المدارس. بين صور تلاميذ بريطانيا الذين يرتدون زيّهم المدرسي الجديد، تختبئ أزمة صامتة تهدد مستقبل الصفوف الدراسية، إذ تشهد البلاد تراجعاً تاريخياً في معدلات الولادة، ما يعني أن الكثير من المدارس قد لا يجد العدد الكافي من التلاميذ خلال الأعوام القليلة القادمة. وحذّر مكتب الأبحاث البرلماني، في تقرير بتاريخ 20 مايو/أيار الماضي، من أن عدد الأطفال في المملكة المتحدة سينخفض من 12.4 مليوناً في منتصف عام 2022 إلى 11.6 مليوناً بحلول منتصف عام 2032، ما سيؤثر على أعداد التلاميذ، وبالتالي على تمويل المدارس.  وأشار معهد سياسة التعليم في دراسة إلى أن عدد التلاميذ في المدارس الحكومية بإنكلترا سينخفض من 7.57 ملايين في العام الدراسي 2022–2023 إلى نحو 7.14 ملايين بحلول 2028–2029، ما سيؤدي إلى تراجع الميزانية الإجمالية للتعليم العام إلى 41.6 مليار جنيه إسترليني في العام الدراسي 2029–2030، بانخفاض يقارب مليار جنيه مقارنة بذروة الإنفاق المسجّلة عام 2024–2025. يقول متحدث باسم مجلس بلديات لندن لـ"العربي الجديد": "نظراً للتراجع المستمر في الطلب على المقاعد الدراسية، تضطر السلطات المحلية إلى اتخاذ القرار الصعب بإغلاق بعض المدارس التي لم تعد قابلة للاستمرار مالياً. هذا الإجراء يُتخذ خياراً أخيراً بعد دراسة جميع البدائل، مثل خفض أعداد القبول، وتلعب البلديات دوراًَ محورياً في ضمان توفر مقاعد دراسية كافية وبجودة عالية في المناطق، وستواصل العمل مع المدارس لإدارة تراجع الطلب من دون التأثير سلباً على نتائج الأطفال التعليمية". يضيف المتحدث: "يرحب المجلس بالتدابير المقترحة في مشروع قانون رفاهية الأطفال والمدارس التي تهدف إلى إيجاد نظام أكثر عدالة وأقل بيروقراطية لتخطيط المقاعد والقبول، وتشمل المقترحات فرض واجبات جديدة على المدارس والسلطات المحلية للتعاون بشأن القبول، وتمكين مفوض المدارس من تحديد أعداد القبول، وتوسيع صلاحيات السلطات المحلية لتشمل الأكاديميات، وإنهاء الافتراض القانوني بأن تكون كل المدارس الجديدة مصنفة أكاديميات". وفي يناير/كانون الثاني 2024، حذر تقرير صادر عن مجلس بلديات لندن من أن العاصمة تواجه تراجعاً ملحوظاً في أعداد التلاميذ، مع انخفاض متوقّع يصل إلى 4.4% في الصف الأول، و4.3% في الصف السابع بحلول عام 2028، بينما تشهد سبع بلديات انخفاضاً يتجاوز 10%. وأشار التقرير إلى أن ربع المدارس التي تديرها السلطات المحلية تعمل في ظل عجز مالي، بينما 40% أخرى على حافة العجز، مع توقّع أن يرتفع العجز الجماعي في منح التعليم إلى نحو 370 مليون جنيه إسترليني بحلول عام 2026، كما أن معدلات التراجع أشد وطأة في الأحياء الداخلية، حيث تجتمع ضغوط غلاء المعيشة ونقص السكن الميسّر مع انخفاض المواليد، ما يرفع احتمالات إغلاق مدارس عدة، مع تحذيرات من أن خسارة هذه الأصول التعليمية قد تضطر السلطات مستقبلاً إلى شراء أراضٍ جديدة لبناء مدارس إذا ارتفعت معدلات الولادة مجدداً. وتظهر البيانات الأحدث الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطني أن معدل الخصوبة الإجمالي في إنكلترا وويلز تراجع خلال عام 2024 إلى 1.41 طفل لكل امرأة، وهو الرقم الأدنى منذ عام 1938، رغم تسجيل زيادة طفيفة في عدد الولادات. وأوردت صحيفة "ذا غارديان" في 27 أغسطس/آب الماضي أن هذا التراجع يأتي للعام الثالث على التوالي. في اسكتلندا، أعلنت السجلات الوطنية في 26 أغسطس الماضي أن عدد المواليد بلغ 45 ألفاً و763 فقط، وهو الأدنى منذ بدء التسجيل في عام 1855، فيما تراجع معدل الخصوبة إلى 1.25 طفل لكل امرأة، وهو الأدنى منذ بدء نشر البيانات في عام 1951، بحسب صحيفة "التايمز". وفي لندن، ورغم بقاء معدلات المواليد منخفضة، سُجل ارتفاع طفيف من 1.33 إلى 1.35 طفل لكل امرأة، بحسب مكتب الإحصاءات الوطني، وتحتفظ العاصمة بمتوسط عمر للأمهات يُعد الأعلى في البلاد، إذ يبلغ 32.5 سنة، ما يعكس تراجع الخصوبة بين الفئات العمرية الأصغر، خصوصاً بين 25 و29 سنة. ولا يقتصر التباين في الرؤى حول علاقة الهجرة في بريطانيا بالأزمة الديمغرافية على أروقة السياسة وصنّاع القرار، بل يتجلى كذلك في النقاشات العامة، ففي منتدى بريطاني شهير، نشر مستخدم، في 11 مارس/آذار 2024، تعليقاً يقول فيه إن "معدلات الولادة تتراجع في مختلف أنحاء العالم، والهجرة ليست سوى إجراء مؤقت لملء الفجوة، وإذا استمر المسار الحالي، فمن المتوقع أن يشكّل أبناء المهاجرين من الجيل الأول والثاني نحو 30% من سكان بريطانيا بحلول عام 2035، ما يثير جدلاً حول هوية المجتمع في غياب موافقة شعبية واضحة على هذا التغيير". في سياق متصل، نشر مستخدم آخر في اليوم التالي طرحاً مغايراً، إذ اعتبر أن "الحل لا يكمن في الهجرة وحدها، بل في جعل حياة البريطانيين أكثر قدرة على استيعاب الأطفال عبر توفير سكن ميسور ورعاية أطفال ميسّرة التكلفة وتحسين إجازات الأمومة والأبوة". والمفارقة أن الأزمة الديمغرافية في بريطانيا تتزامن مع تشدد حكومي في سياسات الهجرة، إذ أرسلت السلطات إنذارات لطلاب الجامعات الأجانب تطالبهم بمغادرة البلاد فور انتهاء دراستهم، وأقرت الحكومة قوانين جديدة تحد من دخول المهاجرين. بينما يفرض انخفاض معدلات الولادة ضغوطاً على المدارس وسوق العمل ونظام الرعاية الاجتماعية على المدى الطويل، ما يجعل الهجرة مهمة في الحفاظ على توازن المجتمع، من إبقاء الصفوف الدراسية ممتلئة، وحماية المدارس من الإغلاق، إلى رفد سوق العمل بالأيدي العاملة الشابة، وتخفيف الأعباء الضريبية عن الجيل البريطاني المقبل.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية